الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:59 AM
الظهر 12:35 PM
العصر 4:07 PM
المغرب 6:54 PM
العشاء 8:11 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

عن الحرية و"السدامة"

الكاتب: توفيق وصفي

رايه نيوز: لم أجد في قواميس اللغة ولا في آراء الفلاسفة كبيرَ اختلاف في تفسير معنى الحرية، فمعظمها يقدس حق الفرد في الفعل والقول والتفكير، ويستثني حالات تمس فيها هذه الحرية حريات الآخرين، فتبارى مهندسو مفهوم الحرية وناظمو حدودها في أزمان وكيانات مختلفة في إغراء التوّاقين للتمتع بأقصى درجات الحرية، دون أن يفلحوا ولا مرة في استقطاب الفئات كافة، دائماً هناك من يعارض ومن يتظلم ويشكو انتقاص حريته أو انتهاكها، ودائماً هناك من يرى أن الحرية حكر عليه لا يستحقها سواه، بصلافة تسندها قوته وضعف من يستعبدهم، مستمداً تشريعاته من رغبته في التسلط المطلق عليهم، بالرغم من تستره بشرائع الأمم المتوارثة، والويل لمن يُشكك في التزامه بها.
أُحبُّ ربّي وقرآنَه، لأنه أنصفني كإنسان، مهما كان معتقدي وناموسي، يكفيني أنه سبحانه وتعالى قرر في سورة البقرة أن "لا إكراه في الدين"، وحث على الدعوة إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة لا بالسيف، مانحاً الذي يرفض الاستجابة حق إبداء رأيه وليتحمل مسؤولية ذلك عند السؤال العظيم، كقوله في علاه في سورة الكهف "وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"، مستهجناً في سورة يونس مبدأ الإكراه في العقيدة، "أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين"، دون أن يسهو رب العزة عن تذكير رسوله الأمين بحدود دوره، بما أوحى به إليه من سورة الغاشية "فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر".
بين جدران السجن وما يشبهه تتراجع الحرية كمفهوم وممارسة إلى مجرد حلم يراود المساجين، يحتفظون بهامش يتعلق بإراداتهم في إدارة حياتهم داخل السجن، بانتظار الإفراج عنهم أو لمواجهة السجان، ثمة أقوياء يستقطبون من على هواهم، وثمة ضعفاء يتيهون بينهم، إلا إن أدرك الجميع أن خصمهم الوحيد هو السجان، فيتحدون في موقف جامع على قلب رجل واحد، وإن كانوا ليسوا على رأي واحد، خيارهم وسط دون تطرف، "وكذلك جعلناكم أمة وسطاً"، لا يصدُق فيهم قول الراحل الشيخ إمام "يعيش أهل بلدي وبينهم مافيش، تعارف يخلّي التحالف يعيش"، بل يصدق فيهم قول الله "واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا"، الذي سهّل لهم آلية المشاركة وإن اختلفوا في الرأي بالشورى، كواجب عليهم لبلوغ المصلحة العليا لهم، "وأمرهم شورى بينهم"، مع التشديد على الشجاعة في إبداء الرأي دون مواربة، وهو ما فعله رسول الله (ص) بقوله "لا يكن أحدكم إمعة، يقول أنا مع الناس، إن أحسن الناس أحسنت وإن أساؤوا أسأت، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساؤوا تجتنبوا إساءتهم).
والقهر في حق التعبير عن الرأي كمركز للحرية الفردية لا يُسيّر مركباً، وإن جدّف بحارته تحت لسع السياط والزجر، من الآمر القريب، ابن الجلدة نفسها، لكن الساعة تدور والعين على الدفّة على وقع المجداف، وثمة لحظة حتمية تنتقل فيها الدفة إلى يد أخرى، يُصبح الحديث فيها عن التوافق مجرد تسليم بمعادلة أخرى للسلطة، أي التسلط على رأي الآخر، وهكذا، كالحب الذي يأتي ثم يغيب، دون أن ينتهي!
مَن يضمن مستقبلاً لا يسقي بذرتَه الأحرار، المؤمنون بتغيير واقعهم مهما كان موقعهم، على هدي من معايير للحرية توافقت عليها الملل والأديان، لا تمنع ممارسة التغيير بالفعل والقول والقلب، فما عدا ذلك مستقبل العبيد، يئدون بذرته التي تشكلت من صبر ووجع وتضحيات، باختلافهم حول مفهوم المصلحة العليا، هل الوطنية أم القومية أم الدينية، ثم ينوحون لاستدرار الشفقة من مبتكري المخارج، بينما يقطع عليهم الطريق عنيد، يظن نفسه رابحا، غير آبه بأسف ينتظره، بعد خراب البصرة، تملؤه جهالته ثقة بأنه على طريق السلامة، بالرغم من كل ملامح الندامة المكنونة في دربه الاستثنائي، لعل له درباً غير مسبوق، اسمه درب "السدامة"، أي درب الهم والندم، وهذا ليس خيار الأحرار.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...