الكنائس البروتستانتية مع فلسطين

الكاتب: عمر حلمي الغول
في الوقت الذي أقدمت فيه دولة التطهير العرقي الإسرائيلية على تجميد أرصدة الكنيسة الارثوذكسية في القدس العاصمة الفلسطينية، وفرض الضرائب الباهظة على ممتلكاتها بهدف محاصرتها والحد من قدرتها على القيام بمهامها الروحية والإنسانية، وتهديد دورها تجاه رعاياها من أبناء الشعب العربي الفلسطيني، والعمل على تضييق الخناق أكثر فأكثر على اتباع الديانة المسيحية بهدف تهجيرهم الناعم، وتغيير الطابع الديمغرافي والثقافي والديني للمدينة المقدسة على طريق افراغها من سكانها، ومصادرة أراضي الكنيسة التي تعتبر المالك الأكبر في فلسطين التاريخية، وتواصل الاعتداءات على أراضيها في محيط دير القديس جراسموس (دير حجلة) القريب من اريحا لزيادة الاستيطان الاستعماري في المنطقة، وبالتلازم مع ذلك تقوم بالاعتداءات على الكنائس الكاثوليكية في قرية الطيبة وغيرها من الأراضي الفلسطيني لذات الغاية الاجرامية لتفريغ المدن الفلسطينية من سكانها الاصلانيين من المسيحيين والمسلمين، في خرق فاضح للوضع التاريخي وللقانون والمواثيق والمعاهدات الدولية، وفق المصادر الكنسية يوم السبت 16 آب/ أغسطس 2025.
وهذه الجرائم ليست منفصلة عما يجري في باقي المحافظات الشمالية من الوطن والابادة الجماعية في قطاع غزة في أوسع عملية تطهير عرقي لأبناء الشعب الفلسطيني، واحلال قطعان المستعمرين حسب المخطط الجهنمي الذي يقوده بنيامين نتنياهو وأركان ائتلافه النازي، الذي أكد في تصريح سابق يوم الخميس 14 من ذات الشهر، انه في مهمة تاريخية وروحانية لاهوتية لإقامة دولة إسرائيل الكبرى من النيل للفرات، والتي ارتبطت بالخطة التي اعلن عنها سموتريش وزير المالية لجلب مليون مستوطن الى الضفة الغربية، واكد في ذات التاريخ آنف الذكر، انه سينقل مخطط السيطرة على منطقة E1 وبناء 3401 وحدة استيطانية من كونه مجرد مخطط الى مرحلة التنفيذ بعد 20 عاما، بهدف فصل القدس العاصمة عن باقي المحافظات الفلسطينية، وفصل جنوب الضفة عن شمالها، وقطع الطريق على إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، والسيطرة الكاملة على فلسطين التاريخية من البحر الى النهر، كجزء من المخطط الاشمل بإقامة إسرائيل الكبرى.
في هذا الوقت، دعت إدارات 73 كنيسة بروتستانتية في هولندا في نداء موقع من قبل قادة الكنائس يوم الجمعة 15 آب / أغسطس الحالي الحكومة الهولندية الى الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ووقف ارسال شحنات الأسلحة الى إسرائيل، وفق صحيفة تراو الهولندية. وطالب قادة الكنائس الحكومة المؤقتة في هولندا بالضغط على حكومة نتنياهو لفرض وقف إطلاق النار، وتقديم المساعدات الإنسانية لأبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ووقف العنف في الضفة الغربية، والافراج عن الاسرى.
ونقلت الصحيفة عن كارولين جيسيرز، صاحبة المبادرة قولها إنها "لطالما شعرت بالقلق إزاء الوضع في غزة، وأن تجويع إسرائيل السكان كانت اللحظة الفارقة بالنسبة لها." وتابعت جيسيرز القول إن "اعتراف هولندا بالدولة الفلسطينية ليس قضية سياسية بل قضية إنسانية، والدولة المستقلة شرط لا غنى عنه لحياة آمنة للشعب الفلسطيني."
هذا الموقف الشجاع للكنائس البروتستانتية وغيرها من الكنائس المسيحية الأميركية والأوروبية يمثل رافعة هامة لدعم القضية والشعب والدولة الفلسطينية، ويشكل حافزا نوعيا في دفع الأنظمة السياسية الأوروبية وفي الولايات المتحدة للاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة وذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967، مقرونة بفرض العقوبات على إسرائيل ومستعمراتها في الضفة الفلسطينية، لإلزامها باستحقاقات وقف الإبادة الجماعية ووقف التهجير القسري، وإدخال المساعدات الإنسانية وإعادة الاعمار لما دمرته الحرب الجهنمية في القطاع والضفة على حد سواء، والذهاب لمؤتمر السلام لتكريس استقلال الدولة.
ونداء الكنائس ال73 الهولندية يعتبر تجسيدا للتضامن مع شعب السيد المسيح عليه السلام، الذي يتجاهله كليا الرئيس "المؤمن" دونالد ترمب، وينسى ان وقوفه خلف إسرائيل اللقيطة والخارجة على القانون والابادة الجماعية، انما يعيد صلب السيد المسيح وشعبه العربي الفلسطيني، ويهدف الى تدمير والعبث بالكنئس والاديرة والممتلكات المسيحية، الامر الذي يتطلب منه إعادة نظر في سياساته وانتهاكاته الخطيرة بدعمه دولة مارقة وطارئة من اليهود الخزر الصهاينة الذين جلبهم الغرب الرأسمالي الى فلسطين لتحقيق أهدافه الاستعمارية في الوطن العربي، وللتخلص من المسألة اليهودية.
وكما كانت نكبة الشعب العربي الفلسطيني عام 1948 نتاج التدخل الدولي عموما والغربي الاستعماري خصوصا، سيكون استقلال دولة فلسطين بفضل دعم الشعوب والأنظمة الغربية، التي أُرغمت على تغيير مواقفها نتاج نضالات أنصار السلام، ولهذا سيكون الاعتراف الدولي له أثر بالغ الأهمية في التحول الجاري لدول الغرب التي ستعترف بالدولة الفلسطينية القائمة والواقعة حتى الان تحت نير الاستعمار الإسرائيلي.