مركز "شمس" استمرار هدم الاحتلال للمنازل: وجه آخر لسياسات التطهير المكاني ضد الفلسطينيين

قال مركز إعلام حقوق الإنسان والديمقراطية "شمس" أن عمليات هدم المنازل التي تنفذها قوات الاحتلال الإسرائيلي في القرى والبلدات الفلسطينية تشكل أحد أبرز وجوه الانتهاكات الممنهجة للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، إذ تستهدف هذه السياسة بشكل مباشر ومتعمد حق الإنسان الفلسطيني في السكن الملائم والأمان الشخصي والأسري، وتهدد بنية المجتمع الفلسطيني وتعمق من معاناته الإنسانية والنفسية والاجتماعية، خصوصاً لدى الفئات الضعيفة والهشة، وعلى رأسها النساء والأطفال. وتنفذ هذه العمليات عادة دون أن يكون هناك توجه للقضاء للطعن ، وفي كثير من الأحيان دون وجود أوامر قضائية ، وهو ما يحولها إلى عقوبات جماعية محرمة دولياً، تمارس بحق المواطنين الفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال العسكري.
وكانت عدة قرى فلسطينية مثل قريتي شقبا وأم صفا بمحافظ رام الله وروجيب بمحافظة نابلس وفي حي الثوري في القدس المحتلة عمليات هدم لبيوت مواطنين فلسطينيين ، في أحدث موجة جديدة من الهدم المنهجي الذي تنفذه قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق منازل الفلسطينيين، في انتهاك صارخ لكافة المواثيق الدولية التي تحمي الحق في السكن والحياة الكريمة. ففي قرية شقبا، شمال غرب رام الله، أقدمت جرافات الاحتلال على هدم أربعة منازل سكنية وبركسين زراعيين تعود لعائلات فلسطينية تضم نساءً وأطفالاً، بعد أن أجبرتهم على إخلائها بالقوة، ثم تعمدت تدمير محتوياتها قبل تسويتها بالأرض. وتكررت المشاهد ذاتها في قرية روجيب شرق نابلس، حيث تم هدم منزل مكوّن من طابقين دون سابق إنذار، في ظل إجراءات عسكرية مشددة، وسط صرخات النساء وبكاء الأطفال الذين شاهدوا مأواهم يتحول إلى ركام. وتضاف هذه الحملة إلى سلسلة عمليات الهدم التي تصاعدت خلال العام 2025.
وأضح مركز "شمس" أن سياسة هدم المنازل تشكل انتهاكاً صارخاً للمادة (53) من اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر على القوة المحتلة تدمير أي ممتلكات خاصة تقع في الأراضي المحتلة. في السياق الفلسطيني، تستخدم هذه السياسة كأداة للانتقام الجماعي، والضغط السياسي، وتفريغ الأرض من سكانها الأصليين، وهي أهداف تتعارض كلياً مع المبادئ الأساسية للقانون الدولي، لا سيما مبدأ التناسب ومبدأ الضرورة العسكرية. وتخالف هذه السياسة أيضاً التزامات دولة الاحتلال كدولة طرف في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولا سيما المادة (11) منه، التي تضمن الحق في مستوى معيشي لائق، بما في ذلك الحق في السكن، وهو ما أكدته اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التابعة للأمم المتحدة في تعليقاتها العامة.
وقال مركز "شمس" أن آثار هذه السياسات تتجاوز الجانب المادي لتطال النسيج الاجتماعي والأسري للمجتمع الفلسطيني. فهدم المنزل لا يعني فقط فقدان مأوى، بل هو فقدان لمكان الذكريات، للحماية، للخصوصية، وللاستقرار الأسري. إن نسف المنزل أمام أعين أفراده، بما فيهم الأطفال والنساء، يخلف صدمة نفسية عميقة يصعب تجاوزها، إذ غالباً ما تقتحم القوات الإسرائيلية المنزل ليلاً أو في الصباح الباكر، وتجبر السر على مغادرته بسرعة، قبل أن تفجره أو تجرفه أمامهم. هذا المشهد المؤلم ينطوي على قدر كبير من الإذلال والترويع، ويشكل نوعاً من العنف النفسي الذي قد يرقى إلى التعذيب أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية، وفقاً لما نصت عليه المادة (7) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية مناهضة التعذيب.
وبيّن المركز بأن الأطفال هم أكثر الفئات تضرراً من هذه السياسات، إذ ينتزعون قسراً من بيئتهم الآمنة، ويجبرون على مواجهة مشاهد العنف والخوف، مما يؤدي إلى اضطرابات سلوكية ونفسية طويلة الأمد، كالكوابيس، التبول اللاإرادي، مشكلات النطق، وصعوبات التركيز والتعليم. أو أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، عقب عمليات الهدم. هذه الانعكاسات النفسية لا تتوقف عند الفرد، بل تخلف آثاراً مجتمعية ممتدة، حيث يصبح الأطفال أكثر عرضة للتسرب من التعليم .
أما النساء، فيتحملن أعباء نفسية واجتماعية مضاعفة، نظرا لدورهن المركزي في الحفاظ على استقرار الأسرة. فالهدم يضع النساء في مواجهة تحديات تتعلق بتأمين المأوى والغذاء والرعاية الصحية والنفسية لأفراد الأسرة، ويشعرن بعجز شديد أمام أطفالهن حين يعجزن عن حمايتهم من هذا العنف المجتمعي المنهجي. كما أن الإحساس المتواصل بالتهديد والخطر يكرس حالة من القلق الدائم، ويقوض الثقة بالنفس والقدرة على التخطيط للمستقبل. إن فقدان المسكن يعني فقدان الخصوصية، والانكشاف الاجتماعي، خصوصاً في حالات النزوح إلى أماكن سكن مؤقتة أو لجوء لدى الأقارب، وهو ما قد يعزز الشعور بالمهانة والاعتمادية وفقدان السيطرة على الحياة اليومية.
كما تتسبب هذه السياسة أيضاً في تمزيق الروابط المجتمعية، حيث تجبر العائلات على النزوح من قراها أو بلداتها إلى مناطق أخرى، مما يفقدها شبكة الدعم الاجتماعي التي تشكل عنصراً أساسياً في القدرة على الصمود والتكيف. كما يؤدي الهدم إلى تآكل الشعور بالانتماء والاستقرار، ويغذي الإحساس بالاضطهاد والعزلة، وهو ما قد يترجم إلى فقدان الثقة بالمجتمع الدولي ومؤسساته، بسبب عجزه المتكرر عن وقف هذه الانتهاكات أو محاسبة مرتكبيها.
وشدد مركز "شمس" على أنه وبالنظر إلى الطبيعة المنهجية والمتكررة لسياسات هدم المنازل، فإنها ترقى إلى مستوى الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي، والتي قد تشكل جرائم حرب بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، ولا سيما المادة (8) التي تجرم التدمير الواسع النطاق للممتلكات دون ضرورة عسكرية. كما يمكن اعتبار هذه الممارسات جزءًا من سياسة التهجير القسري التي تحظرها اتفاقيات جنيف، وترتقي في بعض الحالات إلى جريمة ضد الإنسانية إذا ما تم إثبات أنها نُفذت كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي ضد السكان المدنيين.
وعليه، فإن مركز "شمس" يطالب المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والدول الأطراف في اتفاقيات جنيف، باتخاذ إجراءات فورية وملزمة تتجاوز حدود الإدانة اللفظية والبيانات الدبلوماسية، من خلال التحرك الجاد لإجبار سلطات الاحتلال الإسرائيلي بضرورة توقف عمليات هدم البيوت ، وإلى توفير المساعدة القانونية والنفسية والاجتماعية العاجلة للأسر المتضررة، وتمكينها من إعادة بناء منازلها وتعزيز صمودها.