الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:06 AM
الظهر 12:36 PM
العصر 4:16 PM
المغرب 7:37 PM
العشاء 9:05 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

في بيت البنات..

رام الله- رايــة:

حنان كامل الشيخ-

خزانة ملابس مفتوحة دائما على أصوات الشجار "أين قميصي المربعات؟ أنا وضعت جورب النايلون بنفسي تحت صف المناشف، كيف تسلفين صديقتك فستاني الذي لم أرتديه بعد؟".  أبواب الحمامات المقفلة صباحا على إحداهن التي لا تسمع نداءات الاستغاثة، القادمة من العالم الحقيقي. ضحكات مرمية تحت الوسائد وخلف مساند الأسرة، كادت أن تخنق صاحباتها في الليلة السابقة حتى لا يستيقظ النائمون. في بيت البنات أسرار كبيرة تصغر مع تقدم العمر؛ منافض السجائر في جوارير الغيارات الداخلية، إنذارات طرد من المدارس تحتفظ بها إحداهن كورقة ضغط، ورود منشفة بطرق بدائية داخل قصص تافهة، ودموع ليس لها نهاية حيث لا بدايات مرتقبة!

تكبر الصغيرات بشكل مفاجئ وكأن "حين الغرة" وباء ينتشر في الغرفة، فور أن ينتفض جسد الأخت الكبيرة. تتحس الأخريات مواقع النجوم في سمائهن الفضية، ويبدأ عصر الأحاديث غير المنطيقة. كل واحدة تدلو بدلوها في أي موضوع خاضع أو غير خاضع للمشاركة. كل واحدة ذات رأي صائب بالضرورة، خصوصا وهو مبني على تجربة محكية من صديقة غير مصرح الكشف عن اسمها.

في بيت البنات كل شيء يكبر إلا البنات، حتى المتزوجة منهن فور عودتها للزيارة، تتراكض إلى الغرفة ذاتها، تفتح الخزائن وتتفلسف في قضايا التنظيم والنظافة، وبقايا أحمر شفاهها لا يزال مطبوعا على الحائط لا يذكرها بحماقتها يوما ما. لا تريد الواحدة منهن أن تتعافى من منطقة خاصة في ذاكرتها، وتبدأ في سرد تاريخها غير الشائب، أمام المتحلقات حولها ممن لم يفقدن ذاكرتهن بعد. كل واحدة تفعل ذلك في بيت البنات، لكن حين يأتي وقت الضحك، لا تكون إلا الحقيقة جاثمة على لحاف يغطي أقدامهن المتلاصقة.

لا أحد عاش أو يعيش حاليا في بيت به بنات، إلا ويعرف جزءا من تلك الصور، اللهم إلا إذا تم إخفاؤها عمدا تلافيا للغضب. فحتى البيوت التي غادرتها البنات، تبقى مخلصة لصدى الأصوات العالية المتداخلة، ليلا نهارا لمواضيع غير مترابطة أبدا وفي نفس الوقت. تبقى العطور وفية لوجوه المخدات والستر الصوفية المنتظرة هي الأخرى، منذ أكثر من شتاء. دفاتر الذكريات وألبومات الصور المتروكة قصدا، في بيت الأمان ستفقد دفأها في بيت الطاعة. والبيجامات القطنية البلهاء ممنوع أن يتم توزيعها، طالما مكتوب على كل واحدة فيهن، زيارة طويلة نوعا ما.

في بيت البنات لا تتعلم البنات، إلا أن يكن صغيرات على أي شيء وكل شيء. وكل محاولة للنضج ستكون الأولى لهن في البيوت الأخرى. فهن في بيوتهن الأولى إما مشغولات أو مغرمات أو مريضات أو كاذبات أو كسولات أو نعسات أو خائفات أو يقلدن الأخريات في ممارسة دور البنات. لهذا فحتى التي ضاق بها العيش في كنف غير طيب، حين تستذكر أيامها الصغيرة غير الطيبة تجدها تبتسم!

أحزن كثيرا على الأهل الذين يفتقدون ضجيج بناتهم وصخبهن المزعج، وهو يخفت شيئا فشيئا من تحت عقب الباب، ومن على جدران الغرف وفي الممرات والمطبخ والحمامات. يتفقدون بألم "السشوار" العتيق ومكان حرق المكواة على الشرشف. أحزن عليهم وهم ينظرون للزائرات حين يقررن أن يكن رسميات مثلا، أو عندما يشربن القهوة بتأن مثل الكبار. أكاد أسمع أصوات الآباء تستجدي أصوات البنات، أن أبكي على كحلتك المكسورة، أو اصرخي من حرق مملس الشعر، أو حتى "تفششي" فينا بدون سبب نعرفه. أن تمددي قليلا على فرشتك لأوقظك مرة ومرتين وثلاثا، وانكشي الخزانة من فوقها لتحتها بحثا عن كنزة لن ترتديها. لكن لا تتقدمي في العمر كثيرا وتجلسي أمامي، تحدثيني عن أمور أعرفها جيدا.

في بيت البنات، قانون يجب أن يسنّ لكل من حباه الله بالبنات: ممنوع أن تكبرن أبدا!

 

نقلا عن "الغد الأردني"

Loading...