قطاع المقاولات ينهار تحت ضغط الأزمات
رئيس اتحاد المقاولين يكشف لراية أسباب ارتفاع أسعار مواد البناء
في ظل حرب مفتوحة على كل مكونات الحياة الفلسطينية، وعلى رأسها قطاع غزة، تواجه الضفة الغربية بدورها أزمة اقتصادية خانقة، انعكست بصورة شديدة الوضوح على أحد أهم ركائز الاقتصاد الوطني: قطاع المقاولات والإنشاءات، الذي يوظف أكثر من 30% من اليد العاملة، ويساهم بأكثر من 10% من الناتج المحلي الإجمالي.
وأكد رئيس اتحاد المقاولين الفلسطينيين، أحمد القاضي، أن قطاع المقاولات يمرّ بواحدة من أخطر مراحله على الإطلاق، نتيجة لمجموعة من الأزمات المتراكمة، أبرزها الانكماش الاقتصادي الحاد، ضعف السيولة المالية، تعثر المشاريع، غلاء مواد البناء، وتوقف سلاسل التوريد، إضافة إلى عدم التزام الجهات الرسمية بدفع مستحقات المقاولين في مواعيدها التعاقدية.
وأشار القاضي في حديث لشبكة رايـــة الإعلامية إلى أن ما يقارب 160 مكونًا من شركاء العمل في القطاع تأثروا بشكل مباشر أو غير مباشر، وهو ما أدى إلى شلل شبه كامل للعجلة الإنتاجية، ناهيك عن توقف مشاريع حيوية تتعلق بالبنية التحتية، المدارس، والمستشفيات، ما انعكس سلبًا على المواطن الفلسطيني.
حواجز وجرافات وأزمات أسعار
وأوضح أن الاحتلال الإسرائيلي يلعب دورًا مباشرًا في تضييق الخناق على قطاع الإنشاءات، من خلال إغلاق أكثر من 998 بوابة وتقييد حرية الحركة والوصول إلى مواقع المشاريع، خاصة في مناطق "ج"، فضلًا عن مصادرة المعدات، وتهديد المقاولين من قبل المستوطنين، وعرقلة دخول مواد البناء عبر المعابر.
وفيما يتعلق بالمواد الأساسية، قال القاضي إن معظم مدخلات البناء مستوردة من السوق الإسرائيلي، ما يجعل السوق الفلسطيني تحت رحمة تقلبات الأسعار العالمية والمزاج الاحتكاري للتجار الإسرائيليين. ولفت إلى أن سعر طن الحديد ارتفع من 2700 شيكل إلى 4000 شيكل خلال أقل من 24 ساعة في بعض الحالات، وهو ما تسبب بخسائر فادحة للمقاولين الذين لا يستطيعون تعديل عقودهم لتتماشى مع هذه التغييرات.
ضعف الرقابة وغياب الحماية القانونية
وانتقد القاضي ضعف الرقابة الحكومية على الأسعار، خاصة فيما يتعلق بالموردين وتجار الجملة، معتبرًا أن غياب السقف السعري وتنفيذ قوانين المنافسة ومنع الاحتكار حول السوق إلى ساحة مفتوحة للاستغلال. كما أشار إلى أن الجهات المعنية، مثل وزارة الاقتصاد ودائرة حماية المستهلك، لا تمارس دورًا فعالًا في ضبط الأسعار أو دعم المنتج المحلي، رغم صدور قرارات حكومية تلزم بتفضيله.
وأضاف أن هناك حاجة ملحة إلى تدخل حكومي عاجل لإقرار سياسات جمركية محفزة ودعم المقاولين لتعويض الخسائر الناتجة عن فروقات الأسعار وتقلبات العملة.
شيكات بلا رصيد وسوق سوداء للعملات
وتابع: "أزمة الشيكل تفاقمت مؤخرًا بعد أن أصبحت البنوك ترفض استقباله أو تحويله بسهولة، ما أدى إلى عجز المقاولين عن الوفاء بالتزاماتهم المالية، خاصة وأن الشيك يُعد أداة وفاء أساسية في السوق المحلي. ونتيجة لذلك، نشأت سوق سوداء عبر بعض محلات الصرافة، يُضطر المقاولون من خلالها إلى شراء الدولار بأسعار تفوق السعر الرسمي، ثم تحويله إلى شيكل لخدمة شيكاتهم، ما ينتج عن فروقات تصل إلى 6% في بعض الحالات، ويتسبب بخسائر إضافية مباشرة".
المواطن هو الضحية الأولى والأخيرة
ورغم أن المقاول يدفع فاتورة الخسائر المالية على المدى القصير، إلا أن المواطن الفلسطيني هو المتضرر الأكبر، بحسب القاضي، حيث ارتفعت أسعار الإيجارات وتكاليف البناء بشكل غير مسبوق، ما زاد من عبء الحياة اليومية في ظل بطالة خانقة وتوقف صرف الرواتب بشكل منتظم.
وأوضح أن آلاف العمال فقدوا وظائفهم بسبب توقف المشاريع وتقليص القوى العاملة، ما يعني أن عشرات آلاف الأسر الفلسطينية مهددة بفقدان مصدر رزقها، مشددًا على أن غياب حلول بديلة من الحكومة أو دعم طارئ يعمق الأزمة بشكل مستمر.
قوانين قديمة واحتكار جديد
وختم القاضي حديثه بالتأكيد على ضرورة إقرار قانون عصري وعادل للمالكين والمستأجرين، لأن القوانين الحالية التي تعود إلى العهد العثماني والأردني لم تعد قادرة على حماية المواطن الفلسطيني في ظل الغلاء الفاحش.
وقال إن الوضع الحالي يتطلب خطة وطنية شاملة تشارك فيها الحكومة، القطاع الخاص، والجهات المانحة لإنقاذ هذا القطاع الحيوي من الانهيار، محذرًا من أن استمرار الأزمة سيقود إلى شلل اقتصادي واسع، وتأثيرات اجتماعية عميقة لا يمكن معالجتها بسهولة.