رواية وزير إعلام الحرب (الحلقة 2)
ننشر في تدوين عبر سلسلة من الحلقات، رواية "وزير إعلام الحرب" الصادرة عن دار الشروق للنشر والتوزيع عام 2019، لكاتبها وزير الإعلام الفلسطيني الأسبق نبيل عمرو.
وفيما يلي نص الحلقة الثانية:
بدت المدة التي تستغرقها رحلة السيارة من الكراج إلى المخفر خمس دقائق، كما لو أنها دهر لا نهاية له. لم يجب السكرتير على أسئلة وتوسلات العتّال .
= في عرضك يا ابني شو بدو مني القائد؟
كان صمت السكرتير يضاعف من شعور عبد الشقي بالقلق، مرّت في خاطره كل الاحتمالات السوداء التي تنطوي عليها دعوة غافل إلى المخفر، راح يهمس لنفسه، سرقة والحمد لله كل أهل كفر عرب بعرفوا إني أمين أولادي لو فعلوا أي شيء لنادوهم هم، سياسة ماليش فيها ، وسلاح ما سلاح – هي دوّاسي الظلمة بكسدروا في البلد وبطخطخوا في الأعراس ما حدا بسألهم.
أخيرا توقفت السيارة الحكومية في ساحة المخفـر، وبمعاونة السكرتير ترجل منها عبد الشقي.
= تفضل استريح يا عم قال القائد.
افترش العتال المتقاعد الأرض، لم يخطر بباله أن القائد قصد إجلاسه على المقعد المجاور لطاولة المكتب.
= يا عيب الشوم يا عم سلامة قيمتك وقدرك، اتفضل اقعد على الكرسي.
تولّى يوسف إنهاض عبد الشقي، وإجلاسه على المقعد المخصص عادة لمعاوني القائد وأصدقائه وضيوفه المهمين.
= بتعرف تقرا يا عم بادر القائد سائلاً.
= منين يا حسرة الله وكيلك لا بقرا ولا بكتب.
= بسيطة قال القائد ونظر ناحية يوسف الذي قال:
= سيدي، بعد إذنك دعني أنهي الموضوع معه في غرفتي
هز القائد رأسه موافقا وقال:
= انتبه يا يوسف يجب أن يتم كل شيء قبل آذان العشاء.
حتى اللحظة التي جلس فيها عبد الشقي على حافة طاولة مكتب السكرتير، لم يعرف سبب استدعائه للمخفر، ولم يفهم دوافع الحفاوة الحكومية به والطريقة التي يكلمه بها رجل الحكومة الأول في كفر عرب.
بلهفة سأل العتال الحائر: ماذا تريدون مني؟ جف حلقي.
= صلي على النبي. بادر السكرتير
= عليه الصلاة والسلام
= القائد يريد منك إبلاغ كل أهل كفر عرب، الصغير قبل الكبير بأوامر الحكومة المكتوبة في هذه الورقة، وأنت هنا كي أحفظك إياها، كلها أسطر قليلة، وسهلة انتبه واعرف أن عمل الحكومة ليس بالمجان، فلك بريزة صحيحة .
"البريزة" ستكون حال اطباق يد عبد الشقي عليها، أعلى أجر تقاضاه دفعة واحدة طيلة امتهانه العتالة، أي على مدى أكثر من خمس عقود.
= يا سيدي أنا تحت أمرك وأمر القايد وأمر البريزة.
هدأت خواطر عبد الشقي، فقد زالت كل مخاوفه وهواجسه وانصرف اهتمامه إلى القطعة الفضية الموعودة.
= عيد وراي: أمر من الحاكم العسكري العام.
= أمر من الحاكم العسكري العام
= يمنع التجول والتجمع والإضاءة.
= يمنع التجول والتجمع والإظاءة.
= والمخالف يتعرض لأقصى العقوبات المنصوص عليها في قانون الطوارئ.
= هذه الأخيرة لا حيلة لي عليها اعطيني كلام أسهل الله يوفقك.
= طيب سأقرأ لك كلمة كلمة.
= حاضر يا سيدي.
= أمر من الحاكم العسكري العام.
تنهد إلا أنه أعادها كما هي.
= يمنع التجول والتجمع والإضاءة.
وأعادها كما هي.
= والمخالف.
= والمخالف
= يتعرض
= يتعرض
=لأقصى
=لأقصى
= العقوبات
= العقوبات
= المنصوص
= المنصوص
= عليها
= عليها
= في
= في
= قانون
= قانون
= الطوارئ
= الطوارئ.
= بسيطة قولها مرة واحدة.
= شربة مي، الله يرويك من .زمزم زوري يبس صار زي الحطبة.
بعد ان ذهب الظمأ، وابتلت عروق عبد الشقي، اعترف ليوسف أنه نسي كل شيء من أول كلمة إلى آخر كلمة وبعد أن يئس من الحفظ، نهض واقفا وقال:
= شوفولكم واحد غيري انا ماليش حيلة على شغلة من هالنوع.
وهم بالمغادرة.
أطلّ عبد الفتاح سايس الإسطبل برأسه من النافذة التي تفصل الخيول عن غرفة السكرتير، وهتف كما لو أنه يلقي ايعازا للأفراس الحكومية التي يعتني بها.
= هوس، وقف يا عبد الشقي ما تروح انا رايح أزبطك، والله لولا حسي مشروخ لخلصت كل هالشغلة بشلن إصحك يا معثّر اتظيّع البريزة وأنا بدلك شو تقول.
عيد وراي تشوف.
= يا أهل كفر ،عرب ما حدا يظوي الظو، ولا حدا يطلع من دارو، ولا حدا يجتمع مع حدا، قولها لنشوف نقلة وحدة
قالها عبد الشقي دون لعثمة، كانت ترجمة السايس للغة الحكومية الفصيحة فعالة عنده، إلا أن المعضلة بقيت في بند العقوبات المليء بالكلمات الجديدة والصعبة.
تلاها عليه السايس كما هي في التعميم إلا أن عبد الشقي قال بصورة قاطعة " هذي الأخرانية ماليش حيلة عليها.
نهره السايس قائلا: يا أخي قول اللي بخالف ذنبو على جنبو وخلّصنا.
حُلت العقدة. ومن أجل تسريع عملية استلام البريزة، برهن عبد الشقي عن أنه حفظ التعميم، فقد تلاه بأعلى صوته عدة مرات حتى سمعه قائد المخفر ومن حوله من العاملين، وبعد أن لمس استحسان الجميع، وضع شرطا إضافيا لأداء المهمة إذ قال مخاطبا القائد مباشرة:
= يا سيدي أنا صاحب عيا، وجع الظهر نزل على اجريّ ما بقدر أمشي، وهذي كفر عرب كبيرة، بدها ساعتين ثلاث تأسمّع كل أهلها الأوامر، شو رأيك يا سيدي تعطيني فرس من خيل المخفر أركبها وألف فيها، ومشي فارس معاي، وبكون ممنونك إذا سمحتلي أجيب ولادي خميس وجمعة
يساعدوني ويردو وراي.
= تكرم يا عم عبد الشقي.
قال القائد ونظر ناحية السايس وأمره بإعداد أفضل فرس، وتجهيزها بسرج مريح وأمر فارسين بالاعتناء به طيلة رحلة الطواف في كفر عرب.
ولما تم كل ذلك على أكمل وجه، انطلق عبد الشقي فيما يشبه موكبا رسميا، وشرع في إطلاق التعميم مسمعا حتى سكان المقبرة المجاورة للمخفر.
نظر القائد ناحية مساعده يوسف الذي بيّض وجهه بأن وفر نجاحا مضمونا لأول إعلانات الحرب وقال ضاحكاً:
=برافو يوسف. زبطت معك. ومن اليوم وطالع بدنا نسمي العم عبد الشقي وزير إعلام الحرب، وبالمناسبة يا يوسف
استدرك القائد.
= مع أن الشقي ليس من أسماء الله الحسنى، فلماذا اسم الرجل هكذا؟
أجاب السكرتير الذي مرت عليه سنون طويلة وهو يعرف العتال بهذا الاسم..
= إسم الرجل هكذا ولم ينتبه أحد كيف حصل عليه !
