كوشنير يتطاول على رمز اعدل قضية

الكاتب: د. محمد عودة
ضمن مفهوم كوشنير يجب مكافأة المحتل ومعاقبة من هو تحت الاحتلال، محمود عباس تحت الاحتلال اما نتنياهو فهو فوق القانون، بهذا المعنى جاءت تصريحات غريبة ومثيرة للدهشة حيث قال جاريد كوشنير إن "رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يسافر إلى الولايات المتحدة في رحلة عادية ، بينما الرئيس الفلسطيني محمود عباس يستخدم طائرة خاصة". هذا التصريح لم يأتِ إلا ليكشف عن ازدواجية المعايير التي يعتمدها بعض المسؤولين الأمريكيين تجاه الفلسطينيين والإسرائيليين، وعن تجاهل صريح للتاريخ والحقائق الواقعية على الأرض، كوشنير نسي أو تناسى أن إسرائيل هي التي حرمت الفلسطينيين من امتلاك مطار واحد على أرضهم.
ففي عام 1948، استولت إسرائيل على مطار اللد (الذي أصبح اليوم يعرف باسم مطار بن غوريون)، واحتلت عام 1967 مطار قلنديا شمال القدس، ثم دمّرت مطار غزة الدولي الذي افتُتح في فترة الحكم الفلسطيني ليكون نافذة البلاد إلى العالم. كل ذلك تمّ بدعم مباشر من الإدارة الأمريكية، التي وقفت إلى جانب الاحتلال سياسيًا وعسكريًا منذ تأسيسه وحتى اليوم.
لهذا السبب، عدم امتلاكنا مطارات وطنية وضرورة الالتزام بالمواعيد الدولية الرسمية تُجبر الرئيس الفلسطيني على السفر برحلة خاصة، لتأمين وصوله في الوقت المحدد، وضمان سلامته أثناء التنقل، كما أن بعض الدول المضيفة غالبًا لا تسمح لسفر رئيس دولة مع مواطنيها المدنيين العاديين لأسباب أمنية واضحة، أهمها الحماية من محاولات اغتيال أو استهداف سياسي. هذه الحقائق تجعل من سفر الرئيس عباس على متن طائرة خاصة ضرورة عملية، وليست رفاهية شخصية كما يحاول كوشنير تصويره.
الرئيس محمود عباس يمثّل رمز لقضية وطنية عادلة تُناقش في المحافل الدولية كافة، وهو غير مطلوب لأي محكمة دولية ولم يُتهم بارتكاب أي جريمة، ومع ذلك يُمنع من حضور جلسات الأمم المتحدة، بينما يُسمح لنتنياهو ، المسؤول عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وفق تقارير الأمم المتحدة والمحاكم الدولية بالسفر بحرية، ويُستقبل بالتصفيق والمديح الأمريكيين في قاعة الجمعية العامة رغم انه مطلوب، هذا التناقض يكشف الحقيقة البسيطة ،ان الحقوق الفلسطينية ليست محل تقدير، بينما يُسهل التغطية على الجرائم الإسرائيلية باسم السياسة والمصالح.
من الناحية القانونية، يجب أن نوضح أن أمريكا لا تملك الحق في منح أراضٍ تتبع دولة فلسطين لإسرائيل أو لأي طرف آخر ولا لذاتها،نعني هنا نقل السفارة الى القدس المحتلة والمطالبة بالسيطرة على قطاع غزة اضافة الى السماح بضم جزئي او كلي للضفة الغربية، السيادة الفلسطينية على أراضيها معترف بها بموجب قرارات الأمم المتحدة وميثاق القانون الدولي، وأي إعلان أو اقتراح أمريكي بتوسيع إسرائيل على الأراضي الفلسطينية لا يغير هذه الحقيقة، علاوة على ذلك، الولايات المتحدة ملزمة قانونيًا بالاعتراف بالدولة الفلسطينية ودعم حقوقها في أرضها بدل المطالبة بتوسيع إسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني.
إن تصريحات كوشنير تكشف جانبًا آخر من ازدواجية المعايير الأمريكية، حيث يتم مكافأة الجلّاد وتجريم الضحية، فالممارسات الامريكية تُظهر أن المعيار ليس القانون الدولي ولا العدالة ولا حقوق الانسان، بل ما يخدم المصالح السياسية قصيرة الأمد، بغضّ النظر عن الضحايا الأبرياء أو حقوق الفلسطينيين التي تنتهكها إسرائيل ليل نهار.
من الناحية القانونية والسياسية، الرئيس عباس يمتلك شرعية دولية واسعة، من خلال اعتراف الأمم المتحدة به كممثل للشعب الفلسطيني، أما نتنياهو، الذي يُشاد به في واشنطن، فهو مطلوب للمحاكم الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب، ويُتهم بتدمير المدارس والمستشفيات وقتل المدنيين الأبرياء في غزة، بما فيها الأطفال والنساء. فالمفارقة واضحة: من يُمنع من السفر هو صاحب الحق، ومن يُستقبل ويُشاد به هو من يُلاحق قانونيًا.
إنه لمن المؤسف أن يتحدث كوشنير عن الطائرات، وكأن هذه التفاصيل الشكلية هي المعيار لتقييم القادة، بينما يغفل الواقع الذي يعيشه الفلسطينيون يوميًا، حصار، اعتقالات، تدمير مدن ومطارات، منع السفر، وتقييد الحقوق الأساسية، سرقة مقدرات الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس والاعتداءات المتكررة من المستوطنين على سكان القرى الفلسطينية تحت سمع وبصر الجيش الاسرائيلي، الرئيس عباس يستخدم الطائرة الخاصة لان لا بديل لديه وليس بحثا عن الرفاهية، انه ممثل شعب عانى ويعاني من الاحتلال ويطالب بالحق والعدالة.
لذلك، نقول لكوشنير: قبل أن تتحدث عن طائرة الرئيس الفلسطيني، تذكر ان من دمّر مطاراتنا وموانئنا ومدارسنا ومدننا ومستشفياتنا بأسلحة أمريكية هي إسرائيل، تذكر أن العدالة والإنسانية لا تُقاس بوجود طائرة خاصة، بل بالالتزام بالقانون الدولي وبحماية المدنيين وحقوقهم.
إن استخدام سفر الرئيس الفلسطيني على متن طائرة خاصة للإشادة برئيس وزراء يسافر في رحلة عادية على متن طائرة إسرائيلية ومن مطار أصلا فلسطيني محتل لا يعدوا كونه تزوير للحقيقة، فبدلا من الإشادة بذلك الشيء الذي يسافر في رحلة عادية يجب مساءلة على الجرائم التي ارتكبها بحق الشعب الفلسطيني فهو من يحقّ له أن يكون موضوع التحقيق والمساءلة.
ختامًا، نحن نؤكد على أن الحق الفلسطيني لا يُقاس بالتفاخر السياسي ولا بتصريحات إعلامية فارغة، الرئيس عباس سيبقى رمزًا للمسؤولية والشرعية، وفلسطين ستمثل دومًا رمزا للقضايا العادلة وقضايا الحق في المحافل الدولية، مهما حاول البعض تشويه الصورة أو تبسيط الحقائق.