إعلام سام مثل "رغيف الحواوشي"!
الكاتب: إبراهيم ملحم
مَن يتابع القنوات الإخبارية الإسرائيلية، ويستمع لتحليلات المحللين، وتصريحات المسؤولين، يُصاب بالغثيان، من حجم التعبئة العنصرية المتغذية من سرديةٍ ملفقةٍ كاذبةٍ خاطئة، تلوي عنق الحقيقة، وتحشو الكلمات المتقاطعة في طبقٍ مسمومٍ يقدَّم للمشاهدين، مثل "رغيف الحواوشي"، كما يقول المصريون، الذي تُخفي بهاراته الحارقة ما يحتويه من لحومٍ فاسدة.
منذ اللحظة الأولى لوقوع الهجوم الإرهابي البشع في سيدني، تسابقَ الإعلاميون والسياسيون الإسرائيليون على توزيع الاتهامات، وشيطنة الإسلام والمسلمين، واتهام "حماس" تارةً، وطورًا إيران، فيما حمّل نتنياهو الدولة الأسترالية المسؤولية لاعترافها بالدولة الفلسطينية، وسرعان ما وقع في فخ لسانه الذي يسبق عقله، بالادعاء أنّ يهوديّاً بطلًا تمكّنَ من السيطرة على القاتل، قبل أن يبلع لسانه، عندما اكتشف أن البطل يُدعى أحمد الأحمد، وهو مسلم أسترالي من أصل سوري، غامر بحياته من أجل الانتصار لإنسانيته.
واقعة سيدني الإرهابية تنتمي إلى الدعشنة، كما كشفت التحقيقات الأسترالية الأولية، فطيلة عامي الإبادة لم نسمع مجرد إدانةٍ من تلك الحركة المنتدبة لمهماتٍ محددة، تسيء للدين القويم، ولها ما يشبهها من غلاة الأصولية التوراتية في إسرائيل.
في حمأة الشيطنة والتعبئة العنصرية الحاقدة ضد أهلنا في غزة، الذين وُصفوا بالوحوش البشرية، وأنْ لا أبرياء بينهم، لم نسمع ولم نرَ من بين الإسرائيليين مَن يشبه أحمد الأحمد في إنسانيته وبطولته، لوقف قتل النساء والأطفال والشيوخ والشبان، بل رأينا مَن يفاخر في ممارسة القتل، وكأنه في رحلة صيدٍ على شاطئ البحر، ومن يلقي القنابل على المنازل والخيام والمستشفيات دون أن يرفّ له جفن، ورأينا من يمنع المسعفين من الوصول إلى الطفلة هند رجب، وسمعنا آخر استغاثاتها قبل أن يُغيّب رصاص الدعشنة صوتها. ورأينا مَن يتخذ من حبل المشنقة زينةً يتزيّا بها على معطفه.
ما جرى في سيدني يحمل بصمات الجرائم المرتكبة في غزة والضفة، فاستهداف المدنيين، مهما كانت جنسياتهم أو معتقداتهم أو ألوان بشرتهم، عملٌ إرهابيّ يقود إلى المحكمة الجنائية.
فهل نرى من بين الإسرائيليين مَن يتخلق بأخلاق أحمد الأحمد، ويستلهم بطولته وإنسانيته في وقف القتل المفتوح دون ضوابط بحق الضحايا، الذين كان آخرَهم الطفلان عمار تعامرة ومهيب أحمد جبريل في قرية تقوع؟

