الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:23 AM
الظهر 12:36 PM
العصر 4:15 PM
المغرب 7:26 PM
العشاء 8:49 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

كأس العالم يفضح إفلاس "اتفاقيات أبراهام"

علم فلسطين دائما يحضر في مباريات كأس العالم
علم فلسطين دائما يحضر في مباريات كأس العالم

في بدايات تشرين الأوّل (أكتوبر)، نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» مقالًا متحمّسًا عن القصّة الرومانسيّة بين حاخام حسيديّ والمرأة الّتي أصبحت لاحقًا زوجته. الحاخام يعيش في الإمارات العربيّة المتّحدة، وفيها عُقِد قرانهما. حفل الزفاف، على غرار التقاليد الحسيديّة، كان كبيرًا، وحضره ضيوف كثر. عدد من هؤلاء الضيوف كانوا من نخبة المجتمع الإماراتيّ، كما قالت الصحيفة.

قُدِّمَت القصّة على أنّها نجاح لـ «اتفاقيّات أبراهام»، الاتفاقيّات الّتي رعاها جاريد كوشنر، صهر دونالد ترامب، من أجل تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات العربيّة المتّحدة والبحرين، وإلى حدّ ما، السودان أيضًا. تمثّل الاتفاقيّات فكرة أنّ بإمكان إسرائيل أن تجد علاقات طبيعيّة مع العالم العربيّ، خاصّة مع دول الخليج الغنيّة الّتي تقودها السعوديّة، دون تفكيك نظام الأبارتهايد، والاعتراف بالحقوق الإنسانيّة والمدنيّة والقوميّة للفلسطينيّين على الإطلاق.

الآن، ونحن في السنة الثالثة على تطبيق الاتفاقيّات، ثمّة عقبات جمّة تواجه محاولات تصوير الاتفاقيّات على أنّها أكثر من مجرّد اتفاقيّات عسكريّة وتجاريّة بين دولة أبارتهايد وديكتاتوريّات متوحّشة في الخليج. وليس ذلك أوضح ممّا شهدته قطر خلال «كأس العالم فيفا قطر 2022».

فلسطين العربيّة في  «كأس العالم»

يبدو أنّ مشجّعي كرة القدم والصحافيّين الإسرائيليّين تفاجأوا من أنّ المشجّعين والعاملين العرب في قطر لم يرحّبوا بهم بالأحضان. والأعلام الفلسطينيّة كانت حاضرة، وهو ما كان في نسخ كأس العالم السابقة مفقودًا إلى حدّ بعيد، إذ كان القائمون على الفعاليّات يمنعون مثل هذه الرموز، متظاهرين بالتزامهم ببعد كأس العالم عن السياسة. وفوق ذلك، تحدّث الإسرائيليّون عن جوّ عدائيّ واجهوه في قطر.

الصحافيّون الإسرائيليّيون الّذيم لم يستطيعوا، أو لم يريدوا، إخفاء جنسيّتهم، طُلِب منهم مغادرة سيّارات الأجرة والمطاعم، وواجهوا عداءًا وصعوبة في إيجاد أشخاص يقبلون بالحديث معهم. السيّاح الإسرائيليّيون في الغالب كذبوا لكي يخفوا جنسيّتهم. ليس ثمّة تقارير عن حوادث عنف أو سلوك تهديد، لكنّ الإسرائيليّون، في معظم الحالات، قالوا إنّهم شعروا بعدم الارتياح وبعدم الترحيب.

ثمّة كذلك الفعاليّات الّتي نُظِّمَتْ لإظهار الدعم لفلسطين. المشجّعون التونسيّون والمغاربة، في مباريات مختلفة، رفعوا رايات كتبوا عليها: "فلسطين حرّة"، في الدقائق الـ 48 من مبارياتهم، في إشارة إلى النكبة. وخلال مباريات المونديال، ظهر المشجّعون العرب حاملين الأعلام الفلسطينيّة، ويرتدون الكوفيّات والملابس الّتي تحمل عبارات دعم فلسطين.

أحد الصحافيّين الإسرائيليّين الّذين يغطّون المونديال كتب: "لم نرد أن نكتب هذه الكلمات، لسنا نحن القصّة هنا. ولكن، بعد عشرة أيّام في الدوحة، لا نستطيع أن نخفي ما نمرّ به. إنّنا نشعر بأنّنا مكروهون، محاطون بالعداء، وغير مرحّب بنا".

زيف «اتفاقيّات أبراهام»

من الواضح أنّ «الاتفاقيّات الإبراهيميّة»، ورغبة الحكّام الديكتاتوريّين في إقامة علاقات دافئة مع إسرائيل، وإخفاء الفلسطينيّين تحت السجّادة، أعطت هؤلاء الإسرائيليّين  إحساسًا زائفًا بأنّ الشعوب العربيّة باردة وقاسية القلب تجاه محنة الفلسطينيّين مثل حكّامهم، لكنّهم اكتشفوا بأنّ هذه ليست الحقيقة.

على العكس من ذلك، فقد كشف «كأس العالم» زيف «اتفاقيّات أبراهام». أظهرت المراسلة الإسرائيليّة اليمينيّة لاهاف حاركوف فهمًا أوضح لمشاعر الشعوب العربيّة حين كتبت: "كانت «اتفاقيّات أبراهام» اتفاقيّات بين حكومة وحكومة، وليس بين شعب وشعب. ولا بدّ من القول إنّ هذه الحكومات مستبدّة بدرجات متفاوتة… لذلك فإنّ استعدادها لإقامة السلام لا يعكس بالضرورة استعداد الشعوب الّتي تحكمها".

بالطبع، تستمرّ حاركوف في دعم الكذبة حين تقول أنّ الاتفاقيّات كانت ’إقامة سلام‘ بين الإمارات والبحرين وإسرائيل، فهذه الدول لم تكن يومًا في حالة حرب. لم يكن ثمّة علاقات دبلوماسيّة رسميّة بين الإمارات والبحرين وإسرائيل، وهذا كلّ ما غيّرته الاتفاقيّات. مع ذلك، فإنّ حاركوف محقّة، هذه الاتفاقيّات، مثلها مثل تلك الّتي عقدتها الولايات المتّحدة بين إسرائيل ومصر والأردنّ قبل عقود، عُقِدَتْ بدون موافقة، وعلى عكس رغبات الغالبيّة العظمى من شعوب تلك الدول.

بل إنّ استطلاع رأي أجراه «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى»، الّذي أسّسته «آيباك»، أظهر أنّ 25% فقط من الإماراتيّين، و20% من البحرينيّين، و19% من السعوديّين، يرون «اتفاقيّات أبراهام» بصورة إيجابيّة. ومع أنّ المعهد لم يتعمّق أكثر في أسئلته، من الممكن أن نفترض أنّ معظم أولئك الّذين ينظرون إلى الاتفاقيّات بشكل إيجابيّ يمتلكون أسبابًا اقتصاديّة، أو يخافون من إيران، أكثر من كونهم يمتلكون مشاعر إيجابيّة تجاه إسرائيل، أو عدم اهتمام بالفلسطينيّين.

مثال آخر على خداع الذات المذهل الّذي أبداه زوّار قطر من الإسرائيليّين، كان المراسل الرياضيّ الإسرائيليّ تل شورِر، الّذي قال: "كنت متحمّسًا للقدوم بجواز سفر إسرائيليّ، معتقدًا أنّ ذلك سيكون أمرًا إيجابيًّا بطريقة ما. إنّ الأمر محزن، ومزعج. كان الناس يشتموننا ويهدّدوننا".

هذا السلوك لا يعكس خداع النفس «اتفاقيّات أبراهام» فحسب، بل كذلك غياب الفلسطينيّين من الوعي الإسرائيليّ. إنّ فكرة ’عمليّة السلام‘، على قدر ما كانت خادعة من الأصل، لم تعد موجودة في العقليّة الإسرائيليّة. لقد أُخبِر الإسرائيليّون مرارًا إنّ العالم العربيّ نسي أمر الفلسطينيّين. لذلك، فإنّ شخصًا مثل شورِر يذهب إلى مكان مليء بأناس من كلّ أنحاء العالم العربيّ متوقّعًا ترحيبًا حارًّا بوصفه إسرائيليّ.

المقارنة بين روسيا وإسرائيل

ثمّة تقرير نُشِر في «تايمز أوف إسرائيل» يُظْهِرُ بوضوح عمق العماء الإسرائيليّ تجاه هذه المسألة. يقتبس التقرير من صانع الفيديو الروسيّ فيتا كارفونكو، الّذي لاقى عدائيّة كبيرة من المشجّعين البولنديّين، لذلك بدأ بالقول إنّه من سيبيريا. "هذه الحرب أكبر كارثة في حياتي"، قال مشيرًا إلى الاجتياح الروسيّ لأوكرانيا: "عندما أتحدّث مع نفسي أقول إنّي لا أريد أن أكون روسيًّة. المشكلة ليست في الآخرين، المشكلة في ضميري".

قدّم التقرير تجربة كارشينكو على أنّها موازية لتجربة الإسرائلييّين في قطر، لكنّ العاملين في «تايمز أوف إسرائيل» فاتهم الفارق الأهمّ بين التجربتين: كارفونكو يشعر بالخجل ممّا تفعله دولته ورئيسها في أوكرانيا. إنّ ضميره يؤنّبه، مع أنّه غادر روسيا قبل أشهر بسبب هذه الحرب. هذا، بالضبط، ما يسوؤه عندما يواجه غضب البولنديّين الّذين يشعرون بالخطر الروسيّ. إنّه لا يلوم البولنديّين، ولا يتوقّع منهم شيئًا آخر.

أتى الإسرائيليّيون إلى قطر بعقليّة مختلفة تمامًا. أحد المشجّعين الإسرائيليّين، دوبي نيفو، أخبر صحيفة «ذا جارديان»: "أتمنّى أن ألتقي بأناس من العالم أجمع، وخاصّة من البلدان العربيّة - إذا أرادوا أن نكون أصدقاء. أريد فقط أن أستمتع بكرة القدم… لا صراعات أبدًا". بالطبع، لا يعكس هذا التصريح عقليّة اليمين الإسرائيليّ القوميّ المتطرّف، بل نوعًا من الانفصال عن السياسة"، وهنا بالضبط تكمن المشكلة.

فبينما يشعر كارشينكو  بالثقل المريع لما تفعله دولته في أوكرانيا، فإنّ نيفو يتمنّى أن يحصل على ’أصدقاء عرب‘ جدد، وكأنّ تهجير الفلسطينيّين، والحرب المستمرّة على حقوقهم الإنسانيّة والمدنيّة، غير موجودين. أتى الإسرائيليّون إلى قطر متوقّعين أنّ تكون الشعوب العربيّة مستعدّة، مثل قيادات الأنظمة العربيّة الفاسدة، لنسيان الفلسطينيّين، وأن يطوّروا علاقات تجاريّة وشخصيّة مع الإسرائيليّين، وكأنّ هؤلاء الإسرائيليّين لا يساهمون بشكل مباشر أو غير مباشر في معاناة الفلسطينيّين المستمرّة.

كما أشارت حاركوف، لقد كان هؤلاء الإسرائيليّيون الساذجون في طريقهم نحو يقظة عنيفة. تبدو حاركوف متفاجئة لا بالمعاملة الّتي لقيها الإسرائيليّون في قطر، بل من توقّعهم بالحصول على معاملة مختلفة.

الديمقراطيّة الاستعماريّة

تحبّ إسرائيل تكرار الأسطورة الّتي تقول إنّها "الديمقراطيّة الوحيدة في الشرق الأوسط". ومع أنّ هذا الادّعاء يسقط أمام أبسط الفحوص، فإنّ الحقيقة أنّ المواطنين الإسرائيليّين، خاصّة اليهود الإسرائيليّون، يحظون بالحقّ في التصويت، ما يعطيهم بعض القدرة على التأثير في قرارات حكوماتهم، وهذا يختلف عن الأنظمة في قطر، والإمارات والسعوديّة ومعظم الدول العربيّة.

إسرائيل تأخذ هذا الإدعاء أبعد بكثير من حقيقته، خاصّة حين يتعلّق الأمر بإمكانيّة وجود ديمقراطيّة في نظام أبارتهايد. في غطرستهم، ينسى الإسرائيليّيون تبعات وجود المؤسّسات الديقمراطيّة الّتي يعيشون ضمنها. في نهاية اليوم، قادة الإمارات والبحرين وقطر غير منتخبين. ولكن في إسرائيل، فإنّ المصوّتين الإسرائيليّين هم الّذين أعادوا انتخاب بنيامين نتنياهو، وأتاحوا له التحالف مع أمثال بزلال سموفرتش وإتمار بن غفير، وهم أيضًا مَنْ خلق المناخ السياسيّ الّذي يسمح بوصف حتّى حزب عربيّ مثل «القائمة العربيّة الموحّدة» بأنّه حزب إرهابيّ خلال مشاركته القصيرة في حكومة إسرائيليّة. لقد خلق هؤلاء المصوّتون الإسرائيليّون مناخًا تكون فيه حتّى معارضة الحكومة اليمينيّة، تتألّف كذلك من اليمينيّ العنصريّ أفيغدور ليبرمان، وجيدعون ساعار، وقادة عسكريّون سابقون يتفاخرون بكم عربيّ قتلوا، أمثال بني جانتس، و’معتدل‘ مثل يائير لابيد الّذي بدأ حملته السياسيّة في مستوطنة غير شرعيّة في الضفّة الغربيّة.

هؤلاء هم الساسيّون الّذين خلقتهم ’الديمقراطيّة‘ الإسرائيليّة. الإسرائيليّون الّذين يريد فقط أن يمتلكوا أصدقاء عربًا في قطر والإمارات، هم الّذين ساهموا في خلق الحكومة الّتي وقّعت على «اتفاقيّات أبراهام»، بينما لم يكن للمواطنين الإماراتيّين أو البحرينيّين قول في ذلك.

حدود الديكتاتوريّة

مع ذلك، فحتّى الأنظمة غير الدميقراطيّة لها حدود. قبل الانتخابات الإسرائيليّة، حين كان واضحًا أنّ نتنياهو سيفوز من جديد، وأنّ تحالف «الصهيونيّة الدينيّة» سيكون لاعبًا أساسيًّا في الحكومة القادمة، حذّر وزير الخارجيّة الإماراتيّ عبدالله بن زايد نتنياهو من أنّ تضمين هذه الشخصيّات اليمينيّية المتطرّفة من شأنه أن يخاطر بالعلاقات الّتي خلقتها «اتّفاقيّات أبراهام».

يبقى أن نرى كيف ستسير الأمور، وقد أُعلِن أنّ سموترتش سيكون وزير الاقتصاد الجديد، أيّ أنّه سيلعب دورًا أساسيًّا في اتفاقيّات التجارة مع الدول العربيّة، الاتّفاقات الّتي يعتبرها البعض أهمّ ما أنجزته «اتفاقيّات أبراهام». من الواضح أنّ الإمارات ستكون مضطرّة إمّا للتعامل بشكل وثيق وعلنيّ مع وزير سيعمل بشكل مستمرّ على تضييق الخناق على الفلسطينيّين (سيكون لسموترتش كذلك تأثير كبير على الآلة الاستيطانيّة، ووزارة جديدة ترعى «المهمّة الوطنيّة»)، وإمّا ستضطر إلى قطع الصلات الّتي عملت طويلًا على خلقها مع إسرائيل؛ فحتّى الحكومات غير المنتخبة لا تستطيع تجاهل رغبات شعوبها بشكل كامل من أجل التعامل مع عنصريّين معادين للعرب فقط من أجل زيادة ثرواتهم الكبيرة أصلًا.

لقد فضح «كأس العالم» حقيقة أنّ «اتفاقيّات أبراهام» مجرّد خدعة غير ديمقراطيّة. لم تغيّر الاتفاقيّات كيف يرى العرب إسرائيل. ولا شيء، عدا عن الاعتراف الكامل بحقوق الفلسطينيّين، سيكون قادرًا على تغيير ذلك. على الرغم من كذب ترامب على العالم، وعلى الإسرائيليّين، بخصوص هذه الاتفاقيّات، وعلى الرغم من الدعم القويّ الّذي توفّره إدارة بايدن لها، وعلى الرغم من الأوهام الّتي يعاني منها كثير من الإسرائيليّين، فإنّ التحالف التجاريّ والعسكريّ بين إسرائيل والدول العربيّة لا يزال عارًا بنظر معظم الناس في العالم العربيّ. لقد كان ذلك أمرًا لا يمكن تفويته خلال «كأس العالم».

ترجمة: علاء سلامة - فُسْحَة.

Loading...