الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:29 AM
الظهر 12:45 PM
العصر 4:25 PM
المغرب 7:35 PM
العشاء 8:59 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

مؤامرة ترتد لنحر إسرائيل

الكاتب: علي الصالح

ليس جديدا أو غريبا أن تتجسس الدول على بعضها بعضا، سواء كان التجسس سياسيا، عسكريا، اقتصاديا، تكنولوجيا أو غير ذلك، حتى إن كانت هذه الدول ترتبط بعلاقات صداقة متينة وفي إطار حلف واحد كالحلف الأطلسي «الناتو» مثلا.

والشواهد على ذلك كثيرة فاسرائيل تجسست ولا تزال، على الولايات المتحدة، ولنا في محلل المعلومات لدى الحكومة الأمريكية جوناثان بولارد مثال. فقد اعتقل عام 1985 وادين عام 1987 بالتخابر والتجسس لصالح إسرائيل ونقل وثائق ومعلومات في غاية السرية، وحكم عليه بالسجن المؤبد وأفرج عنه في نوفمبر 2015 بعد أن قضى في السجن ثلاثة عقود.

وتجسست المخابرات المركزية الأمريكية «سي آي إيه» على مكالمات الصديقة أنغيلا ميركل المستشارة الألمانية وغيرها من زعماء الدول الأوروبية الصديقة. وهناك عملية تجسس تتكشف أوراقها أو بالأحرى وثائقها بين روسيا والولايات المتحدة. فبعد اتهام المخابرات الروسية بتسريب وثائق حول استخدام هيلاري كلينتون لإيميلها الشخصي لاستقبال مئات آلاف الوثائق الرسمية الحساسة، ما أفقدها الانتخابات، كشف في الأسبوع الماضي عن تسجيلات مصورة لمغامرات الرئيس المنتخب دونالد ترامب، الجنسية والتجارية خلال زياراته لروسيا، وقد تضع هذه التسجيلات، إن ثبتت دقتها وصحتها، ترامب في وضع حرج. بل إن التجسس قائم حتى بين المؤسسات الرسمية في البلد الواحد، في إطار الصراعات والمنافسات الشخصية. ولن أبعد كثيرا وسأعطي مثالا فلسطينيا، فقد سجل جهاز المخابرات العامة، ليس في عهد مديرها الحالي ماجد فرج، شريطا لرئيس ديوان الرئاسة وهو في أوضاع غير لائقة ما أدى إلى استقالته.

وليس جديدا أيضا أن تحاول هذه الدولة أو تلك التدخل سرا في سياسات أحزاب دولة اخرى..

والمثال الابرز طبعا هو إسرائيل، إذ يسمح لها بالتدخل علنا في انتخابات الرئاسة الأمريكية، وكذلك مجلسي الشيوخ والنواب، إما مباشرة من الدولة نفسها أو لوبياتها، ونذكر منها على سبيل المثال لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية «ايباك» و»جي ستريت» وغيرها. وفي بريطانيا أيضا لوبيات صهيونية تتحرك بالتنسيق مع سفارة إسرائيل في لندن، وعبر فروعها في الاحزاب الرئيسية الثلاثة، المحافظين والعمال والديمقراطيين الأحرار، تعرف باسم أصدقاء إسرائيل.

بيد أن الجديد والغريب في الأمر هو أن يجلس مسؤول في سفارة دولة ما حول مأدبة غداء أو عشاء في مطعم فاخر في عاصمة البلد المضيف، يتبجح ويفاخر بتدخلاته في سياسات احزاب، لا بل حكومة البلد المضيف ويخطط لإسقاط وزراء وسياسيين..لا دولة في العالم يمكن أن تقدم أو تجرؤ على مثل هذ التصرف الذي يتسم بالوقاحة والعنجهية والتعجرف سوى دولة اسرائيل، التي تعامل كالطفل المدلل، فما يحق لهذا الطفل لا يحق لغيره.. وإسرائيل تعلم مسبقا أن سعيها دوما مشكور وذنبها مهما عظم مغفور.

هذه هي المؤامرة /الفضيحة التي كشفتها قناة «الجزيرة» الإنكليزية، في تسجيلات لمسؤول في السفارة الإسرائيلية في لندن اسمه شائي ماسوت على مدى نحو نصف عام عبر صحافي متخف بشخصية ناشط سياسي اسمه روبين. فبالصوت والصورة جلس هذا المسؤول الذي نفت عنه السفارة الاسرائيلية في لندن صفة الدبلوماسي، ووصفته بالمسؤول الأمني يتشدق بخطط للإطاحة بألان دَنكين نائب وزير الخارجية لمواقفه الداعمة للفلسطينيين. والشيء بالشيء يذكر فان دنكين كان قد عبّر عن غضبه من إسرائيل ووصف المستوطنات في الضفة الغربية في عام 2014 بأنها «كوكتيل شرير من الاحتلال واللاشرعية، ونظام يشبه الابرتهايد الذي يجلب العار على الحكومة الإسرائيلية».

وقال إن رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان البريطاني، السير كريسبين بلانت، «على قائمة المستهدفين»، بسبب آرائه التي تعدّ «منحازة بشدة لصالح العرب، بدلاً من أن تكون منحازة لصالح إسرائيل». ولم يفلت من لسانه حتى وزير الخارجية بوريس جونسون نفسه، فرغم تأكيد دعمه لاسرائيل، وصفه بالأبله.

ويكشف التقرير مدى التغلغل الصهيوني في المؤسسات الرسمية والاحزاب في بريطانيا لاسيما الحزبين الرئيسيين: المحافظون والعمال، عبر مجموعة من الجمعيات المختلفة تديرها سفارتها في لندن، مستخدمة المحفزات المالية والدعم السري. وفي هذا السياق يظهر التقرير المصور لقطات للمسؤول الاسرائيلي، وهو يبلغ النائبة العمالية جوان ريان بتعال بحصوله على مليون جنيه إسترليني لتسهيل زيارة نواب من حزب العمال لإسرائيل. وسخر من زعيم حزب العمال جيرمي كوربن الذي وصفه بالمجنون وداعميه بـغريبي الأطوار».

ويكشف التقرير الذي تبثه قناة الجزيرة، ايضا تورطه في مؤامرة للإطاحة برئيسة الاتحاد الوطني للطلبة في بريطانيا ماليا بوعطية جزائرية الاصل الناشطة في حركة مقاطعة اسرائيل «بي دي أس» بتوفير الموارد المالية لنائبها ريتشارد بروكس.

كل هذا غيض من فيض ما ستكشفه «الجزيرة». وهو ما وصفته صحف بريطانية لاول مرة بالمؤامرة الإسرائيلية. ولكن ذلك لم يكن موقف تلفزيون «بي بي سي» الذي لم يولي الفضيحة الأهمية التي أولتها لها الصحف. ونقلت «بي بي سي» الموضوع كخبر عادي، وفي إطار خبر عملية القدس التي قتل فيها أربعة جنود اسرائيليين. ولم تخرج «بي بي سي» المنحازة دوما لاسرائيل، في تغطيتها للخبر عن موقف الحكومة التي تلقت الخبر كخبر عادي.

فماذا كان موقف الحكومة البريطانية، طبعا رئيسة الوزراء تريزا ماي التزمت الصمت وألقت مسؤولية الرد على وزير خارجيتها جونسون «سليط اللسان» ضد كل الناس إلا اسرائيل، الذي حاول بعد ساعات فقط من انكشاف المؤامرة، «لفلفة» الموضوع بالقول أن «القضية» أغلقت، رافضا اتخاذ اي اجراءات ضد السفارة، مؤكدا خلال استجوابه في مجلس العموم أن ماسوت أصبح خارج بريطانيا وأن السفير الاسرائيلي تقدم بالاعتذار».

وحتى رئيس البرلمان جون بيركو الصهيوني، الذي لا يتدخل عادة في مثل هذه الامور، ادلى بدلوه بقوله «لا اعتقد أن ثمة فائدة من نقاش القضية اكثر».

ما تقدم لا يعني بأي شكل من الأشكال أن بريطانيا منطقة مغلقة وحصرية على ناشطي الحركة الصهيونية،.. وهي تعكس مدى القلق الحقيقي في أوساط انصار اسرائيل، من تزايد الدعم والتأييد للقضية الفلسطينية، ممثلا بلجان التضامن وحركات المقاطعة والنقابات الطلابية العمالية وحتى نقابات الفنانين واساتذة المدارس ومحاضري الجامعات وغيرهم. والمؤكد أن مؤامرة «سترتد إلى نحر اسرائيل إن لم يكن رسميا فشعبيا، وستصب في صالح القضية الفلسطينية وسيعطي دفعا لمؤيديها في بريطانيا.

وتبين ردود الافعال غير الرسمية، أن الازمة لن تمر برحيل ماسوت وستكون لها تداعيات وإن لم تكن فورية وعلنية. فهناك نواب محافظون رفيعو المستوى يطالبون الحكومة بتحقيق شامل من بينهم سير نيكولاس سومِس حفيد الزعيم البريطاني وينستون تشرتشل، ونائب وزير دفاع سابق الذي قارن بين الفعل الاسرائيلي وتصرفات كي جي بي الروسية. واعتبرت وزيرة خارجية الظل (العمال) القضية قضية أمن قومي تتطلب تحقيقا جديا. وقالت «نريد أن نعرف إن كانت قد اتخذت خطوات لالحاق الضرر بآلان دنكن وكريسبين بلانت».

ودفعت هذه الفضيحة إلى طرح تساؤلات غير تقليدية وغير معهودة في الصحف والاوساط البريطانية، مثل هل نواب اخرون مستهدفون من قبل الاسرائيليين؟ ماذا كان السفير الاسرائيلي يعرف عن نشاطات ماسوت؟ واذا لم يكن يعرف عنها فما هي الاسباب؟ ومن اين اتى ماسوت بالمليون جنيه لصالح جمعية اصدقاء اسرائيل في حزب العمال.. وما هي المبالغ الاخرى التي قدمها للمنظمات السياسية البريطانية.. وهل دفعت مبالغ لنواب وآخرين.. هل معارضة دنكن للمستوطنات تجعل منه هدفا لاسرائيل. وماذا كان سيكون رد فعل الحكومة البريطانية لو كان ماسوت روسيا.

واختتم بالقول إن هذه الفضيحة فتحت اعين الكثير في بريطانيا على الدور الذي تلعبه السفارة الاسرائيلية في سياسات بلدهم عبر اجنحتها الصهيونية المختلفة… وسيكون لذلك تداعيات على المدى المتوسط والبعيد.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...