مركز "شمس" : المستشفيات في قطاع غزة هدف عسكري في انتهاك لقاعدة التمييز ومبدأ التناسب

قال مركز إعلام حقوق الإنسان والديمقراطية "شمس" إنه في خضم العدوان المستمر الذي يتعرض له قطاع غزة، تبرز عمليات استهداف المستشفيات والمرافق الصحية كواحدة من أخطر الانتهاكات التي ترتكبها سلطات الاحتلال الإسرائيلي، سواء من حيث الأثر الإنساني أو من حيث الخروقات الفادحة التي تطال القانون الدولي الإنساني.وقال المركز إن قصف المستشفيات، وإغلاقها قسرياً، ومحاصرتها، أو منع دخول الإمدادات الطبية والمساعدات الإنسانية، ليست مجرد أفعال حربية بل جرائم ممنهجة تهدف إلى تدمير البنية التحتية الصحية،بل تجريد المواطنين في قطاع غزة من أبسط حقوقهم في العلاج والرعاية، وتحويل الجرحى والمرضى إلى أهداف إضافية في إطار سياسة العقاب الجماعي، وتفريغ غزة من مقومات الحياة.
وشدد مركز "شمس" على أن المستشفيات، تشكّل بموجب القانون الدولي الإنساني، وبخاصة اتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها الإضافية، منشآت محمية لا يجوز تحت أي ظرف مهاجمتها. وتنص المادة (18) من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 على أن "المدنيين ومرافق الرعاية الصحية يتمتعون بالحماية في جميع الأحوال"، كما تؤكد المادة (19) من اتفاقية جنيف الأولى على أن "المستشفيات المدنية لا يجوز مهاجمتها بأي شكل من الأشكال ويجب أن تكون موضع احترام وحماية". ويتطلب رفع هذه الحماية أن تستخدم هذه المرافق في أعمال تضر بالعدو، وبعد توجيه إنذار وانقضاء مهلة معقولة دون توقف تلك الأعمال، وهو ما لم يحدث في جميع الحالات التي استهدفت فيها إسرائيل المستشفيات في غزة. ومع ذلك، تستمر قوات الاحتلال الإسرائيلي بانتهاك هذه المبادئ بصورة منهجية، وسط إفلات كامل من العقاب.
وأوضح مركز "شمس" بأن هذا السلوك أدى إلى انهيار شبه تام للنظام الصحي في غزة، إذ لم تقتصر الاعتداءات على تدمير المباني والمرافق، بل شملت قتل الطواقم الطبية أثناء أدائهم لواجبهم الإنساني، واستهداف سيارات الإسعاف، وقطع الكهرباء والماء عن المستشفيات، ومنع إدخال الوقود اللازم لتشغيل المولدات، وتقييد وصول الإمدادات الطبية. هذه الممارسات مجتمعة تمثل انتهاكاً صارخاً للمادة (55) من اتفاقية جنيف الرابعة التي توجب على القوة المحتلة ضمان الإمدادات الغذائية والطبية للسكان المدنيين، وخاصة إذا كانت الموارد المحلية غير كافية، كما هو الحال في غزة بعد سنوات من الحصار الخانق.
وقال المركز إن الآثار المترتبة على هذا الاستهداف الممنهج كارثية من كافة الجوانب. فالمرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة حرموا من حقهم في تلقي العلاج، والجرحى الذين يتوافدون إلى المستشفيات جراء القصف اليومي لم يجدوا طواقم طبية أو معدات أو حتى أسرة للعلاج، مما أدى إلى وفاة أعداد كبيرة منهم إما فوراً أو نتيجة مضاعفات تأخر العلاج. كما اضطر آلاف المرضى للخضوع لعمليات جراحية دون تخدير، أو على الأرض في غرف مزدحمة، في مشاهد تعكس عمق المأساة الإنسانية. النساء الحوامل لم يجدن أماكن آمنة للولادة، فاضطر العديد منهن للولادة في ظروف غير صحية، ما تسبب في مضاعفات خطيرة للأمهات والأطفال حديثي الولادة. والمرضى النفسيون، ومرضى السرطان، ومرضى الكلى الذين يعتمدون على جلسات غسيل دوري باتوا مهددين بالموت الفوري نتيجة انقطاع الخدمات الصحية.
وبين مركز "شمس" أن هذا التدمير الممنهج خلف آثاراً طويلة الأمد على الصحة العامة في قطاع غزة، حيث أدى تدمير محطات النفايات الطبية وشبكات المياه والصرف الصحي المرتبطة بالمستشفيات إلى انتشار الأمراض المعدية، وعجز المؤسسات الصحية عن الاستجابة لتفشي الأوبئة. وقد وثقت منظمات حقوقية دولية، مثل منظمة الصحة العالمية ومكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (OCHA)، استهداف أكثر من (35) مستشفى ومركز صحي رئيسي، وخروج العشرات منها عن الخدمة بالكامل، مما يُعد جريمة حرب بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، التي تدرج ضمن اختصاصها "تعمد توجيه الهجمات ضد المستشفيات والمباني المخصصة للأغراض الطبية" في المادة 8/2/ب/9.
وما يزيد من جسامة هذه الجرائم هو أن استهداف المستشفيات في غزة لا يحدث في إطار معارك ميدانية عشوائية، بل كجزء من خطة عسكرية منظمة تستهدف إفراغ المناطق المدنية من خدماتها الأساسية، ودفع السكان إلى الهجرة القسرية، خاصة في المناطق الواقعة شمال قطاع غزة أو القريبة من حدود ما يسمى بـ"المناطق العازلة". وترافق هذا الاستهداف مع بيانات علنية من جيش الاحتلال الإسرائيلي تُحرّض ضد المرافق الطبية وتبرر قصفها بحجج تتعلق بادعاءات باطلة ، وهي ادعاءات طالما استخدمت لتبرير ارتكاب جرائم حرب، دون تقديم دليل، ودون احترام لمبدأ التناسب أو التمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية، وهو ما يخالف المبادئ الأساسية للقانون الدولي الإنساني.
كما وبين مركز "شمس" بأن استهداف الكوادر الطبية في قطاع غزة من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي يشكل أحد أخطر أوجه الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني، إذ لم تقتصر الاعتداءات على تدمير المستشفيات والمرافق الصحية، بل امتدت بشكل مباشر إلى الأطباء والممرضين والمسعفين خلال تأديتهم لواجبهم الإنساني ، حيث أدى هذا الاستهداف على استشهاد أكثر (340) من الكوادر الطبية وإصابة ما يزيد عن(1,100) بجروح متفاوتة نتيجة القصف المباشر أو إطلاق النار، واعتقال أكثر (360) . كما ووثقت عدسات المصورين الصحفيين ومنظمات دولية ومحلية حالات متكررة من قتل الكوادر الطبية نتيجة القصف المباشر أو إطلاق النار خلال محاولتهم إنقاذ الجرحى، رغم ارتدائهم للزي المميز ووضوح شاراتهم الطبية. كما سجلت حالات خطف واعتقال لأطباء ومسعفين أثناء اقتحام المستشفيات أو عند مرورهم عبر حواجز عسكرية، في انتهاك صارخ لاتفاقية جنيف الأولى التي تنص على حماية الطواقم الطبية في جميع الأحوال.
فهذه الممارسات لا تعرض حياة الطواقم الطبية للخطر فحسب، بل تؤدي إلى شلل كامل في منظومة الإسعاف والطوارئ، وتترك المصابين والمرضى دون رعاية، مما يفاقم حجم الكارثة الإنسانية.كما أن منع الطواقم الطبية من الوصول الآمن إلى مواقع الاستهداف، واحتجازهم أو تهديدهم بالسلاح، يقوض مبدأ الحياد الطبي ويجعل من العمل الإنساني ميداناً للملاحقة والاستهداف، وهو ما يشكل جريمة حرب بموجب نظام روما الأساسي. وأن استمرار هذه السياسة يظهر تعمد الاحتلال تحويل الطواقم الطبية من عنصر حماية ورعاية إلى هدف مشروع في حربه على السكان المدنيين في قطاع غزة.
وطالب مركز "شمس" المجتمع الدولي، وفي مقدمته الأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقيات جنيف، الذي يقع على عاتقها واجب قانوني وأخلاقي لتفعيل آليات المساءلة، والتحقيق في هذه الجرائم، وضمان عدم إفلات مرتكبيها من العقاب. الصمت الدولي، أو الاكتفاء بالتعبير عن "القلق" أو "الأسف"، يرقى إلى مستوى التواطؤ ويشجع الاحتلال على الاستمرار في سياساته الممنهجة. كما تقع على عاتق المنظمات الدولية، وفي مقدمتها منظمة الصحة العالمية، مسؤولية التحرك الفوري والضغط من أجل فتح ممرات آمنة لدخول الإمدادات الطبية والكوادر الصحية، وإعادة تشغيل المستشفيات المغلقة أو المتضررة، وتقديم الدعم النفسي والمعنوي للطواقم التي تعمل في ظروف مروعة.