الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:33 AM
الظهر 11:23 AM
العصر 2:27 PM
المغرب 4:55 PM
العشاء 6:11 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

الشهيد الجابي غاب عن أكلة المقلوبة وصورة حفيد لن يراها أبدا

 

نابلس - رايــة:

ملاك أبو عيشة- كانت عائلته تنتظر عودته إلى المنزل لتناول المقلوبة التي كان يحبها كثيراً، وكانت ابنته الكبرى تُعد الدقائق لتُبشره بأنه سيصبح جَداً، وقد خبأت له الصورة الأولى لجنينها بعد أول فحص أجرته لها الطبيبة قبل استشهاده بساعات قليلة.

ماهر الجابي ذو الست والخمسين عاماً، هو الشهيد الذي استُشهد أمس على حاجز حوارة بعد أن أطلقت قوات الاحتلال النار عليه بحجة محاولته دهس جنود لها على الحاجز.

تقول فداء (أم رامي) زوجة ماهر:"زوجي استيقظ صباح ذلك اليوم، وطبع قُبلة على خدي قبل أن يخرج للعمل في دكانه لتجارة المعسل والأراجيل قرب الجامع الكبير في نابلس، ونظر في عينيَ نظرة غريبة، ثم غادر المنزل بعد وعده لي بالعودة في موعد الغداء.

ذهبت أم رامي مع ابنتها الكبرى إيثار، الحامل في شهرها الأول، لعمل صورة صدى للجنين الذي سيكون الحفيد الأول للأسرة. كانت في قمة سعادتها، عند عودة أم رامي، لم تجد سيارته أمام المنزل، ولم يكن هناك، وجدت في المطبخ كيس تفاح كان قد وضعه هناك، فظنت أن لديه عملا ما، وبدأت بإعداد المقلوبة.

لكن ماهر (أبا رامي) تأخر في العودة، وبدأ القلق ينهشها. انتظرت حتى الساعة الخامسة، لم يأتِ، اتصلت به لكنه لم يُجب، فهاتفت ابنها رامي الذي يعمل معه في الدكان، قال لها إن أباه ذهب ليحضر مواد من تاجر في حوارة، ولكنه تأخر كثيراً.

قلِق رامي فاتصل بوالده، فجاءه صوت غريب، صوت جندي إسرائيلي يقول له: "والدك في مستشفى رفيديا وإذا أردت أن تشاهده اذهب إلى هناك، وإذا أردت جواله تعال خذه من الارتباط".

أجرت أم رامي اتصالات مع أحد أشقاء زوجها، وتبين:"الكل كان يكذب عليّ، قالوا لي إنه في المشفى يعاني من غيبوبة سُكّر، وصدقتُ ذلك لأنه كان يعاني في الأساس من مرض السكر، وفي الطريق إلى المشفى قال لي زوج ابنتي: انبسطي زوجك صار شهيد. لم أصدق كلامه، صدقته فقط عندما رأيته شهيداً أمام عيني".

ابنته إيثار كانت قد عادت إلى البيت فرحة بصورة جنينها لتريها لوالدها الذي سعِد قبل أيام بخبر حملها لأنه سيصبح جَدّاً: "كنت ذاهبة لمنزلي بعد أن زرت الطبيبة مع أمي، فاتصلت أمي  بي تسأل عن أبي، ولكني طمأنتها وقلت لها إنه من الممكن أن يكون جواله صامتاً، وبدأت أتصل به، ولكنه لم يرد، وفي النهاية أُغلق جواله".

عندما علمت ابنته الكبرى ايثار أن لديه نوبة سكر ذهبت هي وأختها الى المشفى، وتسرد:"عند وصولنا للمشفى قادونا إلى ثلاجات الموتى، فبدأت بالصراخ وسؤال من حولي لماذا نحن هنا أبي ليس هنا، ولكنهم أسكتوني بقولهم (والدكِ استشهد)، عند سماعي لهذه الكلمات انهرت، لم أصدق ما سمعت، وبدأت بالبكاء".

تستبعد أم رامي أن يكون زوجها قد أقدم على دهس جنود. أما إيثار فتقول إن ذلك مستحيل: "من المستحيل أن يفكر أبي بتركنا، كان قد وعدني أن يأتي لزيارتي، كنت مخزن أسراره وصديقته المقربة، كان يخبرني بكل ما يفكر فيه، كان يرغب بأن أكون صحفية مميزة في المستقبل، كان يقول لي دائماً أريد أن أفتخر بكِ، ولكنني الآن أنا من أفخر به، كان يريد أن يراني خريجة من الجامعة، ولكن الاحتلال حرمة من هذه الأمنية".
وتقول إحدى قريباته اللواتي كُنّ يبكين فراقه: "كان ماهر من أسرة متواضعة، أمه كانت تحب العلم كثيراً".

لماهر مع العِلم في جامعة النجاح قصة قديمة، بدأت عندما درس المحاسبة وتخرج منها عام 1987، كان طالباً نشيطاً، وكل من في الجامعة يعرفه، وكان من المتطوعين الأوائل الذين ساعدوا  في بناء الحرم القديم لجامعة النجاح، بعد تخرجه، عمل في صندوق التنمية الفلسطيني لسنوات عدة، وبقي على اتصال مع نشاطات الجامعة.

جنازة ماهر الجابي خرجت من مستشفى جامعة النجاح الوطنية حيث تم تنظيف جسده من رصاص الاحتلال، بعد التعرف على أماكن إصابته، وأصر أقاربه على أن تكون له جنازة مهيبة تخرج من جامعة النجاح التي كان لها مكانة عالية في قلبه، وأن تكون أروقتها آخر مكان يُحمل منه جسده.

رحل ماهر الجابي، ذلك الرجل الهادئ، المستقيم والمحب للخير، ذو الكلام الموزون والعلاقات الاجتماعية الواسعة، ترك أسرته التي كانت كل عالمه.

أبناؤه الأربعة، إيثار ذات الواحد وعشرين عاماً، ورامي ابن الثلاثة وعشرين ربيعاً، وغنة ابنة السبعة عشر عاماً، وشادي ابن الأربعة عشر عاماً، لن ينسوا حبه لهم وحنانه عليهم، وكيف كان عندما يقسو على أحدهم يذهب إلى غرفهم لتطييب خاطرهم، فكان لا يضع رأسه على وسادته وفي المنزل شخص حزين، لكنهم اليوم كلهم حزينون على غياب مَن كان سبباً سعادتهم، فمن يمكنه مسح دمعتهم؟

Loading...