الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:40 AM
الظهر 12:38 PM
العصر 4:15 PM
المغرب 7:17 PM
العشاء 8:37 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

ملاحظات حول قانون القومية

الكاتب: أكرم عطا الله

يحتاج المرء أن يقرأ التوراة حتى يفهم روح الديانة اليهودية ودلالاتها وانعكاساتها على مستوى السلوك ومنتجات السياسة، ولحسن حظي أنني قرأت التوراة واستوقفني بما يشبه الصدمة سِفرا عزرا ونحميا، وهما الحاخامان اللذان تقول الروايات إنهما من كتبا العهد القديم وأسفاره.

في هذين السِفرين، اللذين يجسدان عودة اليهود من بابل بعد التعاون مع قورش ملك فارس، يكتشف الحاخامان أن من بقي من اليهود في فلسطين، ولم يذهب مع الذين تم سَبيُهُم إلى بلاد الرافدين على يد نبوخذ نصّر، قد تزوجوا من فلسطينيات أوكما يقول النصّ من «بنات الأرض». وتقول النصوص: إن الحاخامين «عَفرا التراب على رأسهما عندما اكتشفا ذلك؛ «لأن العرق اليهودي تلوث، فيأمران بأن يطلّق كلُّ من تزوج من فلسطينية زوجته؛ لأن تلك جريمة وفق الديانة».

هذا استوقف الكاتب اليهودي إيلان هاليفي في كتابه المهم عن القبيلة، وذهب هاليفي بعيداً في مقارنة مع محاكمات نورمبرغ، لينقل اعترافاً على لسان المشرّع النازي الذي تمت محاكمته في أربعينيات القرن الماضي، بأنه اهتدى في كتابة القوانين لحاخامات ما بعد عودة السبي البابلي، هكذا يقول أحد مثقفي اليهود.

كَتبتُ عن القبيلة التي حاولت الحفاظ على نقائها العرقي وكثير من الكتاب فعلوا. كان هذا ميدان بحثوهم ومقالاتهم، وحتى اليسار اليهودي وهنا يبدو التناقض مع حركة التاريخ بالعودة لأصول وأزمان عصر القبائل، وهناك جملة من القرارات تتعارض مع الحاضر وحتى مع المستقبل، فالعالم تجاوز قيم تعيد إسرائيل إنتاجها على شكل قوانين وتشريعات.

إسرائيل دولة ديمقراطية، كذا تحاول القبيلة الترويج عن نفسها. إلى حد ما يمكن قول ذلك في العقود الأولى، عندما كان مهندسو القبيلة ورثة الإرث العلماني الأوروبي ونتاجات فكر الطبقة الوسطى هناك، والذين تأثروا بالثورة العلمانية، سواء صاحب الفكرة الصحافي اليهودي النمساوي ثيودور هيرتسل وصديقه ماكس نورداو، أو حتى المؤسس «دافيد غرين» والذي أصبح اسمه لاحقاً ديفيد بن غوريون، ثم إرث حزب العمل. فيما كان ورثة جابوتنسكي في حالة كمون لم تعبّر عن نفسها في بدايات التشكيل، حين تصرف بن غوريون بدكتاتورية ساحقة، وكمثال ضرب السفينة «ألتالينا»، واستمر ذلك عدة عقود كانت تتطور خلالها قوى قومية دينية تحدد مسار إسرائيل القائم، وهو الحد الذي وصلت إليه الآن.

مشكلة إسرائيل أن القومية هي دين والدين يعني القومية، وهي الدولة والأمة الوحيدة التي يتشابه فيها في بطاقة الهوية دينها وقوميتها، بمعنى أن الفلسطيني عربي ويكون مسيحياً أومسلماً، أما في إسرائيل فقوميته يهودية وديانته كذلك، وهنا المشكلة التي تجعل من القومية لتصبح أيديولوجيا حالة رافضة للآخر والتعايش معه، بل وفي حالة صراع دائمة باعتبارها جزءاً من الإرث الأيديولوجي، فلم يكن بإمكان يوشع بن نون الذي تسلّم الراية من موسى دخول فلسطين إلا بإحراق أريحا وأهلها، وتلك هي البطولة في عرف النصوص المقدسة، أي أن الحرق والقتل يصبح جزءاً من الثقافة وتلك معضلة.

لكن تجربة التاريخ كانت أكثر عملية في تجريب الأفكار، فالتاريخ هو العمل الهائل للتجارب الإنسانية، وأوروبا كانت ساحته الأكبر وميدانه الأوسع الذي سارت عليه الدبابات وأقدام الجنود، واندلفت هناك في شوارعها وساحاتها العامة العواطف والدموع بغزارة بين حربين، كانت الثانية أكثر بشاعة من الأولى، لتهدي للعالم تجربة الموت والخراب عندما تتسيّد منظومة الأفكار المتطرفة والقومية.

بعد أن خرجت أوروبا من عصر الكنيسة وحكم البابوات ذهبت باتجاه القوميات هناك، وكانت تلك تنتج قوى وزعماء، مثل: «بسمارك» في ألمانيا، و»نابليون بونابرت» في فرنسا. وهذه كانت مدعاة لصراع نهايات القرن التاسع عشر والحرب على إقليمي الألزاس واللورين، ثم يمهد هذا الفكر القومي للحرب العالمية الثانية عندما تستمر القومية في فعل فعلها لتهدي العالم هتلر وموسيليني وتحرق أوروبا بالكامل، وبهذا كانا الاسمين الأبرز والأكثر كراهية في التاريخ الأوروبي، وهما نتاج العصر القومي.

وهكذا تعود إسرائيل إلى هذا العصر الدامي، وتلك ليست مصادفة لمن يقرأ النصوص البدائية ويتابع تطور وانزياح الديموغرافيا في إسرائيل ونتاجاتها السياسية، فقد انتهى العصر العلماني فيها وإلى الأبد، مفسحاً الطريق لقوى إما دينية على نمط «شاس» و»يهودوت هاتوراة» أو قومية على نمط «البيت اليهودي» و»إسرائيل بيتنا» و»الليكود» وريث جابوتينسكي. تلك هي القوى الخمس التي تشكل الحكومة في تل أبيب وتسيطر على الكنيست بأغلبية 66 مقعداً، ولنا أن نتصور منتج السياسة من هذه القوى ارتباطاً بإرث هذه القبيلة وعقل القبيلة التي كرسته النصوص.

هذا ليس التشريع الأول في الكنيست، وهو المؤسسة التي استمدت اسمها من المجلس اليهودي الأول القديم «هاكينيست هاقدولا»، وحتى في عدد الأعضاء. هذا قبل أكثر من ثلاثة آلاف وسبعمائة عام حسب النص، فخلال دورات الكنيست الثلاث السابقة مررت عدة تشريعات كلها تعكس قيم القبيلة، ومنها: قانون الولاء للدولة، وقانون البلديات، وغيرها. إذاً كان هناك انزياح سياسي يعيد تكريس ثقافته وإلا ماذا يعني مطالبة إسرائيل ليل نهار بالاعتراف بالدولة اليهودية.

وسواء كنا نتحدث عن منظومة قومية أومنظومة دينية، فهذا يعني إدامة الصراع من ناحية، ومن ناحية أخرى سقوط إسرائيل من عالم الحضارة، ولكن الغريب أن العالم الحضاري يشاهد ما يحدث ويلتزم الصمت..!

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...