المسجد الأقصى بين الاقتحام والتغييرات التدريجية…

تقرير علاء كنعان
أعاد المشهد الذي ظهر فيه وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير وهو يؤدي طقوسا تلمودية في باحات المسجد الأقصى المبارك، برفقة مجموعات المستوطنين، تسليط الضوء على مسار محاولات فرض وقائع جديدة في الحرم القدسي، في تناقض مع الاتفاقيات الدولية، وعلى رأسها اتفاقية وادي عربة التي أكدت الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس.
محللان سياسيان اعتبروا ما يجري تجاوزا واضحا للوضع القائم التاريخي والقانوني للمسجد الأقصى، وجزءا من خطة إسرائيلية لإعادة تعريف هوية المكان، وتحويله تدريجيا من مقدس إسلامي خالص إلى موقع ذي هوية مزدوجة.
مدير دائرة الخرائط في جمعية الدراسات العربية بالقدس، خليل التفكجي، قال " بالنسبة لما حدث أو ما يحدث الآن في المسجد الأقصى هو أن المسجد الأقصى حسب اتفاقية وادي عربة هو تحت الرعاية والوصاية الهاشمية، بمعنى أن وادي عربة كان قد وضع نصًا كاملًا أن الحكومة الإسرائيلية تحترم الوضع التاريخي للأردن وسيؤخذ بعين الاعتبار في المرحلة النهائية ".
يؤكد التفكجي أن " قضية الحرم أو المسجد الأقصى، وهو أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، ليس ملكًا للفلسطينيين بل هو ملك للعالم العربي والإسلامي، الإسرائيلي يريد أن يحوّل ما يجري الآن في المسجد الأقصى من قضية احتلال بين مستعمر ومستعمر إلى قضية دينية، أي بين المسلمين واليهود وبالتالي تعتبر قبة الصخرة هي الرمز لهذا الموضوع".
وأضاف " كما هو معروف أن قبة الصخرة بالنسبة للإسرائيليين يعتبرون أن الهيكل الثاني والأول موجودان هنا، وبالنسبة للمسلمين فقبة الصخرة وُجدت وهي أيقونة إسلامية منذ الفترة الأموية حتى هذه اللحظة".
و بشأن دور الأوقاف الإسلامية، اعتبر التفكجي أن " الأوقاف ترتبط بالمخابرات الأردنية، والمخابرات الاردنية ترتبط بالمخابرات الإسرائيلية، وهكذا يكون هناك تنسيق بينهما، تحت الطاولة وفوق الطاولة، لكن هذا هو التنسيق الذي يجري".
ولفت التفكجي إلى أن القدس "ليست فقط للمسلمين، بل أيضاً للمسيحيين فهي أكثر قدسية عندهم، إذ يحج المسيحيون عبر طريق الآلام حتى كنيسة القيامة" ويرى وفقا اعتقاده " يجب أن ندخل هذا الموضوع في دخول البابا لان القدس يجب ان يكون لها وضعية خاصة باعتبارها وجدت فيها الأماكن الدينية المسيحية والإسلامية ".
وقال " بالتالي بما أن الأردن مسؤولا عن المقدسات الإسلامية والمسيحية أيضا يجب ان يدخل هذا الموضوع، أيضا في بعض الأحيان، لا يسمح الإسرائيليون بدخول المسيحيين في عيد "سبت النور" إلى داخل كنيسة القيامة وبالتالي فالقضية ليست فقط إسلامية، لكن القضية أخطر بكثير من أنها قضية إسلامية".
القانون الدولي والوضع القائم
من جانبه، شدد الباحث المختص في شؤون القدس زياد ابحيص على أن " المسجد الأقصى يبقى مقدسا اسلاميا خالصا تبقى صلاحية إدارته لهيئة إسلامية مرتبطة بالحكومة الأردنية وهي آخر حكومة كانت تديره بشكل رسمي وأن تبقى المقدسات المسيحية ايضا تديرها الهيئات الكنائسية التي كانت قائمة دون تدخل الاحتلال ".
وبيّن ابحيص أن " هناك شرعية دولية يقرها مبدأ عام ناظم في القانون الدولي وتحولت لاحقا إلى قرار بعد حريق المسجد الأقصى الذي ألزم الكيان الصهيوني بالتعاون مع الهيئة الإسلامية والأوقاف الأردنية، ففي التطبيق مكن الأردن من ترميم المسجد الأقصى وأجزاء كبيرة منه حتى كانوا يدخلوا رافعات وبالتالي جرى من حيث المبدأ القانوني من حيث التطبيق تكريس الأوقاف الأردنية باعتبارها هي المسؤولة حصريا عن كل ما يتعلق بشؤون المسجد الأقصى ادارة وترميما واعمارا وحفظا وتطويرا.
وانتقد ابحيص محدودية ما يمكن أن تفعله الأوقاف: " الممكن هو العمل على المستوى القانوني وعلى المستوى السياسي بمعنى ان معظم الممكنات ليست بيد الأوقاف في القدس فقط بل بيد الحكومة الاردنية والدولة الأردنية، موضحا " أن أحد الممكنات هو التهديد بقطع العلاقات أو قطعها فعلا لأنه أقدس المقدسات الي يقع تحت المسؤولية الأردنية هو الذي يجري تغييره ومع ذلك يجري التمسك بوجود سفارة في مدينة عمان وتبقى مفتوحة على الاقل تبقى قائمة.
وأوضح:" الاصل ان الاردن يهدد انه هذه السفارة ستزال ولن يعد هناك علاقات إذا ظل العدوان على المسجد الاقصى. وبالتالي تصبح مسؤوليته الي هو يعني يطلع بها محل لإلزام الاحتلال او يذهب الى مجلس الامن او يذهب إلى الأمم المتحدة وهذا كله لم يحصل ".
وأضاف: " حتى مستوى انه نشعر الاحتلال ان أفعاله مدانة وغير مقبولة دوليا و أنها مصدر عزلة له لم نفعل ذلك هلا في جزء يتعلق بإمكانات الأوقاف نفسها الي هي ان تصور وان توثق جميع الاعتداءات و تبثها وتتحدث عنها وتدعو الى وقفها والى اخره واليوم نحن أمام حالة لا يجري فيها حتى نشر ما يجري تصويره يعني قليل جدا من الاعتداءات الي تصل “.
وقال: " نحن لا نعلم إلا ما ينشرونه هم عن أفعالهم. بمعنى: إذا نشر المستوطنون صور صلاتهم واعتداءاتهم، نعرف بها، وإذا لم ينشروها، فلن نعرف عنها شيئاً، فجزء من أهم ما تستطيع الأوقاف فعله هو أن توثق ذلك."
وأضاف: " وكأنهم يريدون الآن حذف غزة من الدعاء في خطب المسجد الأقصى، وهذا يعني عمليا أن هناك رقابة مباشرة من قبل الاحتلال الإسرائيلي على محتوى الخطبة والدعاء. وبمعنى آخر، فإن من يدير منبر المسجد الأقصى فعليا أصبح هو الاحتلال الإسرائيلي. وهذا أمر لا بد من مواجهته، ولا بد من رفضه، ورفض إبعاد أئمة المسجد الأقصى. فأغلب أئمة المسجد الأقصى مبعدون، ولا توجد أي ردود فعل سياسية حقيقية تجاه هذا الأمر."
وتساءل أبحيص: "هل نحن أمام انكشاف تاريخي جديد؟ نعم. وهل يجب أن تتشكل معادلة جديدة للدفاع عن المسجد الأقصى؟" مجيباً: "نعم، ولكن ذلك يتطلب أن تقوم الجهات المعنية بدورها. فمن واجب دائرة الأوقاف أن تؤدي دورها في التصدي، ومن واجب الحكومة الأردنية والدولة الأردنية أن تتحرك سياسيا كذلك. كما أن هذا واجب الأمة، وواجب الشعب الفلسطيني، وواجب المقاومة، وحتى السلطة الفلسطينية، إن كانت ستقوم بواجبها."
وأكد قائلًا: " هناك واجبات يجب أن تنهض بها الأمة الإسلامية، فالمسجد الأقصى ليس مسؤولية الفلسطينيين وحدهم، ولا مسؤولية دائرة الأوقاف فقط، بل هو مقدس يخص الأمة كلها، وهو أمانة في أعناقها جمعاء. ومن الواضح أن المسجد الأقصى يتعرض اليوم لعملية تصفية ممنهجة