خاص| بين رفاهية زائفة وواقع مدمر: هل تمرّر إسرائيل رسائل مضلّلة عبر الهواتف الذكية في غزة؟
في الوقت الذي تغرق فيه غزة في أزمة إنسانية خانقة، ويُحرم المرضى والمستشفيات من أبسط مقوّمات الحياة، تبرز مفارقة لافتة: انتشار غير مسبوق للهواتف الذكية والسلع الكمالية في أسواق مدمرة بالكامل.
تساؤلات عديدة تطرح نفسها حول الجهة المستفيدة من هذه الظاهرة، وما إذا كانت إسرائيل تستخدمها لصناعة صورة زائفة عن “حياة طبيعية” في قطاع يخوض معركة بقاء يومي. للحديث حول هذا الملف نستضيف
من جهته، قال المحلل السياسي د. نزار نزال إن انتشار الهواتف الذكية داخل قطاع غزة “ليس بالضرورة أن يكون قد دخل عبر المعابر أو تحت أعين الاحتلال بشكل مباشر”، موضحًا أن هناك انفصالًا كبيرًا بين سوق الرفاهية الاستهلاكية داخل القطاع وواقع الأزمة الإنسانية الخانق.
وأضاف أن وجود أجهزة متطورة في “أسواق مدمّرة” يعكس فجوة هائلة بين أوضاع الناس الحقيقية وبين مظاهر استعراضية مرتبطة بالتهريب أو بتجارة لا تخضع لأي رقابة، مشيرًا إلى أن “التسويق وسط الكارثة” ظاهرة معتادة في الأزمات الكبرى.
وقال إن التجارة في غزة باتت منفصلة كليًا عن احتياجات المواطنين الأساسية من غذاء ودواء، لافتًا إلى أن استمرار دخول هذه الأجهزة يتم غالبًا عبر قنوات غير تقليدية، ولا يعني بالضرورة موافقة الاحتلال أو رغبة منه في تمرير رسائل للعالم.
وأضاف أن غياب الضبط الاقتصادي، ووجود مسارات تجارية موازية تتجاوز السلطة الرسمية، يعكس “فشلًا في المنظومة الاقتصادية والرقابية داخل القطاع”.
وعن الرسائل المحتملة لدولة الاحتلال، قال د. نزال إنه لا يرى أن إسرائيل نجحت في صناعة صورة رفاهية عن غزة، فالعالم يشاهد دمارًا شاملًا في كل زاوية: “لا مستشفيات، لا مدارس، لا شوارع ولا بيوت”، ولا يمكن اختزال الواقع في فيديوهات لهواتف جديدة.
وأضاف أن لهذه الظاهرة مغزيين محتملين: الأول محاولة الاحتلال الإيحاء بوجود حياة داخل غزة، والثاني –وهو الأخطر– احتمال أن تكون بعض الأجهزة “مفخخة”، خاصة بعد حادثتي الانفجار في دير البلح وفي يد أحد المواطنين، مستذكرًا سوابق مشابهة مثل قضية “البيجر” في لبنان.
وقال إن إسرائيل “لا تعدم الوسيلة”، وكل ما يمر من تحت أعينها إن لم يخدم مصالحها “فلن يمر”، مشيرًا إلى أن الأجهزة الإلكترونية قد تكون جزءًا من أدوات الاحتلال لاستهداف المواطنين.
وأضاف أن المعلومات الواردة من داخل غزة تشير إلى انفجار جهاز داخل متجر أدى إلى مقتل طفلة وإصابة العشرات، ما يعزز احتمال وجود مواد متفجرة داخل بعض الأجهزة، مؤكدًا أن أي شيء إلكتروني يدخل القطاع قد يكون قابلًا للتفجير “بكبسة زر”.
وقال إن المستفيدين من هذه المعادلة طرفان:
الأول تجار الحرب الذين يستثمرون الأزمة ويبيعون هذه الأجهزة بأسعار مرتفعة جدًا،
والثاني دولة الاحتلال التي قد تكون لها أغراض أمنية أو سياسية من السماح بمرور مثل هذه الأجهزة.
وأضاف أن المواطن الغزّي المرهق، الذي يعاني للحصول على طحين أو طعام، “ليس هو المستفيد”، بينما يظل الاحتلال والتجار المستفيدين الأساسيين في ظل واقع اقتصادي متهالك ومسارات تجارية خارجة عن الرقابة.

