الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:40 AM
الظهر 12:43 PM
العصر 4:21 PM
المغرب 7:24 PM
العشاء 8:45 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

من تهجير غزة إلى دفن الدولة الفلسطينية: مشهدية الهزيمة أم فرصة للتحول؟

الكاتب: جمال زقوت 

لم تعد إسرائيل تُخفي أهدافها الحقيقية؛ من تدمير مدينة غزة التاريخية ومدن جنوب القطاع إلى تهجير سكانها بذريعة “استعادة المحتجزين”، ومن إعلان نتنياهو دفن الدولة الفلسطينية من مستوطنة في قلب الضفة، إلى شروع سموتريتش في تنفيذ أخطر مخطط استيطاني في “منطقة E1” يقطع أوصال الضفة الغربية ويمنع إقامة دولة فلسطينية متواصلة وقابلة للحياة، بل والتلويح بطموحات نتنياهو حول “إسرائيل الكبرى” باعتبارها نهاية التاريخ في فلسطين. كل ذلك يجري أمام صمت دولي مشوب بالتواطؤ، لا يرى في الضحايا الفلسطينيين سوى تفصيل صغير أمام صفقات السلاح والطاقة والمصالح. 

 

 تحوّل استراتيجي في العقيدة الصهيونية: 

من إدارة الصراع إلى حسمه 

 

 التحولات الآخذة في مزيد من التطرف، سواء في تل أبيب أو في البيت الأبيض، ليست استثناءً، بل تشكّل امتدادًا لبنية الفكرة الصهيونية التي قامت على إلغاء وجود الفلسطيني شعبًا وأرضًا. إلا أن ما يحدث اليوم هو انتقال نوعي من إدارة الصراع إلى حسمه عبر التدمير الشامل لغزة والضمّ الزاحف للضفة. إنهم يسابقون الزمن لفرض واقع لا عودة عنه، مستندين إلى انشغال العالم بأزماته، وإلى عجز فلسطيني داخلي يمنحهم نافذة وفرص مناورة إضافية.

 

 الانقسام الفلسطيني: 

شرعية مهزوزة وقيادات منفصلة عن الشعب 

 

 في الجانب الفلسطيني، يظهر المشهد أكثر قتامة. فهناك من يقدّم نفسه حاكمًا لغزة بقرار أميركي، بما يشكّله ذلك من استقواء بالخارج، ومن إقصاء للإرادة والقرار والكرامة والحق الفلسطيني في اختيار قيادته كمكوّن أساسي من حقه في تقرير مصيره. فيما تُصدر السلطة مراسيم فوقية، تارةً لما يسمى انتخاب مجلس وطني جديد وفق شروط وتوقيت لا تفضي سوى لإقصاء شركاء الوطن، وتارةً لتشكيل لجنة دستور من لونٍ واحد لا تعكس تنوع الطيف السياسي ولا الاجتماعي. هذا في وقت يتعرض فيه الشعب لواحدة من أبشع حملات الإبادة والتطهير العرقي والاقتلاع. النتيجة مشهدية لا تعكس سوى عجز القيادات والنخب المتحكمة في المصير الوطني، وانفصالها عن نبض الناس وتضحياتهم.

 

 جذور الأزمة:

 استعمار إحلالي وفشل المسار السياسي

 

 يعود هذا المشهد إلى طبيعة بنية الفكرة الصهيونية، سيّما الاستعمار الاستيطاني الإحلالي الذي يرى الأرض “خالية سياسيًا”، ويستهدف نزع الفلسطيني من المكان والسردية معًا. كما أن فشل تسوية مسار أوسلو، وما أنتجه من قدرة على تحويل “المرحلي” إلى دائم، ومن ثم تكريسه، ومن تجزئة الأرض والشعب والقرار، إلى تطبيع إدارة الاحتلال بدل تفكيكه. هذا بالإضافة إلى انتقال حكومة الاحتلال من الردع إلى عقيدة التدمير الشامل، أو من “جزّ العشب” إلى سياسة “كسر المجتمع” عبر الحصار والتجويع وتدمير المقومات المدنية. يأتي ذلك كله في سياق ثغرات بنيوية خطيرة في الحالة الفلسطينية، حيث شرّع الانقسام الأبواب لفتح شهية الاحتلال نحو الضم والتصفية، كما أدى إلى اهتزاز طبيعة وشرعية التمثيل، سيّما في ظل انشغال النخب الحاكمة في الصراع الداخلي على حساب مشروع التحرر الوطني، حيث بات القرار الوطني يُصنع في الغرف المغلقة، وتُدار المؤسسات بمراسيم بدلاً من التوافق والانتخابات والمساءلة.

 

 المطلوب فلسطينيًا:

 استنهاض وطني وقطع الطريق على مشاريع التصفية 

 

 أمام هذا المشهد، المطلوب أولًا استنهاض مجمل الطاقات الوطنية لوقف الإبادة وحماية المدنيين، عبر توحيد الجهود القانونية والسياسية والحقوقية، وتفعيل أدوات الضغط على الاحتلال في المحاكم الدولية وفي مؤسسات المجتمع المدني العالمي. ثانيًا، تحصين المجتمع من التهجير بإعادة الأمل للناس وفق رؤية واقعية قابلة للتطبيق، تشكّل أداة مضادة لمحاولات شطب الوجود الفلسطيني. وفي السياق ذاته، لا بد من وقف منح الشرعية للإجراءات الأحادية: لا لجنة دستور أحادية، ولا حكم مفروض من الخارج. إن مستقبل غزة والضفة والقدس لا يُحسم في العواصم الأجنبية ولا في المراسيم الفوقية، بل في عقد اجتماعي جديد يقوم على التوافق الذي يضمن وحدة التمثيل وتوسيع قاعدة المشاركة. الأمر الذي يتطلب الإسراع في تشكيل حكومة وفاق وطني تقطع الطريق على مخططات نتنياهو لتكريس الفصل بين الضفة والقطاع، وكذلك عقد الإطار القيادي الموحّد كهيئة انتقالية جامعة تضم جميع الفصائل والمجتمع المدني والنقابات والشتات، بولاية مؤقتة محددة تحت إطار منظمة التحرير، والتحضير لانتخابات عامة تشريعية ورئاسية وللمجلس الوطني، في الطريق لتشكيل مجلس تأسيسي لبرلمان دولة فلسطينية. فهذا ليس ترفًا تنظيميًا، بل شرط بقاء، لأن أي فراغ سيملؤه الاحتلال أو وكلاؤه، شريطة أن يكون ذلك كله في إطار أدوات وطنية جامعة، لا نهجًا إقصائيًا يبقي الأبواب مشرعة لتدخل الاحتلال وأعوانه. إلى جانب ذلك، نحن بحاجة إلى عقد اجتماعي يحدد برنامجًا كفاحيًا شاملًا، يرتكز على المقاومة الشعبية الفعّالة، والقادرة على تقليل الكلفة على المجتمع ورفعها على الاحتلال، وعلى استقلالية مالية من خلال صندوق وطني شفاف يدير موارد الإعمار والصمود بعيدًا عن الولاءات السياسية ذات اللون الواحد أو الابتزازات الخارجية.

 

 الرأي العام العالمي: 

من التعاطف إلى خلق كلفة على الاحتلال 

 

 رغم صمت الحكومات الغربية، هناك رأي عام عالمي يتشكّل على صعيد الجامعات، والنقابات، والمجالس المحلية، والمحاكم، وصناديق التقاعد التي بدأت ترى في الاحتلال عبئًا أخلاقيًا واقتصاديًا. هذه النافذة تحتاج إلى جهد فلسطيني منظم ومحترف لتحويل التعاطف إلى كلفة سياسية مستدامة على الاحتلال، بدل أن يبقى مجرد شعارات موسمية فارغة من أي مضمون.

 

 بين مشهدية الهزيمة وإمكان التغيير: 

خيار الشعب أم قدر الاحتلال؟ 

 

 اللحظة خطيرة، لكنها ليست قدرًا محتومًا. إسرائيل تراهن على إدارة بؤس فلسطيني دائم، وعلى قبول العالم بواقع “إسرائيل الكبرى”. كسر هذا المسار يبدأ بتحويل الفلسطيني من موضوع للسياسات إلى صانع للكلفة على كافة الأصعدة: القانونية، والاقتصادية، والأخلاقية. لا قيادة تُمنح من الخارج، ولا شرعية بلا تمثيل، ولا مقاومة بلا انضباط أخلاقي. إن مشهدية التهجير والإبادة والاستيطان ليست نهاية الطريق، بل جرس إنذار أخير: إما إعادة بناء الحركة الوطنية الفلسطينية على أسس تمثيلية وشراكة حقيقية، أو الاستسلام لمعادلة الاحتلال التي لا ترى فينا سوى عبء يجب التخلص منه. الخيار ما زال ممكنًا، لكنه يتطلب شجاعة الاعتراف بالأزمة أولًا، وإرادة الخروج منها ثانيًا. والسؤال: كيف يمكن تحقيق ذلك؟ هذه مسؤولية الجميع، وبما يشمل كل مواطن، وهذا ما يستحق نقاشًا وطنيًا ومجتمعيًا واسع النطاق.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...