يحدث في غزة: شهادات عليا برواتب دنيا!

غزة – راية
سامح أبو دية -
 

قالوا..أن الأحلام لا تطرق الأبواب كزائر لطيف، أما في غزة، فتكاد لا تطرقه أبداً..عشرات الآلاف من خريجي الجامعات وحاملي الدرجات العليا، مضطرون للقبول بأجور دنيا قد لا تتجاوز ال 300 شيكل شهرياً في ظل ارتفاع كارثي في معدلات البطالة وانخفاظ في فرص العمل لا سيما بالنسبة للفتيات منهم.

"حنان" مربية رياض الأطفال "طلبت عدم الكشف عن اسمها كاملا حفاظا على عملها"؛ أجبرتها الظروف الصعبة التي تمر بها أسرتها، للعمل في إحدى رياض الأطفال بغزة براتب شهري 300 شيكل فقط، مقابل العمل لفترتين "صباحي ومسائي"، تحت ذريعة أنها "مبتدئة"، علما أن خبرتها لسنوات لن يمنحها أجرا أكثر من 500 شيكل في أحسن الظروف.

التهديد المستمر باستقطاب مربيات بديلات، يدفع حنان الى الكد والجهد للحفاظ على فرصتها، أملا أن تحسن الروضة من أجرها الذي لن يتعدى بضع شواكل، مشيرة الى أنها تشتكي دوما من ارهاق العمل خاصة مع الأطفال لتأسيسهم وتأهيلهم للمرحلة المدرسية.

ولولا ما وصفته والدة حنان بـ "الضرورة"؛ لما وافقت لابنتها للعمل في رياض الأطفال تحت تلك الظروف، تقول: "أسرتنا تعيش ظروف صعبة، فضلا عن احتياج الفتاة لمصروفات متعددة، فالعمل بأجر 300 شيكل قد يساعد الأسرة أو الفتاة".

تقول: "تخيل أن تتعب على تدريس ابنتك 4 سنوات وتحمل عبء تكاليف الدراسة الجامعية، ويكون المصير هكذا "راتب 300 شيكل لقاء عمل يدوم طيلة اليوم، أي ظلم هذا أي استغلال؟"، مطالبة بتطبيق الحد الأدنى للأجور المقرر بـ 1450 شيكلا.

وتُعتبر رياض الأطفال من المشاريع التجارية التي يلتجئ لها الكثير من المستثمرين، حيث يعتبرها البعض مصدرا للربح الوفير، في ظل الرسوم الباهظة التي تفرضها، وأعداد الأطفال الكبيرة التي يمكن أن تحتويها أسوار رياض الأطفال تلك، ما يحقق ربحا جيدا، دون رقابة أو حساب.

أما سهام "اسم مستعار"؛ مربية تعمل في احدى رياض الأطفال في غزة، بأجر شهري 480 شيكلا مقابل عمل يومي يستمر من الثامنة صباحا حتى الواحدة بعد الظهر، وبزيادة سنوية قدرها 10 شواكل لحملة درجة البكالوريوس كأمثالها.

وتوضح سهام ان المربيات أو المعلمات الحاصلات على شهادة الدبلوم تعطيهم الروضة أجرا أقل بكثير، يُقدر في بعض الحالات بـ 10 شواكل يوميا، على أن لا يتعدى 15 شيكل، وهو ما يعادل أقل من نصف الحد الأدنى للأجور في قطاع التعليم.

وللعام الثاني على التوالي تعمل سهام في تلك الروضة، تعطي جزءً من أجرها لمساعدة أسرتها وجزء آخر تتدبر مصروفاتها به، وسط حالة من الظلم والاستغلال الفاضح للظروف الراهنة وحاجة الخريجين.

الغريب أن سهام وغيرها من المربيات يشعرن بـ "الرضا المؤقت" في ظل ندرة فرص العمل خاصة للفتيات في قطاع غزة، تقول: " 15 شيكلا في اليوم أفضل من الجلوس في المنزل مكتوفة الأيدي أمام أسرتي المكونة من 11 فردا، وهي بحاجة لكل ما هو ممكن لتعيش".

ولا تعتبر هذه الأزمة فردية ضمن بعض حالات، بل ظاهرة وقضية تخطت المئات، باتت تستوجب حلاً سريعاً لإنصافهن سيما وأن القوانين تم اقرارها مسبقا وليست بحاجة الا للتنفيذ فقط.

فقد شهد قطاع غزة، في الآونة الأخيرة، انتشاراً ملحوظاً لرياض الأطفال حيث بلغت 603 روضة في قطاع غزة، في غياب واضح للمعايير المطلوبة وتطبيق قوانين العمل والتعليم، "رسوم تسجيل الطفل الواحد يتعدى 150 شيكلا شهريا، وهو مبلغ قريب من الرسوم الجامعية، أما أجر المعلمات فلا يتعدى ضعف تلك الرسوم" كما تقول إحدى المربيات.

وحسب وزارة التربية والتعليم بغزة، فقد بلغ عدد الأطفال في قطاع غزة 67305 طفل موزعين على 603 روضة، وبلغ عدد المربيات العاملات فيها 2789 مربية.

يشار الى أن وزارة التربية والتعليم بغزة اعلنت مسبقا، البدء بتطبيق الحد الأدنى لأجور العاملين في المدارس الخاصة، والذي حددته بقيمة 1020 شيكل، الا أن القرار لم يتم تنفيذه حتى الآن خاصة في رياض الأطفال. 

أرقام واحصائيات

معدل البطالة في قطاع غزة بلغ 41.7%، مقابل 18.2% في الضفة الغربية، أما على مستوى الجنس فقد بلغ 22.2% للذكور مقابل 44.7% للإناث، بحسب احصائية للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.

وسجلت أعلى معدلات بطالة للفئة العمرية 20- 24 سنة حيث بلغت 43.2% في العام 2016. أما على مستوى السنوات الدراسية، فقد سجلت الإناث اللواتي أنهين 13 سنة دراسية فأكثر أعلى معدلات بطالة حيث بلغت 50.6% من إجمالي الإناث المشاركات في القوى العاملة لهذه الفئة.

35.6% من المستخدمين بأجر في القطاع الخاص يتقاضون أجراً شهرياً أقل من الحد الأدنى للأجر في فلسطين.