الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:06 AM
الظهر 12:36 PM
العصر 4:16 PM
المغرب 7:37 PM
العشاء 9:05 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

طارق البكري حارس الذاكرة وأمل المهجّرين

 

القدس- رايـة:

سارة الدجاني-

في ظل انشغالات الحياة وهمومها قد لا يذكر البعض بعد مرور أكثر من 68 عاماً على نكبة فلسطين بيت عائلته أو القرية التي هجّر منها جده. ولكنّ الفلسطيني المهجّر ناصر الدقاق لم يكن واحداً من هؤلاء، فحرصه على التمسك بما سُلب من جدّه وأبيه عنوةً، ورغبته في توريث حب الوطن لأولاده ولو كان في المهجر ساقه للالتقاء بالمقدسي طارق البكري أو كما يلقبّه البعض بحارس الذاكرة الفلسطينية، في الكويت قبل عدة أشهر لتبدأ بعدها حكاية العودة ولو ليومٍ واحد.

ناصر الذي هجّر جده من حي البقعة الواقعة في غرب القدس، لم يزر يوماً هذا البيت، ولم يملك أي ذكريات في ارجائه، ولكنّ هذا كان دافعاً اكبر له حتى يحرص على الالتقاء بطارق بعد محاضرة ألقاها الاخير في الكويت بعنوان كنّا وما زلنا، ضمن مبادرة فرديّة بدأها قبل أربعة سنوات يقوم فيها بتوثيق وعرض صور لمناطق أو بيوتٍ أو قرىٍ فلسطينية هجرت في النكبة، تعتمد على أن يقوم لاجئون بارسال صور لبيوتهم قبل التهجير، ليبدأ بعدها طارق رحلة البحث عن هذا البيت وتصويره من ذات الزاوية ان كان ما زال قائماً.

بدأ الحديث في الكويت بين طارق وناصر عادياً، بعد أن أبدى ناصر إعجابه بما يقوم به طارق ويشاركه للناس عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إلى أن وصل الحديث إلى أصله وعرف طارق أنه مهجّرٌ من القدس، تكلما سريعاً عن حال البقعة الآن التي يسكنها مستوطنون جائوا من كل أنحاء العالم، وانتهى الحديث عادياً كما بدأ بتشجيع طارق لناصر بزيارة القدس بما أنه يمتلك الجنسية الأمريكية التي تسمح له زيارتها.

فوجئ طارق بعد فترة قصيرة، وفي شهر تموز تحديداً باتصال من ناصر يخبره بأنه في القدس، ويريد زيارة بيت جده في البقعة، لتبداً هنا رحلة البحث عن منزل الجد المهجر قبل اكثر من ستة عقود.

انطلق طارق برفقة ناصر وأبنائه خالد وياسمين إلى غرب القدس للبحث عن منزل الجد، "لم يستغرق الأمر معنا أقل من ساعة حتى وجدنا ما خرجنا لاجله" يقول طارق وهو يتذكر ذلك اليوم.

ناصر وأبنائه خالد وياسمين، عند بيت جده في البقعة غرب القدس

 

بيت حجري من ثلاثة طوابق، مع حديقة واسعة وأشجار مبهرة تزين المكان وتدلّ على وفرة حال من كان يسكنه، لم يتوقع ناصر الدقاق وأبنائه أن يجدوا البيت قائماً كما هو تماماً بالصورة التي يمتلكونها باللونين الاسود والابيض.

حالة من الذهول والصدمة والحسرة والكثير من المشاعر المختلطة كانت المسيطرة والمرسومة على وجوه ناصر وأولاده الاثنين، فبدأ كلٌّ منهم في التجوّل حول البيت بفرحة غريبة انتابتهم، يتفقد ناصر مثلاً الحديقة بلهفة كأن جدّه كان واقفاً هنا البارحة، ويدقق ابنه خالد  في جمال الثلاثة طوابق ويتخيل جدة أبيه واقفةً على شرفة واحد منها، بينما تعبّر ياسمين بعربيتها المكسرة عن جمال البيت وروعته " هادا احلى من بيوت امريكا".

بينما يراقب طارق البكري بصمتٍ حال العائلة الصغيرة التي عادت ولو لدقائق لبيت جدها، شاءت الصدفة أن يتقدم نحوهم إسرائيلي برفقة زوجته حاملين بعض الاثاث ويهمّون بدخول البيت.

حديث سريع دار بالعبرية بين الاسرائيلي الذي يحمل الجنسية الاسترالية وبين طارق، "أخبرني هذا الإسرائيلي أنه قد اشترى جزءاً من هذا البيت، وأن هذه الليلة ستكون الليلة الاولى له في برفقة زوجته"، لم يكد الأخير ينهي جملته حتى صدمه طارق أخيراً وعرّفه على أصحاب البيت الاصليين مشيراً بيده لناصر وأولاده.

"صمت رهيب دام لنصف دقيقة ومفاجأة من العيار الثقيل"، هكذا كان تعليق طارق على هذة الصدفة السيئة الصادمة، حين رأى ناصر الدقاق غريباً قد اشتري بيت جده من شخصٍ لم يكن يملكه أصلا، انتهى هذا الموقف الغريب بدخول الإسرائيليان إلى بيت جده المسلوب في حين غادر ناصر وأولاده برفقة طارق حي البقعة بموقف حفر في ذاكرة كل واحد منهم.

يبتعد ناصر عن البيت وهو يردد على مسامع أبنائه الاثنين " ما تنسوا، هادا الاشي الكم، ضلكم متذكرين هادا بيت سيدكم". عاد ناصر إلى المهجر وبقيت هذه العائلة الإسرائيلية في بيت جده.

قصة ناصر، هي واحدة من أصل عشرات القصص التي شهد عليها طارق ووثقها وساعد أهلها في الوصول إلى بيوتهم، عشرات اللاجئين والمهجرين زاد ارتباطهم وارتباط أبنائهم بقراهم ومدنهم وبيوتهم التي هجّروا منها حين ساعدهم البكري في رؤية املاكهم المسلوبة.

طارق البكري 30 عاماً.

دون دعم أي مؤسسة وعلى حسابه الخاص، يستمر طارق البكري "30 عاماً" اليوم في الاهتمام بتوثيق ما يستطيع من القصص بجانب عمله في هندسة الحاسوب " أهتم بالتوثيق للمهجرين الفلسطينين في كل مكان كجزء من واجبي الوطني، أن أسمع وأرى بهجة عائلة باكملها وتحمسهم وهم يرون بيت جدهم عبر السكايب، هو ما يجعلني اؤمن بما أفعل ويشجعني دوماً لأن استمر".

تزيد المسئولية على طارق حين يزداد كل يوم طلب أحد مهجري فلسطين منه زيارة قريته أو البحث عن بيت والده وأجداده، فاسمه قد ارتبط لدى الكثير في كل مكان برائحة بيوتهم وقرى فلسطين المحتلة، فلا يتوانى عن تلبية طلب أي واحد منهم ويسارع للبحث عن املاكهم وإرسال صورها.  

ومن أبرز ما وجد طارق خلال رحلة توثيقه التي بدأت قبل خمسة سنوات، مقبرة ثمانية جنود أردنيين في أحراش قرية عمواس في منطقة اللطرون غرب مدينة القدس. حيث استشهدوا في فلسطين عام 1948 وكانوا في عداد المفقودين حتى وجد طارق هذه المقبرة  قبل عامين، وأرسل لعوائلهم صور شواهد قبور أبنائهم.

Loading...