الفن في التعليم الفلسطيني: من "حصة فراغ" إلى أداة لبناء الشخصية وتعزيز الهوية
خاص - راية
لم يعد الفن المدرسي في فلسطين مجرد نشاط جانبي يُنظر إليه كـ"حصة فراغ"، بل بات يُطرح اليوم كأحد أهم مكونات التربية الحديثة، ووسيلة لتعزيز الهوية الوطنية، وفهم الذات، وتفريغ الصدمات، في ظل واقع سياسي واجتماعي مضطرب.
هذا ما أكدته الفنانة رانية العامودي، رئيسة قسم الفنون في وزارة التربية والتعليم، خلال حديث خاص لإذاعة "راية"، حيث شددت على أن الفن ليس ترفًا ولا تكميلًا، بل ضرورة حيوية في بناء الإنسان الفلسطيني.
من التهميش إلى الفعل
قالت العامودي إن النظام التعليمي في فلسطين ما يزال يتعامل مع الفنون كأمر ثانوي، في حين أن الفنون بمختلف أشكالها (الرسم، الموسيقى، المسرح) يجب أن تكون جزءًا أساسيًا من تكوين الطالب.
وأشارت إلى أن قسم النشاطات اللامنهجية في الوزارة يعمل على تغيير هذه النظرة، عبر تطوير برامج تستند إلى اللغة البصرية الفلسطينية، ودمج البيئة والتراث والمفردات الوطنية في محتوى الأنشطة الفنية، مثل الكوفية، المفتاح، والبطيخة التي باتت رمزًا فلسطينيًا.
بناء وعي بصري لا يعترف بالتلقين
أكدت العامودي أن الهدف ليس تخريج فنانين محترفين، بل تمكين الطالب من قراءة اللوحة، وفهم المعنى البصري، تمامًا كما يفهم النصوص الجغرافية والتاريخية. "نحن نربي جيلًا قادرًا على قراءة رموز بلده، وليس فقط حل مسائل حسابية"، على حد تعبيرها.
وتابعت: "للأسف، النظام التعليمي التقليدي يُعلي من شأن المواد النظرية، لكنه يتجاهل ما هو مرتبط بالمهارات الحياتية والوعي الذاتي، وهذه فجوة خطيرة لا يمكن تجاهلها".
الفن مدخل للعلاج وبناء الشخصية
تحدثت العامودي أيضًا عن البُعد العلاجي للفنون، خاصة في ظل ما يتعرض له الطلبة من صدمات نفسية بسبب الاحتلال والحروب. وقالت: "الفن يتيح للطالب تفريغًا صحيًا، ويفتح له نافذة لفهم مشاعره، والتعبير عن ذاته دون رقابة أو تقييد".
واعتبرت أن المعارض الفنية المدرسية أصبحت اليوم وسيلة ليس فقط لعرض إنتاج الطلاب، بل لتمرير رسائل تربوية وثقافية للمجتمع المحلي، مشيرة إلى أن الكثير من الأهالي باتوا يتعرفون على أساليب فنية وفنانين فلسطينيين من خلال أعمال أبنائهم.
خطة تربوية تمتد لسنوات
وفقًا للعامودي، فإن وزارة التربية والتعليم وضعت خطة تعليمية تبدأ من الصف الخامس لتعليم الطلبة الحركة التشكيلية الفلسطينية، بما يخلق علاقة متراكمة وعميقة بين الطالب والفن.
وأوضحت أن الصفوف الأولى تُركز على التعبير الحر للطفل، بينما تبدأ المفاهيم الأكاديمية تدريجيًا في مراحل التعليم اللاحقة، ليصل الطالب في نهاية المسار إلى وعي فني وثقافي يساعده على فهم ذاته ومجتمعه.
الهوية الثقافية في قلب العمل التربوي
خلصت العامودي إلى أن غياب الثقافة البصرية عن التعليم الفلسطيني ليس صدفة، بل نتيجة عقود من التهميش، قائلة: "نحن نحارب بالهوية، وإذا لم نمكّن الطالب من أدوات التعبير والفهم، فكيف نحصّنه في وجه محاولات الطمس والاختراق؟".
وأكدت أن الفنون تشكّل اليوم ركيزة أساسية لبناء شخصية متوازنة ومتمكنة، لا سيما في ظل تحديات اجتماعية واقتصادية وسياسية متزايدة.