متى سنلغي الامتحان في كليات الاعلام بالجامعات ؟د . بسام عويضة

اولاً ، علينا ان نتفق على مسألة واحدة وهي في غاية الاهمية : ان دراسة الاعلام هي دراسة تنويرية ابداعية وليست ميكانيكية او تحصيل حاصل مثل دار ابو سفيان ( من دخلها فهو امن ) .
دراسة الاعلام تعني انخراط الطالب انخراطاً عملياً في الاعلام وملامسة هذه الدراسة للواقع المجتمعي ، غير ذلك تعني انها كدراسة التاريخ او الجغرافيا وليس اعلام واقعي .
اذا سلمنا بهذا الامر فهذا يعني ، أن الاعلام دراسة ابداعية وعليه فان المقياس الذي يقيم به الطالب ليس العلامة وانما ابداعه ووعيه .
الامتحان قد ينطبق على دراسة علوم اخرى كالرياضيات والفيزياء ولكن ليس على الاعلام .
هذا الامر الخطير تنبه له عميد الادب العربي عام 1925 طة حسين عندما كتب مقالاً قال فيه : ( الامتحان يدمر اخلاق الطالب على الصعيدين الاكاديمي والسياسي ) .
اولاً : دعونا نستعرض بلغة الارقام الفارق الهائل في المعرفة بين الوطن العربي والغرب على الرغم من وجود الالآف المدارس والجامعات في بلادنا لكي نعرف اهمية ما سبق :
معدل قراءة الانسان الغربي سنوياً 200 ساعة مقابل 6 دقائق عند الانسان العربي ، في حين بلغ عدد الابحاث العلمية المحكمة 11 لكل 10 الالاف من السكان في العالم الغربي مقابل ثلث بحث في العالم العربي .
عدد براءات الاختراع العربية بين 1900 - 2000 ( 300 ) براءة اختراع ، في حين بلغت في اسرائيل( 7652)وفي كوريا 16328
في اوروبا عدد الذين يقرأون الصحيفة لكل 1000 من السكان 285 صحيفة يوميا مقابل 53 صحيفة في العالم العربي .
انفاق الجامعة في الوطن العربي على الطالب 2400 دولار سنوياً مقابل 14200 دولار في اسبانيا التي تترجم عدد الدول العربية مجتمعة .
العرب يشكلون 6 % من نسبة سكان العالم بينما يشاركون في 1. 1 في صناعة الكتاب سنويا على المستوى العالمي .
واخيرا انفق العرب لغاية الان على التكنولوجيا المعلبة 1000 مليار ، ( المصدر سلسلة عالم المعرفة ) .
والآن دعونا نطرح السؤال التالي : اين الخلل ،ولماذا ؟
في اعتقادي يكمن الخلل في التعليم اداة ومضمون .
مثلاً ، اتساءل احياناً مافائدة ان ُيعقد امتحان لطالب الاعلام لكي يجيب فيه على اسئلة مثل عدد او اذكر او عرف او اكمل الفراغ التالي او ضع صح وخطأ او دائرة حول الاجابة الصحيحة .
لماذا لا يكون الامتحان على شكل غرفة تحرير يكتب فيها الطالب نشرة اخبار او تقرير او اجراء مقابلة صحيفة او اذاعية او يقوم بعمل تحقيق او قصة اذاعية وهكذا دواليك لكي ترتبط الجامعة بالمجتمع ويتخرج الطالب حينها مبدعاً وناقداً في آن معاً ؟
عندما تقول لطالب الاعلام عدد او اذكر ، يعني ذلك : انك حولته من حيث لا تدري الى انسان يبصم ويحفظ ولا يفهم ما يدور حوله ، يعني : تعليم بصمي مثله مثل التوجهي وهذا مغاير تماماً للتعليم النقدي المبني على النقد والمشاركة والابداع وملامسة الحياة الواقعية وتشجيع النقاش الجماعي وتقبل الرأي والرأي الآخر وايجاد حلول علمية وحقيقية لمشاكلنا المعاضرة .
رب أحد يسأل : كيف يقيم الطالب في الجامعات الاوروبية ؟
من خلال دراستي التي امتدت عشر سنوات في المانيا كان الطالب يقيم في الجامعة التي درست فيها من شقين : عرض يلقيه الطالب امام الطلاب وبحث علمي يسلمه في نهاية الفصل الدراسي ، اما العلامة فقد كانت توزع على النحو التالي : 1 وتعني ممتاز ، 2 وتعني جيدجداً ، 3 وتعني جيد ، 4 وتعني مقبول ، 5 وتعني راسب .
استغرب احياناً بأن يحصل الطالب الجامعي على علامة 69 % وبالتالي تقف علامة واحدة امام تخصص الطالب لكي يلتحق بدائرة الاعلام ، وهذا في اعتقدي مخالف جدا للعقل العلمي لان علامة واحدة لا تعني ان الطالب يستحق دخول قسم الاعلام ام لا ، بينما دخول التخصص يجب ان يكون على اساس الابداع .
آخر نقطة اود التركيز عليه وهي : ان القسم الاكبر من طلابنا الذين يتخرجون من الجامعة يتخرجون وهم في سن مبكرة جدا ، في احيانا كثيرة يكون عمر الطالب 20 او 21 عاما وهذا ُيعتبر كارثة بحد ذاته لسبب بسيط وهو :
هناك علاقة مباشرة بين الوعي والسن . بمعنى آخر : ان الطالب يسعى جاهداً الى سياسة حرق المراحل .
الزمن مهم جدا لان الانسان يتعلم من خلاله التجارب ويتصل مع اكبر عدد ممكن من الناس ، الا ان الكثير من الطلاب يشعرون ان الجامعة تعتبر حمل ثقيل عليهم ولا بد من التخلص من هذا الحمل في اسرع وقت ممكن .
أعذر طلابنا أحياناً لانهم يسرعون في الدراسة بسبب الوضع الاقتصادي والسياسي في بلادنا ولكن لا بد من الاعتراف بان ذلك يعتبر في غاية الخطورة :
ان حرق المراحل لا يفجر البذرة او الطاقة الكامنة عند الطالب بل يبقيه كما هو وكأنه التحق بالجامعة فقط منذ يوم أمس ، لم يتغير ابداعياً او عقلياً او سلوكياً بل أصبح رقماً جديداً أضيف الى اعداد العاطلين عن العمل .
المصدر : وكالات