مركز "شمس" المساعدات الإنسانية في قطاع غزة ليست مكّرمة، وانتظارها لا ينبغي أن يكون كميناً للموت

قال مركز إعلام حقوق الإنسان والديمقراطية "شمس" أنه زمن تتقوض فيه أركان العدالة الدولية، وتتراجع فيه قوة القانون أمام منطق القوة، وتُرتكب أمام أنظار العالم جريمة بشعة تضاف إلى سجل الجرائم الممنهجة ضد الشعب الفلسطيني؛ مدنيون عزل، لا يحملون سوى أوعية الطعام والماء، يستهدفون برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي ومرتزقته بينما يصطفون في طوابير طويلة بانتظار شاحنة إغاثة، أو نافذة أمل في حياة محاصرة منذ شهور. وقال مركز "شمس" أن ما تشهده غزة من استهداف متكرر ومباشر للمدنيين أثناء انتظارهم المساعدات الإنسانية لا يُعد خرقاً عرضياً لقواعد القانون الدولي الإنساني، بل يمثل تقويضاً متعمداً لكل ما رسخته البشرية من مبادئ الحماية في أوقات النزاعات. إنها جريمة مركبة، تتلاقى فيها الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف مع انعدام الحدود الأخلاقية في سلوك سلطات الاحتلال.
وقال مركز"شمس" أنه لم يعد الجوع في قطاع غزة مسألة إنسانية فحسب، بل غدا ساحة للقتل العلني، ومشهداً صارخاً لانهيار منظومة القيم العالمية. فأن يقتل الإنسان لأنه جائع، أو لأنه يسعى خلف كفاف يومه، هو سقوط أخلاقي وقانوني لا يحتمل التأويل، ويشكل وصمة في جبين الضمير العالمي.فالمجازر التي ترتكب على أرصفة الطحين وفي ممرات النجاة لا تحتاج مزيداً من الإثبات، بل تحتاج موقفاً يعبر عن حد أدنى من الإنسانية. وفي لحظة تختلط فيها أصوات الاستغاثة بصفارات الإنذار، وفي زمن تتهاوى فيه منظومة القانون الدولي أمام سطوة السلاح وإفلات الجناة، يقف العالم أمام مشهد لا يشبه إلا المآسي الكبرى في تاريخ الإنسانية ، مدنيون فلسطينيون، عزّل، يقتلون برصاص الاحتلال الإسرائيلي، لا لأنهم يحملون سلاحاً أو يهددون أمناً، بل لأنهم وقفوا في طابور انتظار لعلبة حليب أو كيس طحين أو زجاجة ماء.
وأوضح مركز "شمس" أن استهداف المدنيين أثناء انتظارهم المساعدات الإنسانية في قطاع غزة لا يُعد مجرد انتهاك للقانون، بل هو انهيار لكل قيمة إنسانية، وسقوط مدو لمبادئ العدالة الدولية. إنها جريمة يتقاطع فيها القانوني بالسياسي، والحقوقي بالأخلاقي، لتكشف عن حقيقة صارخة أن الجوع في غزة لم يعد مجرد نقص غذاء، بل أصبح هدفاً عسكرياً.
وشدد مركز "شمس" على أن استهداف المدنيين أثناء انتظارهم المساعدات الإنسانية يشكّل خرقاً فاضحاً وصارخاً للقانون الدولي الإنساني، وخاصة اتفاقيات جنيف الرابعة لعام 1949، التي تنص في مادتها (27) على حماية السكان المدنيين في وقت الحرب، وفي المادة (55) على التزام القوة القائمة بالاحتلال بتوفير الإمدادات الغذائية والطبية للسكان الواقعين تحت الاحتلال، وعدم عرقلة توزيع المساعدات الإنسانية. كما تحظر المادة (11) من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 الهجمات على "الأشخاص الذين لا يشاركون في الأعمال العدائية".
وبحسب المادة (8) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (نظام روما)، فإن الهجمات المتعمدة على المدنيين، أو على القوافل الإنسانية، أو على البنية التحتية الضرورية لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة، تُعد جرائم حرب، تستوجب الملاحقة الدولية. كما أن التجويع كأسلوب من أساليب الحرب مجرّم بموجب القانون الدولي.ومن هنا، فإن القتل المتكرر للمدنيين الذين كانوا ينتظرون أكياس الطحين أو علب الحليب لا يُعد حادثاً عرضياً أو خطأ فردياً، بل يعكس نمطاً ممنهجاً ومتكرراً من الاستهداف العسكري المتعمد للمدنيين، بما في ذلك النساء والأطفال وكبار السن، أثناء لحظات عجزهم وضعفهم القصوى.
وفي الجانب الأخلاقي والإنساني ، فإن استهداف الأشخاص الجوعى الذين يصطفون من أجل البقاء هو تعبير مروع عن انحدار القيم الحربية والإنسانية لدى القوة المحتلة. فأن تُقتل لأنك تطلب رغيفاً، أو تُدفن لأنك مددت يدك لعلبة حليب، هو وصمة عار على جبين الإنسانية بأكملها، وتحدٍ مباشر لكل المواثيق التي تتغنى بـ"الكرامة الإنسانية". وبالتالي فلا يمكن للعالم أن يواصل تبرير صمته. الصمت في هذه الحالة ليس حيادًا، بل شراكة في الجريمة. فكل دقيقة تمرّ دون تدخل، تعني ضوءًا أخضر لاستمرار هذه المجازر، وتعني تخليًا صارخًا عن المبادئ الأخلاقية التي تشكّل جوهر القانون الدولي ومؤسسات العدالة العالمية.
أما في البعد السياسي ، فإن هذا النمط من الجرائم يكشف طبيعة المشروع الإسرائيلي كقوة احتلال استعمارية تستخدم الجوع كسلاح والمساعدات كأداة إذلال والقتل كعقيدة أمنية. كما يعكس فشل النظام الدولي في فرض الحد الأدنى من الالتزام بقوانين الحرب، ويُظهر بشكل جلي ازدواجية المعايير التي تكرس الإفلات من العقاب في الحالة الفلسطينية.ويأتي استهداف نقاط توزيع المساعدات ضمن سياسة "كيّ الوعي" الجماعي، لإيصال رسالة للمواطنين في قطاع غزة أن طلب الغذاء والماء ثمنه الموت. هذا النوع من الإرهاب الممنهج لا تمارسه إلا دولة الاحتلال .
أما في البعد الحقوقي فإن المدنيين في قطاع غزة يواجهون انتهاكاً متواصلاً للحق في الحياة، والحق في الغذاء، والحق في الكرامة، والحق في الحماية أثناء النزاعات المسلحة، وجميعها مكفولة بموجب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.كما أن تقييد وصول المساعدات الإنسانية، واستهداف المستفيدين منها، يخالف قرار مجلس الأمن رقم (2417) الصادر عام 2018، والذي يدين استخدام التجويع كوسيلة حرب، ويؤكد أن تعطيل إيصال المساعدات الإنسانية يمكن أن يشكل جريمة حرب.
وطالب مركز "شمس" في بيانه الصحفي مجلس الأمن والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي ومنظمة التعاون الإسلامي إلى اتخاذ إجراءات فورية لوقف هذه الجرائم، كما دعا المدّعين العامين الوطنيين والدوليين لتفعيل الولاية القضائية العالمية لملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين.وإلى ضرورة تأمين وصول الغذاء والدواء إلى السكان في غزة، تحت إشراف الأمم المتحدة ، كما ودعا مؤسسات الإعلام والمجتمع المدني في الدول الشقيقة والصديقة إلى الوقوف إلى جانب الحقيقة والعدالة، وتكثيف التغطية المستقلة لجرائم الاحتلال في غزة.