الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:29 AM
الظهر 12:37 PM
العصر 4:15 PM
المغرب 7:22 PM
العشاء 8:44 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

لم يعد لكرة لقدم في غزة نجوم صغار

لم يعد لكرة لقدم في غزة نجوم صغار

كتبت: دينا سلامين 

أبحث دائماً عن قصة اكتبها خلف الكواليس لبطل صغير يلاحق بأقدامه كرة متوجهاً نحو مرمى خصمه مسدداً هدفه، فيركض بعدها ملوحاً فرحاً بفوزه، أو أكتب عن شاب حقق ميدالية ذهبية وهو ينافس نظيره بشراسة على حلبة القتال، أو فتاة وقفت أمام الجميع معلنة أنها تهوى رياضة السباحة، فتجتاز الأمتار في سباق مع عقارب الساعة.

انا الآن لا احتاج لمقابلة أبطال قصتي، ولا أحتاج لسؤالهم عن أحلامهم وطموحاتهم، حتى أني لا أجرؤ على الوصول إليهم لسماع كلماتهم، أبطال قصتي هذه كلهم أطفال، رأيت صورهم وسمعت كلماتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، أحدهم يرتدي قميص لاعبه المفضل، والآخر يداعب كرته بيديه، ومجموعة من الأصدقاء شكلوا فريقاً للعب في الساحات، لكنهم بأقدام عارية وكل ما حولهم ركام ودمار، وبقع دمٍ على القميص، والكرة تغير لونها للرمادي.

هنا في غزة، قصص نجوم كرة القدم الصغار مختلفة، خاصة في الفترة الأخيرة التي نشبت فيها الحرب، أظهرت عدسات كاميرا الصحافيين الكثير من الأطفال الذين أظهروا بطريقة أو بأخرى حبهم للمستديرة بطريقة عفوية وغير مألوفة!

خلال الفترة الماضية، وأثناء متابعتي للأخبار التي لم تهدأ حول القصف العنيف الذي يتعرض له سكان قطاع غزة، ظهر لي فيديو لطفل كان يحدث المصور عن حبه للنجم البرتغالي كريستيانو رونالدو، وعن حلمه بأن يصبح مثله لاعباً مشهوراً، ويقتني أحد السيارات الفاخرة التي يمتلكها، عمرُ هذا الطفل يتجاوز العاشرة تقريباً بعامين أو ثلاثة، يقف بين ركام المنازل التي قُصفت، وتابع حديثه قائلاً:" لكن الملاعب لم تعد صالحة للعب، دُمر الملعب الذي كنت ألعب فيه بالكامل، لكني سألعب مجدداً في الشارع حتى أعود مع أصدقائي الى الملعب من جديد" حزن في عينيه، وقهرٌ لنزع أحلامه الصغيرة منه مجبراً.

30 أكتوبر/ تشرين أول، اليوم 24 للحرب على غزة، ما زلت أتابع الأخبار بدقة، ألتهم الهاتف لأرى ما حل بهؤلاء الأطفال، مواقع التواصل الاجتماعي تنقل الأحداث كما هي تضرب بعرض الحائط الأخلاقيات المهنية والمعايير الصحفية ، ربما هي الأقرب لنا، لبعدها عن جمود الإذاعات وقنوات الأخبار في التلفاز، أصحاب الخبر هم من ينقلوه، تحكي ما يجري على الملأ، تظهر حرباً دامية، استهدف فيها الاحتلال الحجر والشجر والبشر، لم يبقى شيء على حاله، وكل من ينجو تلقى له صورة أو مقطع فيديو يظهر بلونه الرمادي بعد أن حالفه الحظ ونجا من صاروخ إسرائيلي، فيخرج من بين الركام حيٌ يرزق، هذا وان لم يكن قد فقد أحد أطرافه وتركه خلفه، أو لم تشوه ملامحه.

قال أحد الأطفال الذي يقدر عمره بين الثامنة والعاشرة وهو مستلقياً على أحد الأسرة في المشفى، بعد تعرضه لإصابة بترت على إثرها قدمه: " بعد أن وقع البيت على رأسنا، رأيت قدمي بجانبي، أيقنت حينها أنني لا أستطيع العودة للعب كرة القدم"، سقطت دمعته مندفعة بسرعة الى أسفل خده، ربما في هذه اللحظة لم يدرك هذا الطفل سوى أنه فقد الحلم...!

أحد الصحفيين عرض على صفحته الخاصة بموقع إنستغرام فيديو التقطه بعدسة هاتفه لطفل آخر، وهو يتجول فوق ركام منزله الذي تعرض للقصف يبحث عما تبقى منه، كان يبدو على الطفل انه بخير، أخيراً أنقذ كرته التي تغير لونها هي أيضاَ للرمادي، وأخذ يلاعبها بين يديه، هذا انتصار له، هذا ما تبقى له، كأنها تخبره أن الحلم ما زال قائماً.

وصورة أخرى لطفل يظهر مرتدياً قميص لاعب ريال مدريد فينيسيوس، لكن لون الدم غزا اللون الأبيض بسبب إصابة تعرض لها في رأسه فامتص القميص دمائه التي سالت عليه، قصص وأحلام كثيرة فقدت، لا أدري إن كانت ستعود لأصحابها الصغار بعد انتهاء الحرب، هذا وإن ظلّ أصحاب الحلم على قيد الحياة.

أما قميص رونالدو، كان يرتديه طفل في السابعة من عمره حسب ما يبدو، كان يركض بذعر في شوارع المدينة بعد أن قصف الاحتلال منزلاً بالجوار أثناء لعبه كرة القدم مع ابن أخيه، حسب ما روى أنه ركل الكرة باتجاه ابن أخيه فأعادها له مرة أخرى، في هذه الاثناء وقع الصاروخ في البيت المجاور، ووقع معه ابن أخيه شهيداً.

أما أنا ما زلت أوجه إشارة المذياع نحو محطة الأخبار لسماعها فترة الصباح وأنا في طريقي الى العمل، وأقلب بين صفحات الأخبار على الهاتف، وأنظر للتلفاز على ما تنقله المحطات الإخبارية من خبر عاجل، أملاً في سماع خبر انتهاء الحرب، وعودة الأطفال الى الملاعب، وقاعات الرياضة، عودة الحلم الذي تجمد فترة في أذهان من أملوا بالنجاة.

وأعود بين الفينة والأخرى لتصفح الأخبار، حالي كحال الجميع هذه الفترة، الكبير والصغير، لا نفارق أجهزتنا الالكترونية لمعرفة آخر الأخبار، قلبت خاصية "الستوري" عند أحد الصحفيين في غزة الذي كان متواجداً باستمرار في الميدان ينقل الصورة مباشرة لنا، من المستشفيات هناك، من مواقع القصف والدمار، فظهر انه  يتواجد  في احدى المدارس التابعة للآونروا، والتي لجأ اليها آلاف العائلات من أجل الاحتماء بها، التقطت عدسته مجموعة من الأطفال كانوا قد شكلوا فريقين للعب كرة القدم في ساحة المدرسة، أدركت حينها أن الحلم لا يُقتل، وأن الأمل في الوصول إليه ظاهر في ضحكات الأطفال عند مداعبة أقدامهم للكرة وركلها.

وكل ما بقي لديهم هي الأحلام، فالأحلام وان عادت لتولد من جديد بعد الحرب، الا انها الآن قد قتلت، وهل سيختلف حلم طفل يعيش في غزة عن طفل يعيش في أي بقعة من بقاع الأرض؟

Loading...