الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:40 AM
الظهر 12:38 PM
العصر 4:15 PM
المغرب 7:17 PM
العشاء 8:37 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

قلم سيّال !

الكاتب: حسن البطل

د. سبوك عاصر، قبل جيل أو جيلين، أمهات وآباء شباب صاروا في جيل الجدودية. له سلسلة كُتب تشبه، في مجموعها، الموسوعة في العناية بالطفل، من سنّ الحمل به.. إلى الرضاعة وما بعد سنّ الفطام. لمّا بلغ الطبيب من العمر عتيّا اعتذر عن جملة ما كتب، ونصح أمهات وآباء جيل جديد ألاّ يقتدوا بنصائحه. لعلّني أتذكر من نصائحه إنامة الرضيع على بطنه. الآن نصيحة جيل جديد لأطباء الأطفال، وهي تنويمه على ظهره أو جنبه!

الطبيب الأشهر في ميدانه اعتذر عمّا كتب، وشاعر كان في سنّ الرضاعة اعتذر في سنّ الرجولة عن إلقاء قصيدة: «سجّل أنا عربي»، التي كتبها داخل اسرائيل، في بلاد الشتات العربي، وكتب: «لا تعتذر عمّا فعلت» وهو الذي لم يفعل شيئاً خارج كتابة الشعر الجميل والنثر الأجمل، وأهدى قصيدة له إلى الفلسطيني: «أحمد العربي المنسي بين رصاصتين».. وأخيراً: «أنت منذ الآن غيرك».

صرتُ، عمرياً، جدّاً وتجاوزت «اليوبيل الماسي» في سلّم المناسبات، أي ثلاثة أرباع القرن. لا قالب «غاتوه» ولا شمعات مضيئات تعلوه، سوى على هذا «الفيسبوك» اللعين. لا بأس في التهاني المعتادة: عقبال الـ 120 سنة، لكن تنصيبي الفخري على «مشيخة» الصحافيين الفلسطينيين، ذكّرني بالعمر القلمي الذي ينطح اليوبيل الذهبي في سلّم المناسبات، وبعمر عمود «أطراف النهار» الذي سيناطح اليوبيل الفضي نهاية هذا العام، وماذا، أيضاً؟ ها قد صرت عميد السنّ بين زملاء وموظفي «مؤسسة الأيام»، وفوق هذا وذاك ألبستني ابنة آخر إخوتي الراحلين في الشام «عباءة» عميد آل البطل.. عميد عن بعد!

مطالع سنوات عملي في «فلسطين الثورة» ـ بيروت، قال لي زميلي السوري الراحل طلال رحمة: قلمك سيّال. استُشهد طلال شاباً بقذيفة خلال حرب لبنان الأهلية؛ وخلال حرب الاجتياح 1982، قال لي زميلي اللبناني طلال همذاني الراحل بالسرطان: «لمن تكتب يا حسن؟» بعد عمود في جريدة الحرب معنون «في العدو». في سنوات مطالع عمود «أطراف النهار» شبّهني الشاعر زكريا محمد في عمود «دفاتر الأيام» بـ «سمعان العمودي».. هل قعد على عموده مقدار ما قعدت؟!

سأدّعي أن عمود «أطراف النهار» من الأجمل بين أعمدة الصحافة الفلسطينية، لكن دون زعم فلعلّه فيها أطول الأعمدة عمراً. كُتب يومياً طيلة 21 سنة، وصار ثلاثة أيام منذ عامين.. هرمنا!

فكّرتُ أن «أعتذر» وأبدّله إلى «آناء الليل» بعد الانقلاب الحمساوي، ثم بعد هذا «الربيع العربي».. لكنني لا أفكر في الاعتذار عمّا كتبت من أعمدة، أسبوعية ويومية، حملت، على التوالي، عناوين: «فلسطين في الصراع» ثم «في العدو» ثم «قضايا الصراع».. أنا لا أكتبُ عموداً، بل عنونت واحداً بعنوان «الانكتابة» أي كما تلقائية النحل في بناء خلايا العسل (ولو كان أحياناً في الكتابة مرّاً) أو شغل سنّارة الجدّة في غزل الصوف. كتابة توالدية بقلم سيّال يترك ثغرات وفجوات في الترابط.. لكن العمود يأتي مثل رغيف ساخن من بيت النار!

في عمر الـ 70، كتب الأديب السوري ميخائيل نعيمة عن سنّ الحكمة في مؤلفه «سبعون». الحكمة تلزمها حكمة السنّ، فماذا عن حكمة الانكتابة بعد أن تجاوزتُ من زمان سنّ التقاعد الحكومي، ومتى أُشارف سنّ التقاعد العمودي ـ الكتابي ـ الانكتابي؟

لمّا باشرت «أطراف النهار» ولد جيل جديد قطع مراحل الدراسة كلها إلى التخرّج من الجامعة. لعلّه كان على عربة الأطفال يلعب بـ «الخشخيشة» والآن أرى أطفالا في عمر السنتين ينقرون ويلعبون كيفياً على ألعاب حاسوبية مبرمجة، وأولاداً في سنّ العاشرة يعلمون الآباء ما يجهلونه في الموبايلات الحديثة!

قلت لإبراهيم: سأتوقف قريباً عن «العومدة»، قال: كلّا.. هذا موت قبل الموت. يقولون: صحة وعافية. الصحة جيدة والعافية بدأت «عمر الكلال» أي العمر الافتراضي، وبعد السبعين يكبر المرء، نفسياً وفيزيولوجياً. كل عام بما يعادل خمسة أعوام.. الذاكرة تضمر ومعها المثانة!

تمرُّ عليَّ أيام لا ينطق فيها لساني بأكثر من مائة كلمة.. والله، وأحياناً كثيرة إن نطقتُ مثرثراً، قالوا لي: لا تحكي بل اكتب.. في السياسة و»التياسة»، في الشعر والأدب، في الشجر والبشر، في تخبيصات علم المجرّات وفي تخبيصات الخليّة.. إلخ!

يزعمون أن «العومدة» هي قمة الكتابة، ولي أن أزعم خلاف ذلك، فالتحرير وجودته يبقى قاعدة الكتابة الصحافية وهرمها معاً. لعلّ أبرع الأدباء مَنْ مارس مهنة التحرير الصحافي مطولاً.. مثل زميلي أكرم مسلّم.

لي في مأمول العمر نصف عقد أو عقد آخر، وفي مأمول «العومدة» نصف النصف، وربما يحتجب «أطراف النهار» في اليوبيل الفضي من عمر جريدة «الأيام».. ربما في 14 تموز من العام 2020 سأحذف تاريخ ميلادي من صفحتي، هرباً من دوشة ودويخة التهاني والتبريكات.. و»مشيخة» الصحافة، و»عمادة» العائلة، و»عميد السنّ» في المؤسسة، التي استهلكت نصف عمري القلمي، والنصف الآخر كان من نصيب مجلة وجريدة «فلسطين الثورة» في مرحلتيها البيروتية والقبرصية.. وخاصة الأخيرة. ماذا سأفعل؟ أهم شيء أن أفكّ هذا التلازم والترابط بين حرفة الكتابة وحرقة «السيكارة»، وأقرأ مليّاً في رفوف مكتبتي كتباً تصفحتها على عجل.. وأن «أخربش» على الموبايل شيئاً من حكمة العمر ومفارقات النضال والسياسة والتياسة، مثل هذا: «اللهم اعطنا دولتنا كفاف حلمنا» التي نالت 50 قراءة و 8 تعقيبات، أي أكثر من نصيب آخر الأعمدة.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...