الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:52 AM
الظهر 12:38 PM
العصر 4:14 PM
المغرب 7:06 PM
العشاء 8:24 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

اللامساواة وتشويه النفس الاجتماعية

الكاتب: د. علي محمد فخرو

رايه نيوز: في كتابهما 'مستوى الروح، لماذا المساواة أفضل للجميع' يبيُّن الكاتبان ريتشارد ولكنسون وكيت بيكيت العلاقة الحميمة بين مدى انتشار عدم العدالة في توزيع الثروة في المجتمعات وبين مدى انتشار العلل الصحية والنفسية والاجتماعية في تلك المجتمعات. في المجتمعات التي تتّسع الهوة فيها بين الأغنياء والفقراء يتراجع فيها معدّل عمر الإنسان بحوالي عشر سنوات وترتفع فيها نسبة الأمراض النفسية وعلى الأخص القلق والكآبة وتنتشر فيها التشوُّهات الاجتماعية من مثل ظواهر العنف والجريمة والإدمان والانتحار وضعف الحراك الاجتماعي وضعف ثقة الناس في بعضهم البعض.
لا يهم أن تكون تلك المجتمعات من العالم الأول المتقدم أو أن تكون من العالم الثالث المتخلف، ولا يهم أن يكون معدّل دخل الفرد أربعين ألف دولار أو لا يزيد عن العشرة آلاف دولار. فالقضية الأساسية التي يطرحها الكاتبان هي الترابط الوثيق بين ظاهرة عدم المساواة في المجتمعات وبين ظاهرة انتشار تلك العلل والأمراض والتشوّهات. أما السبب فيكمن في أن اتساع الهوة بين المداخيل في المجتمعات يؤدًي إلى قلقلة وإضعاف ما يسمّيه الكاتبان 'النفس الاجتماعية'، وهي النفس التي تحيا وتنتعش بحصول الإنسان على مستوى معقول من حاجاته المادية، وعلى شعوره بقيمته الشخصية المساوية للآخرين، وعلى عدم شعوره بالنّقص أمام الآخرين. وهذه كلها بالطبع مرتبطة بمستوى دخل الفرد مقارنة بدخل الآخرين، وبعدم شعور الفرد بأن مسكنه ومدرسته التي يتعلم فيها ومركزه الصحّي الذي يعالج فيه وناديه الرياضي الذي ينتمي إليه وأماكن رفاهيته التي يرتادها هي جميعاً في مستوى الحضيض المذل الهادر لكرامة الإنسان.
منذ قرون طويلة عرف الفلاسفة والمصلحون وعرفت الديانات مشكلة اللامساواة البشرية، وهذه الدراسة تعزّز وجود نتائجها الكارثية على الفرد والجماعة. ويوم طرحت الثورة الفرنسية شعاراتها الثلاثة، الحرية والأخوة والمساواة، كان جلياً بأنه بدون المساواة سيصبح شعار الحرية وشعار الأخوة كلمتين عاجزتين وفارغتين من أي محتوى قادر على الفعل في الواقع وتغييـره.
مناسبة إبراز نتائج تلك الدراسات الاجتماعية، العاكسة نفسها على السياسة بقوة، هي ما سمعناه وما نسمعه من تفاخر بين دول البترول العربية وكبار القوم فيها بشأن معدّلات دخل الفرد في هذه الدول. ويعتقد هؤلاء، وتردّده أبواقهم الإعلامية صباح مساء، بأنه يكفي أن يقوم وزراء المالية بقسمة دخل البترول على عدد السكان ويخرجوا نتائج مذهلة لمعدّلات دخل الأفراد حتى يصبحوا في عداد بلدان التقدم أو العدالة أو التنمية أو مجتمعات الرفاهية. والواقع أن هذه قسمة ضيزى، فمعدّل دخل الفرد، دون وجود توزيع عادل للثروة، لا يمثل ضمانة لمجتمع سليم متعاف.
يستطيع الإنسان أن يخمّن بأن ظواهر العلل والأمراض والتشوُّهات، عند الأفراد وفي المجتمعات، التي يعرضها الكاتبان متفشّية في بلدان اليسر العربية. وفي جميع الأحوال فإنها تحتاج لمن يدرسها. لكن عدم عدالة توزيع الثروة باد كالشمس الساطعة: قصور وبيوت إسكان متواضعة، تعليم خاص مكلف واستقلالي وتعليم عام يتراجع، مستشفيات خاصة باهظة التكاليف وخدمات حكومية مزدحمة، حياة بذخ أسطورية وحياة كفاف مخجلة، علية قوم يستأثرون بكل رموز الوجاهة والقوة والاحترام وجماعات مسحوقة في أسفل السلّم الاجتماعي تشعر بالنّقص والهوان.
الدولة الرعوية البترولية توزّع المغانم على أسس لا تمتًّ بصلة للإنتاج والكفاءة والجهد، وإنما على أسس الولاءات والاستزلام والقرابات العائلية والقبلية والمذهبية. والنتيجة أن مجموعة صغيرة تشعر بالثقة التامة في نفسها ومكانتها، بينما تبقى مجموعة كبيرة كسيرة النفس الاجتماعية بما تأتي به من علل ومصائب.
عدم المساواة يقود إلى مكانة اجتماعية متدنّية، وهذه بدورها تلد كل التشوهات التي ذكرنا، فليراجع المسؤولون في بلدان البترول حساباتهم ومفاهيمهم، ذلك أن اللامساواة هي رديف الظلم، بينما أن المساواة هي رديف العدالة. من هنا أصبحت قضية اللامساواة في توزيع الثروة إحدى أهم القضايا التي تطرح بقوة في عصر العولمة الذي نعيشه، وهي مرشحة أن تغيّر الفكر السياسي في العالم.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...