هجرة الشباب إلى رام الله...مابين سوء تخطيط الحكومة والحاجة
رام الله – رايــة:
مجدوليـن زكـارنـة -
تحولت مدينة رام الله منذ إنشاء السلطة الوطنية عام 1994، إلى قبلة للباحثين عن العمل من سكان شمال الضفة وجنوبها، ما زاد من الضغط السكاني خاصة مع افتقارها للتخطيط المستقبلي والبنية التحتية القادرة على استيعاب الوافدين الذي استقر معظمهم فيها، مع العلم ان عدد سكان مدينة البيرة ورام الله وبيتونيا وهي اماكن سكن الوافدين ارتفع من "84.278 ألف - 106.269 ألف" خلال الـ 8 سنوات الأخيرة حسب جهاز الإحصاء المركزي.
استهداف المنشآت الاقتصادية خلال انتفاضة الاقصى عام 2000 وبعدها، وتدمير البنية التحتية لمدن شمال الضفة، دفع أصحاب رؤوس الأموال المحلية والأجنبية الى الاتجاه لمدينة رام الله كبيئة خصبة للاستثمار.
وقالت مي غنايم 26 عام من مدينة القدس سكان مخيم شعفاط الحاصلة على درجة البكالوريوس في الصحافة لـ"رايــة": "ان فرص العمل في مدينة القدس محدودة جدا تتركز اغلبها في الاعمال التي لا تحتاج لشهادات عليا مثل السكرتاريا والخدمات العامة خاصة بالنسبة للفتيات، بالاضافة لحاجز اللغة العبرية المطلوبة في كل الوظائف كشرط اساسي، بينما وجدت ان الوظائف المتاحة والملائمة لمجال دراستي اكبر واوسع في رام الله نظرا لوجود العديد من الشركات الخاصة المحدودة او الكبرى والمشاريع الخاصة اضافة الى الوظائف الحكومية".
وزارة العمل ماذا قالت؟
و من جانبه قال وكيل وزارة العمل ناصر قطامي لـ"رايــة" أن سوء التخطيط في التنمية والذي حصر في مدينة رام الله بالقطاعين الخاص والحكومي واهمال المدن الأخرى وجّه الشباب الفلسطيني الى الهجرة نحو رام الله".
وأضاف قطامي، المرافق هنا محدودة الازمات المرورية شديدة والظواهر الامنية والاجتماعية الخطيرة نتيجة لاختلاط النسيج الإجتماعي في المدينة أصبحت كبيرة.
واشار قطامي الى ان تركيز الوزارة على التنمية في المناطق داخل الجدار الفاصل لتعزيز صمود أهل القدس ادى الى تهميش مدن شمال الضفة.
وأوضح قطامي، "رام الله غير مهيأة لاستقبال هذا العدد الكبير والمتزايد من حيث البنية التحتية، بالإضافة إلى عقبات أخرى تتعلق في القدرة على تقديم الخدمات الاجتماعية المختلفة وبالتالي وقوع مسؤوليات كثيرة أمام الجهات التنفيذية لاجتياز العقبات، خاصة انها تبدو كقرية سياحية الآن، وتعتبر العاصمة الإدارية للسلطة الفلسطينية إلى حين إقامة الدولة وعاصمتها القدس الشريف".
وتابع قطامي، الحكومة رغم حملها الثقيل إلا انها يجب أن تعمل على توزيع العبء الإداري والخدماتي على كافة محافظات الضفة الغربية وهي مهمة الحكومة مجتمعة وليست مهمة وزارة بعينها.
رأي محللين إقتصاديين
و من جانبه قال المحلل الإقتصادي طارق الحاج لـ"رايــة": " أن الهجرة الداخلية من المدن الى مدينة رام الله تتمثل في كونها العاصمة السياسة لفلسطين وفي العالم كله تكون العواصم اماكن جذب واستقطاب من الدولة والمستثمرين والمؤسسات الأجنبية وتوافر الاستقرار السياسي الى حد ما في رام الله ادى لتركز رؤوس الأموال والوظائف فيها وبالتالي تفضيل الشباب للإستقرار والذي يتمثل في ثقافتنا بالزواج قرب مكان العمل".
واضاف الحاج، التطور غير المخطط و غير المدروس هو من جعل من رام الله أكثر ازدحاما إضافة لظاهرة الانفاق الزائد والتفاخر بشراء سيارات وشقق فاخرة عزز من جعل هذه المدينة لا تتسع لساكنيها.
ونوه الحاج الى ان الحكومة لاتستطيع فتح مشاريع في المدن الأخرى من ناحية مادية بسبب معاناتها من تخمة التوظيف وقلة الدعم الخارجي الذي اصبح مقتصرا على دولتين عربييتين "الجزائر والسعودية" بمبالغ لا تتجاوز الـ30 مليون دولار و التي لا تكفي بطبيعة الحال.
ويقول الحاج " الشباب يلجأ الى الوظيفة الحكومية او الخاصة الخدماتية ويبتعد عن فتح مشاريع انتاجية كونها الأولى اكثر ضمانا وبعيدة عن المغامرة مع العلم ان هناك صندوقا لتشجيع المشاريع والافكار الابداعية ولكن ما يقدم له من افكار اقل من المتوقع.
"الحل برأيي يكمن في الابتعاد عن الانفاق الزائد والابتعاد عن الاعتماد على العمل الاستهلاكي وفتح مشاريع انتاجية" يقول الحاج.
وبدوره أكد اللواء رمضان محافظ محافظة جنين لـ"رايــة": ان الشباب يقصدون مدينة رام الله لأنها موقع اهتمام الجهات المانحة و الحكومية في ظل تهميش المانحين لمحافظة جنين، مشيرا الى أن رئيس الوزراء بصدد وضع خطة لزيادة المشاريع الانتاجية في محافظة جنين للحد من البطالة و الانتقال للبحث عن عمل خارج المحافظة.
تأثير الهجرة على النسيج الإجتماعي
وقالت فاتن أبو زعرور الأخصائية النفسية والإجتماعية لـ"رايــة": أن الثقافة الفلسطينية متشابهه جدا و ما يحصل في مدينة رام الله هو اختلاف للسلوكيات وليس للثقافة فالمختلف هو شدة " المحافظة بين كل مدينة" اما المحافظة بمفهومها العام موجودة في فلسطين كلها.
واضافت زعرور، التغيير غير المخطط له في المجتمع هو من وجد بعض الصراعات بين الافراد في حين لو كان مدروس لقلت الصراعات اضافة الى افتقار المحافظات الاخرى للتنمية والتوزيع العادل لموارد التنمية وفرص العمل هو سبب رئيس في الصراعات علاوة على نظرة الاستعلاء الحادثة في مدينة رام الله بالتحديد.
الكثير من الشبان و الشابات يتركون مساكنهم الأصلية بحثا عن العمل يتكبدون معاناة و تكاليف الانتقال تاركين خلفهم أطفالا وعوائل للحصول على أجور أعلى في مدينة رام الله، في ظل استغلال أصحاب العمل للعمال وحرمانهم من الحد الأدنى للأجور في مناطق الشمال، تزامنا مع غياب الرقابة و قلة المشاريع الانتاجية الممولة من الحكومة او من القطاع الخاص.
