تجربة د. حسن عبد الكريم بين التربية الأكاديمية وجذور الأرض
في حلقة جديدة من برنامج «ضيف الرايـــة»، استضافت الإعلامية آلاء مرار، الدكتور حسن عبد الكريم، المدرّس في كلية التربية بجامعة بيرزيت، في حوار إنساني وتربوي عميق، تناول تجربته الممتدة بين التعليم الأكاديمي والعمل الزراعي، في نموذج نادر يجمع المعرفة بالانتماء للأرض.
الدكتور عبد الكريم، ابن قرية بدرس غرب رام الله، استعاد محطات نشأته القروية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، حيث تشكّلت علاقته الأولى بالزراعة والطبيعة في ظل ظروف معيشية صعبة، لكنها أسست لقيم الصبر والعمل والارتباط بالأرض.
وأوضح أن تلك الطفولة القروية كانت حاسمة في بناء شخصيته، وأسهمت لاحقًا في تأسيس مزرعة “بيت نبالا” العضوية، التي اختار اسمها حفاظًا على الامتداد التاريخي والجغرافي والتراثي للمنطقة.
وتحدث عبد الكريم عن تجربته الزراعية، مشيرًا إلى زراعة محاصيل موسمية متنوعة، من بينها الفراولة، والملفوف، والزهرة البلدية، والسبانخ، والبصل الأخضر، إضافة إلى اهتمام خاص بزراعة العنّاب كمنتج زراعي مميز يحمل بعدًا تاريخيًا وتراثيًا.
وأكد أن الزراعة بالنسبة له ليست مصدر دخل بقدر ما هي “عقيدة حياة” وهواية متجذرة في الذاكرة والهوية.
وعلى الصعيد الأكاديمي، استعرض ضيف البرنامج رحلته التعليمية الطويلة، بدءًا من التعليم في المدارس الحكومية، مرورًا بالعمل معلمًا للعلوم والرياضيات، ثم استكمال دراسته الجامعية في جامعة بيرزيت، فالحصول على درجتي الماجستير والدكتوراه، الأخيرة من الولايات المتحدة الأمريكية.
ووصف د. عبد الكريم في حديث لـ "رايـــة" تجربة الابتعاث في ولاية ميشيغن بأنها كانت مليئة بالتحديات اللغوية والثقافية والعائلية، لكنها شكلت محطة مفصلية في مسيرته العلمية.

وأكد عبد الكريم أن عودته إلى فلسطين كانت خيارًا واعيًا، نابعًا من قناعة بأن الانتماء الثقافي والوطني لا يمكن تعويضه، رغم الإغراءات الأكاديمية والمادية في الخارج. وأشار إلى أن أبناءه واجهوا صدمة ثقافية عكسية بعد العودة، لكنهم استطاعوا الاندماج والتفوق في المدارس والجامعات الفلسطينية.
وفي حديثه عن عمله في جامعة بيرزيت، أوضح عبد الكريم أنه شغل عدة مناصب أكاديمية وإدارية، من بينها عميد كلية التربية ومدير برنامج الماجستير في التربية، مشددًا على أن العمل الإداري جزء لا يتجزأ من الرسالة التربوية، رغم ما يحمله من أعباء ومسؤوليات.
كما أشار إلى التحديات التي تواجه التعليم الفلسطيني، خاصة في ظل سياسات الاحتلال التي تستهدف خريجي الجامعات الفلسطينية، وتسعى إلى إقصائهم عن سوق العمل، لا سيما في القدس.
وتوقف التقرير عند رؤية عبد الكريم للتغيرات التي طرأت على جامعة بيرزيت خلال العقود الماضية، سواء من حيث توسع الكليات والبرامج الأكاديمية، أو التحولات الديموغرافية في أعداد الطلبة، حيث أصبحت نسبة الإناث هي الغالبة، في مؤشر إيجابي على تطور التعليم المجتمعي، رغم ما يرافقه من تحديات تتعلق بسوق العمل.
وفي ختام اللقاء، وجّه الدكتور حسن عبد الكريم رسالة إلى الشباب الفلسطيني بضرورة إعادة الاعتبار للزراعة والعمل في الأرض، ليس فقط في أوقات الأزمات، بل كخيار استراتيجي دائم يعزز الصمود والهوية.
كما دعا المعلمين إلى التمسك برسالتهم التربوية، مؤكدًا أن الإخلاص في العمل هو الأساس الحقيقي لأي نجاح، مهما اشتدت الظروف.
واختتمت الحلقة بتأكيد مقدّمة البرنامج أن تجربة الدكتور عبد الكريم تمثل نموذجًا حيًا للتكامل بين التعليم والعمل المجتمعي، وتبرهن أن التربية ليست مناهج فحسب، بل ممارسة يومية وقيم راسخة تمتد من قاعة الدرس إلى جذور الأرض.

