حنان المدهون… عيون أُطفئت وحياة انهارت بنيران العدوان
زكريا المدهون / غزة – خانيونس
في خيمةٍ صغيرةٍ بأحد مخيمات النزوح في مواصي خانيونس، تجلس حنان عمر المدهون، عيناها إحداهما مفقودة والأخرى بالكاد ترى.
تحاول الإمساك بأيدي أطفالها الثلاثة، الذين لم يدركوا بعد كيف تحوّلت حياتهم فجأة إلى خوفٍ وألم.
ضحكاتهم البريئة تتقاطع مع صمت وجهها المرهق، بعدما فقدت عينها اليمنى نتيجة استهداف منزلها بصواريخ الاحتلال الإسرائيلي،
بينما يهدد فقدان بصر العين اليسرى ما تبقّى من قدرتها على رؤية العالم.
حنان، خريجة اللغة العربية وأساليب التدريس، كانت تعمل معلمة قبل إصابتها، لكنها اليوم عاجزة عن ممارسة مهنتها أو رعاية أطفالها كما كانت تفعل.
لم تتوقف مأساتها عند فقدان العين اليمنى، إذ تعاني من التهابات حادة في كلتا العينين، في ظل غياب القطرات العلاجية والمضادات الحيوية، ما يزيد من خطر فقدان بصرها بشكل كامل.
زوجها محمد، الذي أُصيب في الهجوم نفسه، يعاني من كسرٍ في الجمجمة وتكسرٍ في الأسنان والأنف، واستئصال جزءٍ من القولون، وما زال يواجه مضاعفات صحية خطيرة.

ورغم حصوله على تحويلةٍ طبيةٍ للعلاج خارج غزة، إلا أن الإجراءات الإدارية تعيق خروجه، فيما حصلت حنان أيضًا على تحويلة عاجلة لإنقاذ بصرها، لكنها لا تزال تنتظر الموافقة على السفر.
وأكدت وزارة الصحة الفلسطينية أن مستشفيات القطاع تفتقر إلى الإمكانيات اللازمة لإجراء زراعة للعين أو تصحيح البصر في الحالات المعقدة، ما يجعل العلاج خارج غزة ضرورةً ملحّة.
يقول زوجها محمد بصوتٍ يملؤه العجز: "أحاول أن أساندها وأخفف عنها، لكن إصابتي تمنعني من القيام بما يلزم لرعايتها ورعاية أطفالنا. نحن بحاجة ماسة لتسريع خروجنا للعلاج، فكلينا نملك تحويلة طبية عاجلة."
وناشدت الأسرة كبار المسؤولين والجهات الإنسانية، قائلة: "نناشد فخامة الرئيس محمود عباس، ونائبه حسين الشيخ، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، التدخل العاجل لتسريع تحويلتنا الطبية خارج غزة، لإنقاذ بصر حنان ودعم علاج إصابتي نحن الاثنين."
وقالت والدتها، الحاجة أم محمد، وهي تحاول كبح دموعها: "حنان كانت ابنتي النشيطة، واليوم فقدت عينها اليمنى، وزوجها بجانبها لكنه عاجز عن مساعدتها. لا نملك حتى غازًا للطهي، ونضطر لإشعال النار داخل الخيمة لإعداد الطعام للأطفال، وهذا يزيد من معاناتها ويضر بصحتها".

تُجسّد حنان المدهون وأسرتها مأساة آلاف الجرحى والنازحين في قطاع غزة، الذين يعيشون وسط ظروف قاسية ونقص حاد في الرعاية الطبية، تحت وطأة الحصار والعدوان المتكرر.
وبين أركان خيمتها البسيطة،ما زالت حنان وأسرتها تنتظران بصيص أمل أو تدخّلًا عاجلًا يفتح لهما طريق العلاج، ويحافظ على ما تبقّى من نورٍ في عينيها… ومن حياتهما.

