الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:55 AM
الظهر 11:28 AM
العصر 2:16 PM
المغرب 4:41 PM
العشاء 6:00 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

يا عيب الشوم… لبنان يَصفَع الـ GBU-39B بروح الطبطبائي

الكاتب: د. محمد عودة

كانت الساعة تشير إلى الرابعة عشرة واثنتين وأربعين دقيقة من بعد ظهر الاثنين 24 نوفمبر الماضي، عندما زلزلت عدة انفجارات أرجاء الضاحية الجنوبية، وتحديدًا في حارة حريك. أدّت –بحسب وزارة الصحة اللبنانية– إلى مقتل خمسة وجرح ما يقارب ثلاثين شخصًا. تشير التقارير إلى أن سبع قذائف أُطلقت على الطابقين الرابع والخامس من المبنى المستهدف، والمكوّن من عشرة طوابق، إلا أن إحدى هذه القذائف من نوع GBU‑39B لم تنفجر.

إن معرفة القدرات الخارقة لهذه القنبلة يدفعنا للتفكير بعيدًا بأن حروب المستقبل لن تكون بحاجة إلى جيوش كبيرة، إذ يكفي رأس متفجر ذكي، مُصمَّم بدقة، قادر على اختراق الخرسانة وتحديد الهدف وكأنه يعرفه شخصيًا، ثم الانفجار بما يكفي ليمحو حياة ويترك حفرة لا تتسع لها الذاكرة. فهذه القنابل ليست سلاحًا للترهيب فحسب، بل لتنفيذ مهمة محسوبة؛ تنطلق نحو نقطة صغيرة وتفتح بابًا للموت بمفاتيح إلكترونية أُعدّت في مصانع بعيدة. وبالرغم من كونها اختراعًا متقنًا، ويُقال عنه ذكي، إلا أن غباءها منقطع النظير.

في الغالب، تتهرب الدول المعتدية من الاعتراف بعدوانها. أما في حالتنا، وبحكم ضعفنا وهواننا، فإن المعتدين يتفاخرون بإنجازاتهم من القتل والدمار، ولا يكتفون بذلك، بل يطالبوننا بالاعتذار لأننا ضربنا بأرواح أبنائنا قنابلهم وصواريخهم. كما يطالبوننا بإعادة ذكائهم الغبي الذي لم ينفجر، ليعودوا فيقتلونا به مرة أخرى.

لكن الـ GBU‑39B التي سقطت هذه المرة على بناية يسكنها لبنانيون ويقع على عاتق الدولة حمايتهم، قررت فجأة أن تعاند مصيرها. لم تنفجر. بقيت هناك، صامتة، باردة، خائنة لبرمجتها، وكأنها تذكّر الجميع بأن الحساب الحقيقي ليس في الضغط على زر الإطلاق ولا في الصاعق، بل في حكمة الرب التي تكشف إلى أي مدى وصلت صلافة المعتدين، وإلى أي مدى وصل ذلّ وهوان المعتدى عليهم. وكأنها تبرهن أنه لا دولة ولا سيادة في لبنان؛ فلبنان الحديث تحوّل إلى ملعب رماية تُختبر وتُجرَّب فيه الأسلحة، ليس على أصنام كرتونية، بل على اللحم اللبناني الحي.

ثم يأتي الطلب الأميركي، بكل هدوء، وبكل ثقة المنتصر، وبكل شعور المالك الذي لا يُنازع: أعيدوا القنبلة. بذرائع واهية وعنجهية وصَلَف منقطعي النظير. تطالب أمريكا بالقنبلة وكأنها حقيبة نسيها أحد الزوار؛ تطالب بها ليس كمصنِّع فحسب، بل كشريك في العدوان. تطالب بها وكأن ما حدث ليس أكثر من سوء فهم، وأن البيوت التي تهدمت، والناس الذين قتلوا، والذين أصيبوا، مجرد تفاصيل جانبية في تقرير تقني.

المهم في الموضوع هو الهيكل، الشرائح الإلكترونية، أذناب التوجيه، عقل السلاح… لا الضحايا. كل ما يشغل الدولة المجرِّبة هو ألّا تقع التكنولوجيا في الأيدي الخطأ. وما دامت الضربة نُفِّذت فوق رؤوس من لا يملكون رفاهية الاعتراض، فالأمر يمرّ بلا تعقيد.

المُذلّ في القصة ليس أن الدولة لا تملك القدرة على ردع العدوان ومنع القنبلة من السقوط على شعبها –فلبنان اعتاد منذ زمن على التعرض لكل أشكال الأسلحة بما فيها المحرّمة دوليًا– بل المذلّ حقًا هو أن لبنان، بعد أن انتُهكت سيادته وتلقّى الضربة التي أودت بحياة مواطنيه، يبدو مترددًا ويجري حسابات معقدة. تفكر حكومة لبنان في الرد الرسمي المناسب، مع مراعاة شعور المعتدي الأميركي، وكأن العلاقة معه علاقة مستخدِم، لا علاقة قاتل بضحية. الدولة التي يُستباح فضاؤها تتحول فجأة إلى مكتب خدمات: تلمّ السلاح، تنظفه، وتفكر بطريقة لا تزعج من أرسله.

أما المعتدي الأساسي فيقدّم نفسه للعالم كمخترع يريد "تصويب" اختراعه حتى يصبح أكثر دقة، قادرًا على إصابة أهدافه دون مجال للخطأ أو الفشل في الانفجار. مطلوب تصويبه حتى يصبح قادرًا على القتل في كل الأماكن التي تفكّر بالاختلاف أو التعارض مع الصانع والقاذف. كلاهما يملك حق توظيف التعابير التي تروق له؛ فعندما يعتديان ويقتلان فهو "دفاع عن النفس" أو "استباق". أما من يدافع عن نفسه فهو "إرهابي" أو "راعٍ للإرهاب".

القنبلة التي لم تنفجر كشفت أكثر مما تكشفه القنابل التي تنفجر. كشفت أننا عُراة، وأن سيادة لبنان وبقية بلدان المنطقة لا تعدو كونها حبرًا على ورق، وانتهاكها لا يحرك فينا ساكنًا. فالسيادة في الدساتير وحدها لا تكفي. كشفت القنبلة أن حقائقنا مقلوبة؛ مطلوب من المُعتدى عليه أن يعتذر لأنه –من غير قصد– عطّل جزءًا من رواية المعتدي القاتل. كشفت أن لا معنى للحق إذا لم يكن مكفولًا بالقوة. كشفت عجزنا حتى عن الاحتفاظ بالقنبلة التي كادت تقتلنا في متحفٍ مفترض لتخليد الضحايا.

مشهد أمتنا مخزٍ: دولٌ تُضرب ولا تملك حتى حق أن تغضب، ومعتدٍ يُمجَّد لأنه يملك قوة تنشر الدمار والموت في كل مكان، وقنبلة لم تنفجر لكنها فجّرت كل معاني السيادة. ما تبقى ليس إلا السؤال المُرّ: إلى متى تبقى الدول العربية مطالبة بأن تعيد أدوات قتلها إلى من أرسلها كي يجرّبها مرة أخرى بشكل أفضل؟

إلى متى سيبقى حائط الأمة العربية الأقصر، القابل لأن يمتطيه من هبّ ودبّ؟ لقد آن الأوان لتصحو الأمة، وتستعيد مجدها، وتُسهم في إعادة الغزاة إلى حيث أتوا.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...