الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:51 AM
الظهر 11:26 AM
العصر 2:17 PM
المغرب 4:42 PM
العشاء 6:01 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

القضية الفلسطينية... بين مخاطر الوصاية وفرص الوحدة الوطنية

الكاتب: هاني المصري

السؤال الذي يُطرح بعد صدور قرار مجلس الأمن المانح شرعيةً دوليةً لوصايةٍ أميركية على قطاع غزّة: كيف يمكن التعامل معه بطريقة تقلّل أضراره وتُعظّم الفرص المتاحة ضمنه؟ فليس من الحتمي أن يُطبَّق القرار، أو أن يُطبَّق بأسوأ صوره، خصوصاً أن القضايا التي يعالجها شديدة التعقيد، وأن الأطراف المكلّفة بتنفيذه لا تتحرّك وفق الدوافع والغايات نفسها، فهناك فريق يريد تثبيت وقف الحرب والانسحاب الإسرائيلي، ووقف التهجير وتدفّق المساعدات الإنسانية وفتح معبر رفح وإعادة الإعمار، وخروج حركة المقاومة الإسلامية (حماس) من الحكم وعودة السلطة، وفتح مسار سياسي موثوق لإقامة الدولة الفلسطينية، وفريق يريد بقاء الاحتلال، ولو في المناطق العازلة، والسيطرة الإسرائيلية وحقّ الاعتداء والتدخّل، كلّما رأى ذلك مناسباً، وفتح باب التهجير وإقامة "ريفييرا" غزّة وإبقاء "حماس" خارج الحكم ونزع سلاحها، ومنع عودة السلطة، وإيجاد حكم فلسطيني خاضع للاحتلال، رغم أن اليد العليا ستكون لإدارة البيت الأبيض، إذ يُتوقّع أن يتولى ترامب الداعم لإسرائيل رئاسة "مجلس السلام" والتحكّم بعمل "قوة الاستقرار".

التخوين سهل، والتكفير كذلك، لكن نتائجهما وخيمة على القضية الفلسطينية وعلى إمكان بناء جبهة وطنية واسعة

بدأت إسرائيل بتأييد القرار لأنه يلبي جوهر مطالبها، ولأنها لا تستطيع معارضة ترامب، لكنّها فعلت ذلك على مضض. فالإشراف الدولي على غزّة، ولو بقيادة أميركية منحازة لها، ليس خيارها المفضل، لأنه يقيّد حرية جيشها ويجعل سلوكها خاضعاً لإرادة "مجلس السلام" التي تتوافق مع مصالح دولة إسرائيل ولا تتوافق مع تطلّعات اليمين المتطرّف الحاكم. وتهدف حكومة نتنياهو من الحرب إلى تكريس الاحتلال والاستيطان، وتهجير الفلسطينيين، ونزع سلاح غزّة، وتكريس فصلها عن الضفة، وإسقاط حكم "حماس"، وفرض حكم فلسطيني جديد موالٍ لها ولا يرتبط لا بـ"حماس" ولا بالسلطة الفلسطينية، إلا إذا أُعيد تشكيلها بما يتوافق مع شروط "الإصلاح" الإسرائيلية ـ الأميركية التي تجعلها إن استجابت لها فاقدة للتمثيل الوطني. لذلك تُفضّل إسرائيل تنفيذ أهدافها بنفسها لضمان إسقاط حكم الحركة ونزع سلاحها، ولإبقاء باب التهجير والاحتلال والاستيطان والضمّ مفتوحاً، لأنها لا تثق بأن الحركة ستستجيب لطلبات "مجلس السلام"، ولا لأنه قادر على فرضها، ولأنها تخشى محاولات لاحقة لتعميم نموذج غزّة على الضفة، كما تخشى من تغيّر الموقف الأميركي من "حماس"، فيوافق البيت الأبيض على استمرار بقائها مقابل شروط منها تعهّدها بالحفاظ على الأمن، كما أشار موسى أبو مرزوق. ومثل هذا السيناريو مستبعد، ولكنّه وارد في ظلّ عدم وجود بديل سريع عن سلطة "حماس".
وتزداد شكوك إسرائيل، لأن "مجلس السلام" لم يُشكَّل بعد، وربّما تشارك فيه شخصيات من دول غير مرغوبة لديها. كما لم تتشكّل قوة الاستقرار، وسط تردّد عربي ـ إسلامي في المشاركة خشية الاصطدام مع فصائل المقاومة. ومع تعثّر تشكيل القوة، يستمرّ الاحتلال في فرض وقائع جديدة على الأرض، فالحرب مستمرّة رغم وقف إطلاق النار، وإنْ تحت سقف الإبادة الجماعية والتدمير الشامل والتهجير القسري. قد يؤدّي التأخّر في تشكيل قوة الاستقرار، وعدم خروج "حماس" من الحكم وحلّ مسألة السلاح، إلى تأخير الاحتلال إدخال المساعدات وفتح معبر رفح وبدء الإعمار. وقد يُفتح الباب أمام تقسيم غزّة عملياً بين المناطق الشرقية والغربية، فتُمنح المناطق الغربية المحتلة نسبياً "امتيازات" وإعادة إعمار محسوبة، بينما تُترك المناطق الشرقية تحت الحصار والعدوان، ما يدفع السكّان إلى الهجرة إلى الغرب، في عملية تهجير "طوعية".
الشرطة الفلسطينية غير جاهزة، وهناك خطط لتدريب ثلاثة آلاف شرطي دفعةً أولى بديلاً من الشرطة الحالية المرفوضة (وفق الرؤية الإسرائيلية) والمحسوبة على "حماس". أما لجنة التكنوقراط، فهناك اتفاق فلسطيني ـ مصري على تشكيلها برئاسة وزير من الحكومة الفلسطينية وبمرجعية وطنية، لكن الحكومة تتردّد في تنفيذه انتظاراً لموقف "حماس" من تسليم السلاح للسلطة، رغم أنها غير مُعترَف بها، خشية مخالفة "مجلس السلام" وإسرائيل اللذين يشترطان تخلّي الحركة عن الحكم ونزع سلاحها، و"إصلاحات" سياسية واسعة قبل أيّ دور للسلطة. لهذه الأسباب تراهن إسرائيل على فشل تطبيق القرار، حتى تواصل حربها، وتعتمد على مليشيات محلية عميلة، وتتصرّف وكأن القرار غير موجود.
لا يكفي أن ترحّب السلطة الفلسطينية بالقرار وأن تعارضه "حماس" وفصائل أخرى، بل يمكن الاستفادة من تباين المواقف لتوظيفه في ربط موضوع نزع السلاح بالتقدّم نحو مسار موثوق لإقامة الدولة الفلسطينية. أما غياب التوافق، فيُنذر بنجاح المخطط المعادي وبتعميق الانقسام وتعميمه، وربّما الانزلاق إلى صدامٍ مسلّح. الخيار الفلسطيني اليوم ليس بين سيناريو جيّد وآخر سيئ، بل بين السيئ والأسوأ. فالمطلوب تقليل الخسائر وتجنّب الصدام مع المجتمع الدولي، خصوصاً أن القرار يحظى بتأييد عربي وإسلامي ودولي واسع، رغم اختلاف دوافع الدول المؤيّدة. هناك معسكر دولي يريد القرار خطوةً نحو دولة فلسطينية ووقف الحرب والانسحاب وإعادة الإعمار ووقف التهجير، خلافاً لفريق آخر قوامه نهج نتنياهو المدعوم أميركياً، الذي يسعى إلى التهجير ومنع قيام دولة فلسطينية، لأنها تشكّل خطراً وجودياً كما ترى الحكومة الإسرائيلية والمعارضة.
أسوأ ما يمكن أن يحدث هو فشل تطبيق القرار، من دون توفر بديل أفضل منه، لأنه يعني استمرار الحرب وربّما توسعها. وقد يكون نجاح تطبيق القرار على مساوئه أقلّ السيناريوهات سوءاً، لكنّه يتطلّب توافقاً فلسطينياً ترافقه تنازلات مؤلمة رغم عدم وجود ضمانات كافية بالتزام إسرائيل بوقف الحرب والانسحاب ودخول المساعدات والإعمار ومنع التهجير والانخراط في مسار سياسي موثوق. النهاية المرجّحة هنا، إذا لم تحدث تطوّرات غير متوقّعة: حلّ سياسي يتضمّن أقلّ من دولة وأكثر من حكم ذاتي، مع منح بعض المظاهر السيادية في غزّة، وربط المعازل المنفصلة عن بعضها بعضاً في الضفة الغربية، أيّ نسخة معدّلة من "أوسلو".
لو توافق الفلسطينيون على هدف إنهاء الاحتلال وتجسيد الاستقلال، وفعّلوا الإطار القيادي لمنظّمة التحرير، أو شكّلوا حكومةَ وفاق أو لجنة إسناد، أو حتى حمّلوا السلطة المسؤولية كاملة مع ضمان التعدّدية والالتزام بالانتخابات وتنظيم السلاح، لكان ذلك أقوى من الانقسام الذي يضيّع كل شيء، والوحدة أو حتى الوفاق على سقف منخفض أفضل من انقسام في ظلّ سقوف منخفضة جدّاً أو مرتفعة جداً. صحيح أن إسرائيل تعرّت أخلاقياً وسياسياً بعد عامَيْن من الحرب، وتدهورت مكانتها الاستراتيجية، حتى باتت أقرب إلى محمية أميركية، لكن ينبغي التمييز بين قوتها الحالية (السياسية والعسكرية والاقتصادية) وبين مستقبل هذه القوة الذي لا ضمانة له، إذ إن استمرارها قوةً استعماريةً عنصريةً معاديةً لشعوب وبلدان المنطقة وعنصرَ عدم استقرار، والحرب المستمرّة تهدّد أمنها، بل وجودها في المستقبل، سيحوّلها (مع الوقت) أكثر فأكثر عبئاً استراتيجياً على داعميها.
القول بعدم إمكانية التوافق بين "فريقي المقاومة والمساومة" يعمّق الانقسام ويتجاهل أن سقف الحوار الفلسطيني الداخلي انخفض كثيراً في ظلّ الاختلال الفادح في ميزان القوى؛ لأن التضامن الشعبي الكاسح مع القضية الفلسطينية لم ينعكس على أرض الصراع، فهناك يُحسم وترسم خرائطه. ورغم الأخطاء الفادحة للقيادة المتنفّذة في السلطة والمنظّمة وتنازلاتها الكبيرة، واعتمادها استراتيجية البقاء لنفسها قبل أيّ شيء آخر، وعدم تجاوبها مع مبادرات الوحدة، فإن المشروع الصهيوني يستهدف جميع الفلسطينيين من دون استثناء، حتى المتعاونين منهم، كما يظهر بسياسة تقويض السلطة والدعوات إلى حلّها واعتقال رئيسها لأنه يمارس "إرهاباً دبلوماسياً"، بينما المقاومة تمارس "إرهاباً عسكرياً". فشروط "الإصلاح" الإسرائيلية الموضوعة على السلطة وفي تجاهل تامّ للمنظمة وكأنها غير موجودة (من تغيير المناهج ووقف التحريض الإعلامي، ووقف التدويل وملاحقة إسرائيل في المؤسّسات والمحاكم الدولية، وعدم السعي لاعتراف الدول بالدولة الفلسطينية، وتصفية مرتكزات الهُويَّة والرواية الفلسطينية، إلى المطالبة بالتخلّي عن حقّ العودة، ووقف رواتب الأسرى وعائلات الشهداء، والاعتراف بحقّ إسرائيل في الوجود دولةً للشعب اليهودي حصراً) توضّح أن إسرائيل تعادي مجرّد وجود هُويَّة وطنية فلسطينية موحّدة، وأنها لا تميّز كثيراً بين المعتدلين والمتطرّفين، فتتعامل مع الفلسطينيين أفراداً لا شعباً، عليهم أن يختاروا بين الهجرة أو العبودية أو الموت.

 التحولات الاستراتيجية الكبرى لا تأتي من الأمنيات، بل من نضج مقوّمات التغيير

ورغم تخاذل القيادة المتنفّذة وتعاون السلطة الأمني مع الاحتلال وتبعيتها الاقتصادية وقبولها بالتكيّف مع السقف الأمني الاقتصادي لعلاقة الاحتلال معها، فإن حركة فتح (عمود السلطة والمنظمة) لا تزال ركناً أساسياً في الحركة الوطنية، ولا يمكن شطبها، خاصة مع رمزية قيادات مثل مروان البرغوثي، القادرة (كما يعترف معظم الفلسطينيين من فريقَي المقاومة والمساومة) على إعادة إحياء الوحدة الوطنية، وإذا نفّذت السلطة المطلوب منها تُخرِج نفسها من الصفّ الوطني، وعندها تجوز الدعوات لتجاوزها وإسقاطها.
التخوين سهل، والتكفير كذلك، لكن نتائجهما وخيمة جدّاً. والوحدة الوطنية التي تضمّ مختلف الطبقات والاتجاهات والأفراد باستثناء العملاء، كما أثبتت تجارب حركات التحرّر من الجزائر إلى فيتنام وجنوب أفريقيا وتجربة الشعب الفلسطيني نفسه، هي شرط الانتصار. وإذا تعذّرت من أعلى إلى أسفل، فلتبدأ من القاعدة الشعبية صعوداً، على أساس برنامج حدّ أدنى، وليس حدّاً أقصى. وعدم الوحدة لا يمنع أحداً من تقديم نموذج بالوعي والممارسة يشكّل بديلاً يمكن أن تحتذي به مختلف القوى والحراكات.
التغيير الجذري ضروري وملحّ، ولكنّه بحاجة إلى قيادة وفكرة وبرنامج، وجبهة وطنية واسعة، وتأييد جماهيري واضح واسع، وكفاح متعدّد الأشكال يسعى إلى تحقيق الانتصار، وليس فقط إلى إبقاء جذوة المقاومة مشتعلة، وإلى بيئة استراتيجية عربية وإقليمية ودولية ملائمة، لا لخطابات إعلامية وشعارات ثورية حماسية تؤجّج الاحتقان الداخلي. وتجارب التاريخ (من هزيمة 1967 التي غيّرت موقف جمال عبد الناصر والأنظمة العربية من التشكيك بالثورة الفلسطينية إلى دعمها، إلى معركة الكرامة 1968 التي كانت الانطلاقة الثانية الكبرى للثورة الفلسطينية وأدت إلى تأييد الأغلبية الكاسحة لها، ما فتح أبواب التغيير في قيادة منظمة التحرير، إلى حرب اكتوبر1973 التي أدّت نتائجها، وتحديداً معاهدة السلام المصرية ـ الإسرائيلية، إلى فتح طريق المفاوضات والتسوية التي انتهت بـ"أوسلو"، وما نحن فيه) تؤكّد أن التحولات الاستراتيجية الكبرى تأتي من نضج مقوّمات التغيير الذاتية والموضوعية وحدوث متغيّرات كبرى، حصلت أو في طريقها المؤكّد إلى الحصول، ومن قراءة دقيقة للواقع وإمكاناته واحتمالاته، لا من الأمنيات وإسقاطها على الواقع.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...