الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:10 AM
الظهر 11:44 AM
العصر 3:15 PM
المغرب 6:02 PM
العشاء 7:18 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

التجرد.. دروشة أمريكية

الكاتب: آيات عبد الله

تصف الروائية اليف شفاق الدرويش المتصوف شمس الدين التبريزي:"بأنه رجل متشح بالسواد من قمة رأسه حتى أخمص قدميه، ضامراً، نحيفاً، يرتدي عباءة طويلة ذات قلنسوة، ينتعل حذاء طويلاً من جلد الغنم، يحمل بيده زبدية خشبية من النوع الذي يحمله الدراويش المتسولون لتحطيم كبريائهم الشخصي، وزهوهم بأنفسهم" بهذه العباءة وهذا الصحن فقط كان يطوف المدن يبحث فيها عن الله.

كان هذا في القرن الثالث عشر الميلادي، الصورة تتكرر حديثاً في الفلم الوثائقي الأمريكي minimalism، والذي يعرض في إحدى لقطاته شاباً امريكاً يجمع أقل كمية من الأمتعة في رحلة ستستمر لعشرة أشهر، بنطال جينز واحد، عدة قمصان، وحقيبة صغيرة للزينة، ومجفف شعر، فملابسه القليلة قد لا تمكنه من إنتظار غسلها وتنشيفها.

هؤلاء الشبان الذي يعرض الفلم قصتهم يسمون أنفسهم "المتجردين"، اذ يحاولون التجرد والاستغناء عن المنتجات العبثية في حياتهم، ويواجهون الإستهلاك القسري لها، ويقفون في وجه الإعلانات التي تدعو إلى شراء المزيد للحصول على السعادة، هذه السعادة التي اكتشفوا في نهاية المطاف أنهم يجرون خلفها دون وعي، وهي تجري أمامهم دون توقف، ما أوصلهم إلى مرحلة من اليأس.

أبطال الفلم الوثائقي هذا، وصلوا إلى مستويات متقدمة من النجاح في عملهم، لكنهم وجدوا أنفسهم في دوامة العمل الدؤوب لكسب المال، وشراء الحاجيات التي تمنح السعادة والراحة لكنهم وفي كل مرحلة وصلوا إليها اكتشفوا أن الحاجيات التي يمتلكونها من سيارات وكماليات وبيوت جميلة لا تكفيهم، فعادوا إلى العمل لشراء المزيد.

"كنت أعيش الحلم الأمريكي، وأدركت أنه لم يكن حلمي" هذا ما جاء على لسان أحد ضيوف الفلم، فمستوى العيش المتقدم الذي يعيشه الشعب الأمريكي، كان وهماً والمستفيد منه هم سماسرة "وول ستريت" فقط، حيث كميات إنتاج كبيرة يتم تسويقها، لكن المستهلكين لا يستفيدون منها، هم فقط مثل فئران في عجلة المستثمرين.

أنتج الفلم عام 2016، وهي ذات الفترة التي ذاع فيها صيت المتصوف جلال الدين الرومي بين الشبان الأمريكيين، وإستهجن البعض ذلك، وكتبت مقالات عديدة حول الإقبال على ترجمة وشراء كتب الرومي المسلم في أمريكا، وما هذا الإقبال على روحانية الرومي إلا هروب من الرأسمالية المادية التي لا تقيم أي اعتبار للأفراد، وجل هم رجالها هو الكسب.

قد نصل إلى حالة التجرد هذه بعد عناء روحي وفهم واضحٍ لفقدان السعادة، لكن هل يمكن أن نتجرد منذ البداية، أم سيسمى ذلك إستسلاماً؟ ووحدةً وانقطاعاً غبياً عن العالم؟
كتبت هذه الملاحظة وأكملت مشاهدة الفلم فجاء الجواب على لسان أحد الأبطال المتجردين يقول أن التجرد ليس أسلوب حياة متطرف، فهو يؤمن بالجودة لا بالكمية.

ويخرج اخر بعد عدة مشاهد ليقول أن المتجرد الأعظم يكون ناسكاً منعزلاً، أو راهباً، لكن هذا لن يغير العالم، فيرد آخر أن للطيف وجهين، ولا مشكلة في الإستهلاك، المشكلة الحقيقة في الإستهلاك القسري، وأن نكون ضحية الإعلانات المباشرة وغير المباشرة، التي تصور لنا الحياة المثالية لنجري خلفها دون نهاية.

وقد طرح الفلم خيارات عديدة للتجرد، كالبيوت الصغيرة، ومشروع "برجيكت 333" الذي تحاول من خلاله الفتيات إرتداء 33 قطعة ملابس تشمل الإكسسوارات والحقائب خلال 3 أشهر، وقد عرض الفلم تجارب عديدة لفتيات نجحن في ذلك.

لم يأتي الفلم على ذكر مصطلح "الرأسمالية" بكل وضوح، إنتقد سماسرة وول ستريت، والحلم الأمريكي، الذي باعوه للجماهير على مدار مئة عام ليجنو المال فقط، فأفقدوهم الروحانية ومتعة البساطة.

السؤال هنا: هل نحن الفلسطينييون بحاجة إلى هذا التجرد، وهل وصلنا إلى هذه المرحلة من الإستهلاك القسري للمنتجات وأنماط الحياة المثالية الخارجة عن الطبيعية الفلسطينية.

والملفت ما كتبته صحيفة "شيكاغو تربيون" تعليقا على شيوع الروحانية وقصائد جلال الدين الرومي في أمريكيا:" إذا عاد إدوارد سعيد سيسخر، كعادته، من برجوازيتنا التي جعلتنا نفتن بقصائد إسلامية من قبل 700 عام".

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...