الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:33 AM
الظهر 12:37 PM
العصر 4:15 PM
المغرب 7:20 PM
العشاء 8:41 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

موسم تصدير الأحفاد

الكاتب: سما حسن

في الشوارع والأزقة انتشر تلاميذ المدارس يلعبون ويتقافزون، ورغم الجو البارد والماطر إلا أن شيئا لم يمنع هؤلاء من الخروج من البيت، لأن القوت كان إجازة نصف السنة.


"إجازة نصف السنة" اسم فيلم قديم شاهدته عشرات المرات منذ أن كنت طفلة حتى أصبحت أما، وقد كان فيلما يدعو للإنتاج كخروج فرقة رقص شعبي للتدرب في منطقة ريفية على الرقصات التي سيؤدونها في عرض قريب، ولكن يبدو أن لا أحد قد فهم مغزى ورسالة الفيلم، لأن الإجازة تعني للجميع الخروج من الروتين غير المحبب إلى لا شيء.


وهكذا خرج الصغار للعب في الشوارع والتقافز والتشاكس وتبادل السباب والألفاظ البذيئة، بدون أي هدف من إجازة نصف العام، وكأنها انسلاخ عن النصف الأول من العام الدراسي، وفيما أذكر أيضا ان المعلمات كن يتبارين في معاقبتنا بواجبات مدرسية ثقيلة عبارة عن نسخ الدروس أكثر من عشر مرات لكل درس، ونقضي الإجازة في النسخ، وقد تتبرع أختي الكبرى وتقوم بالنسخ بدلا مني لأن خطها يشبه خطي، وأضطر لإرضائها بجزء من مصروفي، ولكني حين أعود إلى المدرسة أكتشف أن المعلمات قد بدأن بشرح الدروس الجديدة ولم يسألن عن الواجبات الثقيلة التي نغصت علينا الإجازة، وحولتها لعقاب جماعي رغم أنني كنت تلميذة متفوقة ولا أحتاج لحفظ دروس ولا جداول الضرب ولا حتى تحسين خطي.


ولكن كان لإجازة نصف السنة هدف ومغزى ما زالا حاضرَين حتى اليوم، وقد مرت من أمام باب بيتي قبل يومين ابنة الجيران الصغيرة بصحبة صغيرة أخرى غريبة الوجه، فهي ليست من وجوه الصغار الذين اعتدت على رؤيتهم يتقافزون كالبراغيث من شرفتي، وسألتها عنها فقالت: هذه ابنة خالتي جاءت لزيارتنا حيث تسكن في رفح مع عائلتها، وتأتي لبيتنا في غزة في سياحة داخلية، ضحكت وربَّتُّ على رأسها واكتشفت انها تعرف معنى السياحة الداخلية، وكيف ينتقل الأحفاد خلال اجازة نصف السنة من بيوت الآباء والامهات إلى بيوت الأجداد في موسم تصدير لا يتكرر إلا مع نهاية العام.


في موسم تصدير الاحفاد قبل سنوات خلت كنت ألتقي مع ابنة خالتي الأُخرى في بيت جدتنا لأمنا، فكل واحدة أي أمي وخالتي ترسل بواحدة من بناتها لبيت الجدة بحجة تغيير الجو، وكذلك مساعدة الجدة العجوز، ولكننا كنا صغاراً لدرجة أننا لم نكن نعرف معنى البر ولكننا كنا نعرف الجري والركض، والهمس والضحك ومراقبة كبار السن على أساس أنهم قد ولدوا هكذا ولم نكن نعرف أننا سنكبر يوما ونصبح مثلهم نزقين وضجرين، ودقيقي الملاحظة وحريصين على كل شيء.


في موسم تصدير الأحفاد لا فائدة ترجى من إجازة نصف العام، ولا رابط بين الفصلين في المدارس للأسف، وإن كان هناك بعض المنهاج المرتبطة فهي لإضفاء بعض الضجر والملل على الفصل الثاني لا أكثر، وبوسع القائمين على التعليم التفكير بطريقة للاستفادة من إجازة قصيرة وجعلها مثمرة، بوسعهم تعليم الصغار أن المدرسة تربطنا بالبيئة حولنا وبأن المدرسة ليست عالماً خيالياً، وبوسعها أن تنظم رحلة ممتعة خلال الإجازة يزور فيها التلاميذ أحد المواقع التي قرؤوا عنها في كتبهم، أو الخروج للطبيعة لتطبيق تجربة علمية بسيطة وقد يصبحون أحد أفراد العائلة لربط المدرسة بالبيت بطريقة بسيطة محببة تزيد من شغف التلميذ لا كراهية عودته للمدرسة.


وفي إجازة نصف السنة يجب أن تتوقف الأُمهات عن الشكوى والتذمر من فصل منهك قد مر، والاستعداد لفصل أكثر إنهاكاً، فكل ذلك يعود بتأثير سيئ على الصغار، وحبذا لو حاولت الأُم أن تزيد من لهفة طفلها للعودة إلى المدرسة، ولا تجعل من اقتراب موعدها عقاباً وتهديداً.


في موسم تصدير الأحفاد نكتشف كم أننا في هذه البلاد لا نقدِّر مشاعر الكبار ولا نحترم حاجاتهم، ولو أننا فكرنا بإرسال أولادنا لبيوت الأجداد لنرتاح منهم ونتفرغ للتنظيف وتجديد الأثاث، فالأجداد بحاجة لزيارة بيوتنا خلال الإجازة وعلينا أن نستقبلهم ونرحب بهم ونفسح لهم في بيوتنا ونمنحهم من أوقاتنا، ونغدق عليهم من حناننا لكي تصبح الإجازة القصيرة هي موسم استيراد الجدات والأجداد.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...