عيسى من عرس الحرية لعش الزوجية بعد ثلاثين عاما من الأسر
الخليل- رايــة:
طه أبو حسين: ربما تكون الصورة غريبة، حينما تسمع خبرا مفاده أن رجلا تجاوز الخمسين من عمره قد أقدم على الزواج لأول مرة في حياته، لكن الصورة الأغرب أن تعرف أن هذا الرجل فكّر بالزواج قبل ثلاثين عاماً واليوم يتمم الخطوات الأخيرة في أمور عقد قرانه.
الحديث لا يجري عن قصة من ضرب الخيال، وإنما من واقع تجاوز حدّ الخيال ببطولاته وانجازاته وأكثر من ذلك، من خلال شخصيات عاشت دور البطولة في فلم فلسطيني حقيقي، انتهت بعض فصوله، وجاري تحميل فصوله اللاحقة التي لا يعرف مضامينها إلا كاتبها.
هذا الرجل العريس، المولود عام 1962، عمره الآن (52 عاما)، ولد وترعرع بين أزقه مخيّم الدهيشة في بيت لحم بعد أن طردت عائلته من قرية الولجة عام النكبة 1948.
القصة تروي حكاية الأسير المحرر عيسى نمر جبريل عبد ربه، الذي أعتقل بتاريخ 21 تشرين أول عام 1984، حيث وقّعت عليه محكمة الاحتلال حكما مدى الحياة لمشاركته في المقاومة الشعبية التي تبيحها جميع الأعراف والقوانين الدولية، ثمّ أفرج عنه أواخر شهر تشرين أول من العام المنصرم ضمن الصفقة التي وقعها الرئيس الفلسطيني محمود عباس من أجل استئناف عملية المفاوضات.
وفي زيارة خاصة أجرتها "رايــة" لمنزل الأسير المحرر عيسى عبد ربّه، وجدناه وعائلته يجهز بطاقات الدعوة لفرحه، وفي ذلك قال:" بعد شهر من حريّتي عادت فكرة الزواج تطاردني، وأيضا كان هناك بعض الضغوطات من الأهل، وخاصة أمي التي ترغب بأن تراني عريسا، لهذا امتثلت لرغبتها وكان لي شروطا للمرأة التي سأتزوجها، أهمها بأن لا تقل عن ثلاثين عاما وأن يكون هناك تقارب فكري نستطيع التفاهم، حيث أنني رفضت الارتباط بأي فتاة تقل عن الثلاثين، والحمد لله ارتبطت بامرأة تناسبني".
الفرحة بدت واضحة على وجه الأسير المحرر، لكن تبقى هناك غصّة تطارده بين الفينة والأخرى كما يرويها عبد ربه:" كل شاب يتمنى هذا اليوم، وأنا أعتبر نفسي شابا، وبالأحرى شبل، ففرحتي لا توصف، والمشاعر مختلطة لأني فقدت أكثر من عشرين شخصا من عائلتي فترة سجني، ومن أهمهم والدي، ولكن هذه الحياة، سنتعايش معها ونفرح قدر المستطاع رغم قرار منعي من الخروج خارج حدود بيت لحم".
أما من تتراقص في عينيها الفرحة، وتكاد الأرض لا تسعها من شدة سعادتها، فهي الحاجة أمونة عبد ربه والدة الأسير المحرر، التي تفوح منها رائحة الحبّ والعطاء والحريّة، حيث قالت:" عيسى أعتقل منذ 1984، أنا الآن طائرة بالسماء من الفرحة، اكتملت فرحتي، عملت كل شيء نفسي فيه، ويوم السبت ستكتمل فرحتي وأنام نوما طويلا وأنا مرتاحة وقلبي مطمئن على عيسى".
أمونة؛ تكاد كلّ السجون وطرقاتها تعرفها، فهي على مدار ثلاثين عاماً طافت السجون أينما تواجد ولدها عيسى، كابدت وتألمت، ولم تكن تترك زيارة إلا وانتهزتها لتروي ظمئها برؤية فلذة كبدها، واليوم وبينما تجهز نفسها لزفاف عيسى على عروسه تتناسى كلّ تلك المعاناة وتقول:" عيسى من اختار العروس، فهو أخذ التي تناسبه، هو أختار وأنا وافقت على اختياره، وأنا أنتظر أطفال عيسى لأساعده في تربيتهم وأتمنى أن يرزقه الله بتوأم".
عند هذه الأمنية التي رفعتها الحاجة أمونة لربها، سمعها عيسى فقال:" الحاجة ترغب بتوأم أما أنا بأربعة توائم، على أساس أن يعوضنا الله عمرنا الذي فات، فأنا عمري 52 سنة، وأمنيتي أن يأتيني توأم وتكتمل الفرحة التي أهديها لأمي التي انتظرت وصبرت ثلاثين عاما وهي تتجرع الألم والوجع، حيث أصابها عدة أمراض جراء زياراتها التي لا أستطيع عدّها".
ثم يختم عيسى حديثه "لرايــة": "أعتبر نفسي مثل الطفل الصغير، أتعلم من هذه الدنيا، فكثير من الأمور فاتتني من الحياة، ولكننا مستمرون ونحن نتعلم، وسنعيش حياتنا، وسأستغل كل لحظة، وسأفرح وأعيش حياتي بدون تعقيدات أو مشاكل تنغص حياتي، سأعيش كل ثانية في عمري بكل سعادة وصبابة".
قبل طيّ فصل الألم الذي طال مدة عرضه على مدار ثلاثين عاما، يرفع عيسى رأسه ويعاهد نفسه على الحياة بدء من العمر الذي فاته، ليخطّ بيديه تاريخ فصله الجديد بعقد قرانه على عروسه سماهر عبيد الله يوم السبت القادم معلنا ابتداء فصل الربيع.

