إدانات متصاعدة لترامب بعد قصف إيران.. “انتهاك للدستور وخيانة للدبلوماسية”

أثار إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تنفيذ ضربات جوية ضد ثلاث منشآت نووية في إيران موجة انتقادات واسعة من قبل جماعات مناهضة للحرب ونواب ديمقراطيين في الكونغرس، حيث وُصفت الخطوة بأنها “غير قانونية” وتنذر بإشعال مواجهة خطيرة في الشرق الأوسط.
و كان ترامب اعلن، في واشنطن، أن ستّ قاذفات أمريكية من طراز B-2 ألقت 12 قنبلة خارقة للتحصينات، تزن كل منها 30 ألف رطل، على مواقع نووية إيرانية، من بينها منشأة فوردو الأكثر تحصينًا تحت الأرض، إضافة إلى مواقع في نطنز وقرب أصفهان.
وقالت إيران مرارًا إن برنامجها النووي مخصص للأغراض السلمية، في حين أشارت تقييمات وكالات الاستخبارات الأمريكية إلى أن طهران لم تبدأ تصنيع سلاح نووي باستخدام اليورانيوم المخصب. ورغم ذلك، تهرّب وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسث، خلال مؤتمر صحافي الأحد، من الإجابة على سؤال حول وجود معلومات استخباراتية جديدة تفيد بعزم إيران على إنتاج قنبلة نووية.
وكان مسؤولون إيرانيون يشاركون في مفاوضات مع واشنطن حين بدأ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو شنّ هجمات على أهداف داخل إيران مطلع الشهر. وادّعى نتنياهو مجددًا أن إيران قد تنتج سلاحًا نوويًا “في وقت قصير جدًا” إذا لم يتم تدمير منشآتها النووية.
وذكرت وكالة “تسنيم” الإيرانية الرسمية أن عدة أشخاص أصيبوا جراء القصف على موقع فوردو.
ورغم تصريحات ترامب السابقة بأنه لم يقرر بعد ما إذا كانت بلاده ستشارك مباشرة في الحرب الإسرائيلية، أثارت بيانات تتبع الطيران، التي أظهرت تحليق قاذفات B-2 فوق المحيط الهادئ السبت، شكوكا حول قرب تنفيذ الضربة الأمريكية.
وقالت ميليسا بارك، المديرة التنفيذية لـ”الحملة الدولية للقضاء على الأسلحة النووية”، إن إدارة ترامب “تنتهك القانون الدولي” بانخراطها في الهجمات الإسرائيلية ضد إيران، مضيفة:
“العمل العسكري ليس هو الحل لمعالجة المخاوف بشأن البرنامج النووي الإيراني. التقييمات الاستخباراتية الأمريكية تشير إلى أن إيران لا تسعى إلى امتلاك سلاح نووي، وبالتالي ما قامت به إدارة ترامب تصعيد خطير بلا مبرر، يقوض الجهود الدولية للحدّ من انتشار السلاح النووي”.
ودعت بارك الإدارة الأمريكية إلى العودة للمسار الدبلوماسي، قائلة: “هذا الهجوم لا يجعل المنطقة أو العالم أكثر أمنًا… على واشنطن وقف التصعيد والعودة إلى الحوار”.
وفي الكونغرس الأمريكي، أدان ديمقراطيون الخطوة باعتبارها انتهاكًا للدستور، الذي يشترط موافقة الكونغرس على أي استخدام للقوة العسكرية. وقالت النائبة رشيدة طليب (ديمقراطية عن ولاية ميشيغن): “قيام ترامب بإرسال القوات الأمريكية لقصف إيران دون موافقة الكونغرس يُعد انتهاكًا صارخًا للدستور. الشعب الأمريكي لا يريد حربًا لا نهاية لها في الشرق الأوسط… لقد خُدعنا من قبل بحجة أسلحة الدمار الشامل، ولن نقع في الفخ مرة أخرى”.
وتقدّم نواب بمشاريع قوانين، بينها اثنان بموجب “قانون سلطات الحرب”، لمنع أي عمل عسكري إضافي ضد إيران دون تفويض من الكونغرس، ووقع على هذه المبادرات حتى الآن 59 نائبًا ديمقراطيًا ونائب جمهوري واحد، وفقا لتقرير نشرته منصة “كومن دريمز”.
وفي حين دعم بعض القادة الديمقراطيين هذه التحركات لاحقًا، لم يكن من بينهم زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ تشاك شومر، ولا زعيم الأقلية في مجلس النواب حكيم جيفريز، اللذان دافعا عن الهجمات الإسرائيلية على إيران. لكن شومر انضم لاحقًا كمشارك في مشروع القرار الذي قدّمه السناتور تيم كين، داعيًا للتصويت عليه فورًا.
من جهتها، قالت النائبة ألكساندريا أوكاسيو-كورتيز إن قرار ترامب “الكارثي” بتنفيذ الهجوم بشكل أحادي “يمثل بوضوح سببًا يستدعي المساءلة وربما العزل”.
أما وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، فقال إن ترامب “خان إيران” التي كانت في مفاوضات معه، وأضاف خلال مؤتمر صحافي في إسطنبول:
“بلدي يتعرض لهجوم وعدوان، وسنردّ بناء على حقنا المشروع في الدفاع عن أنفسنا”.
وكانت إيران قد هددت في وقت سابق باستهداف القواعد الأمريكية في الشرق الأوسط في حال شاركت واشنطن في الحرب الإسرائيلية.
وقال رائد جرار، مدير السياسات في منظمة “الديمقراطية الآن للعالم العربي”، إن خطوة ترامب “ستؤدي غالبًا إلى ردّ فعل إيراني يعرّض القوات والمواطنين الأمريكيين في الشرق الأوسط للخطر”، داعيًا إلى إقرار تشريع يمنع أي مشاركة عسكرية إضافية حتى في حال وجود ردّ انتقامي.
بدوره، قال نهاد عوض، المدير التنفيذي لمجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير)، إن ترامب “وقع في فخ نتنياهو” وسهّل على إسرائيل “جرّ بلادنا لمزيد من التواطؤ مع إبادة جماعية في غزة وهجمات متعددة في المنطقة”، وأضاف:
“تمامًا كما دفع المحافظون الجدد إدارة جورج بوش لشنّ حرب كارثية في العراق، اعتمد ترامب على معلومات مضللة لدفع البلاد إلى حرب لا طائل منها”.
ودعا عوض إلى وقف جميع الأعمال العسكرية ضد إيران، وإنهاء الدعم الأمريكي لـ”دولة مارقة تسعى لفرض هيمنتها على المنطقة من خلال حملة لا تنتهي من الموت والتجويع والتطهير العرقي والدمار”.
أما جمال عبدي، رئيس المجلس الوطني الأمريكي الإيراني، فقال إن الهجوم تم “لأن ترامب وغيره من القادة الأمريكيين لا يعرفون كيف يقولون ‘لا’ لنتنياهو”، مضيفًا:
“إذا كان نتنياهو قد أشعل طاولة المفاوضات، فإن ترامب قد صبّ عليها الوقود. لقد انهارت القنوات الدبلوماسية مع إيران فعليًا”.
ورأى عبدي أن “الصقور” في واشنطن وتل أبيب يريدون حربًا دائمة مع إيران، و”ترامب أطلق كلاب الحرب، والمستقبل يبدو أكثر خطورة من أي وقت مضى… علينا جميعًا الآن أن نعيد بناء طريق نحو السلام”.
وحذّرت “رابطة ضبط التسلح” من أن الضربات قد تضر بالمواقع النووية الإيرانية، لكنها لن تمحو المعرفة التقنية لدى طهران، ما قد يدفعها للانسحاب من معاهدة عدم الانتشار النووي، وربما التفكير فعليًا في التسلّح النووي.
وأضافت المنظمة: “رغم الأضرار، يبقى المسار التفاوضي هو السبيل الأفضل لاحتواء البرنامج النووي الإيراني. على ترامب أن يقدّم خطة للتهدئة والانخراط الدبلوماسي بدلًا من التصعيد”.