استمرار احتكار الكاش
خاص | فتح شكلي للبنوك في غزة وسط أزمة سيولة خانقة
رغم إعلان عدد من البنوك العاملة في قطاع غزة عن إعادة فتح أبوابها أمام العملاء، إلا أن الواقع المالي في القطاع لا يزال يعاني شللًا شبه تام، في ظل غياب الخدمات الأساسية كالسحب والإيداع، واستمرار أزمة السيولة النقدية التي فاقمت معاناة المواطنين بعد عامين من الحرب المدمّرة.
وقال الصحفي الاقتصادي أحمد أبو قمر، إن فتح البنوك “إجراء شكلي لا أكثر”، موضحًا أن الخدمات المقدّمة تقتصر على “حلول فنية محدودة مثل تفعيل بعض الحسابات أو معالجة حالات تجميدها، دون أي عمليات سحب أو إيداع حقيقية”.
وأضاف أبو قمر في حديث لبرنامج "نبض الاقتصاد" عبر شبكة رايـــة الإعلامية أن البنوك كانت قد فتحت جزئيًا في هدنة يناير الماضي التي استمرت نحو 45 يومًا، لكنها لم تستأنف نشاطها المصرفي الكامل، مشيرًا إلى أن سلطة النقد الفلسطينية لم تصدر حتى الآن أي قرار رسمي يسمح بعودة التداول النقدي الطبيعي داخل القطاع.
احتكار الكاش وارتفاع العمولات
وأوضح أبو قمر أن أزمة السيولة ما زالت رهينة فئة محدودة من التجار وأصحاب رؤوس الأموال الذين يحتكرون الكاش، خصوصًا عملة الشيكل الإسرائيلي، مضيفًا أن عمولات “التكييش” في السوق السوداء انخفضت من 50% إلى 25% لكنها تبقى “نسبة مرتفعة جدًا تستنزف ما تبقى من جيوب المواطنين”.
وبيّن أن إسرائيل ترفض إدخال كميات جديدة من النقد إلى القطاع، ما يمنع سلطة النقد من إعادة ضخ السيولة أو فتح حسابات جديدة، مضيفًا أن الحديث عن “عودة البنوك إلى العمل” يضلل الرأي العام لأن “ما يجري فعليًا هو فتح أبواب فقط دون خدمات حقيقية”.
اعتماد على المحافظ الإلكترونية وقيود على الحسابات
وأشار إلى أن فتح الحسابات البنكية الجديدة مجمّد تمامًا، فيما اقتصرت بعض المعاملات على المحافظ الإلكترونية، التي بدورها شهدت تجميدًا لفترات طويلة. وأضاف أن حدود السحب اليومية عبر التطبيقات الإلكترونية لا تتجاوز 500 شيكل يوميًا، وهي لا تكفي لتغطية الاحتياجات الأساسية للمواطنين في ظل ارتفاع الأسعار.
أزمة معيشية خانقة وبطالة تتجاوز 80%
وحول الوضع المعيشي في القطاع، أوضح أبو قمر أن نسبة البطالة تجاوزت 83%، مشيرًا إلى أن مصادر الدخل تقتصر على موظفي السلطة الفلسطينية، وحكومة غزة السابقة، والعاملين في المؤسسات الدولية والإغاثية، إضافة إلى أعمال يومية بسيطة ظهرت خلال الحرب، مثل إصلاح الأسطوانات ونقل المياه والبضائع.
وفرة في السلع الثانوية وندرة في الأساسيات
وعن المشاهد المنتشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي تُظهر متاجر مليئة بالبضائع، قال أبو قمر إن “ما يُعرض في الأسواق هو بضائع استهلاكية وثانوية مثل الشوكولاتة والمعكرونة سريعة التحضير، في حين تبقى المواد الأساسية كالبيض والدجاج والغاز والوقود شبه معدومة أو بأسعار خيالية”.
وأضاف أن سعر كيلوغرام الدجاج تجاوز 70 شيكلًا، في حين وصل سعر اللتر الواحد من السولار إلى 50 شيكلًا، مؤكدًا أن إدخال السلع ما زال يتم بكميات محدودة لا تتجاوز 15% من الكميات المتفق عليها في البروتوكولات السابقة.
واختتم بالقول إن فتح البنوك دون توفير السيولة أو استئناف العمليات المالية الأساسية لا يمكن اعتباره حلًا للأزمة، بل “يعمّق شعور المواطنين بالخذلان”، في وقت لا تزال فيه الأسواق والأسَر في غزة تكافح لتأمين الحد الأدنى من احتياجاتها المعيشية اليومية.

