هل تنجح سلطة المياه الفلسطينية في حل الأزمة لوحدها؟!!
الكاتب: صلاح عبد ربه
رايه نيوز: منذ مطلع تموز الحالي وعلى مدار أسبوعين كاملين والدكتور شداد العتيلي رئيس سلطة المياه الفلسطينية يواصل لقاءاته المختلفة واجتماعاته المتعددة من قلب محافظة الخليل، ويستنفر أركان سلطته من مدراء ومهندسين وفنيين ومستشارين لتصويب الاوضاع المائية في المحافظة، وليعلن على الملأ بالحقائق والارقام، أن ما يشاع عن وجود أزمة للمياه في المحافظة ليس مصدره وسببه قلة المياه، إنما مصدره وسببه التعديات الكبيرة على شبكات المياه من قبل مجموعة من الافراد الذين امتهنوا ذلك ومن قبل مجموعة من الهيئات المحلية التي تواطئت مع ذلك، وبيعها المياه عبر الصهاريج المرتفعة الاسعار، لصالح فئات محددة لتعود جبايتها لصالح صناديقها المحلية الخاصة.
وبالطبع لم ينس شداّد في معرض تشخيصه للأزمة مسؤولية الاحتلال الأساسية وسياسته المسيطرة على آبار المياه الفلسطينية والتي يذهب انتاجها لصالح المستوطنات.
وعلى مدار أسبوعين من حملة شداّد وعبر لقاءاته مع وزير الداخلية والزراعة والحكم المحلي ومع ممثلي البلديات والهيئات المحلية ومع قادة الأجهزة الأمنية ومع وكلاء النيابة والقضاء ومع وسائل الاعلام المختلفة وعبر اللقاءات الصحفية ومقابلات التلفزة، أعلن شداّد حقائق مذهلة وأرقاماً مخيفة لها تأثيرات وتداعيات خطيرة على مستقبل شعبنا واجيالنا القادمة سواءً فيما يتعلق بسياسة الاسرائيليين حول المياه في المناطق المحتلة أو سياسة المعتدين على هذه السلعة والثروة الوطنية لصالح اجندات خاصة، فلنتصور مستقبل هذه الأزمة الطاحنة عندما نعرف أن نسبة المياه المفقودة في محافظة الخليل تصل إلى 50%، أي وبالارقام خمسة أضعاف ما يسمح له بالفاقد من المياه في أية مدينة عربية أو أية مدينة في أية دولة نامية.
ولنعلم جيداً أن هذه النسبة من المياه المفقودة مدفوع ثمنها مسبقاً من ميزانية السلطة الوطنية الفلسطينية، فالمياه المشتراة من الأسرائيليين عبر خطوط نقل مياه اسرائيلية عليها عدادات مياه عبر دخولها ما يسمى بالخط الأخضر، وتسجل شركة موكوروت الاسرائيلية أرقام هذه العدادات شهرياً وبعد خصم ما تستهلكه المستوطنات المقامة على الأراضي المحتلة، تدفع سلطة المياه أثمان ما تبقى.
والمأساة أن المواطنين في الخليل أو غيرها لا يعلمون مثل هذه الحقائق، فعندما صادف شداّد أثناء جولته الميدانية أصحاب أحد الصهاريج وهو يقوم بتعبئة المياه من أحد الخطوط داخل منطقة (ج) في الخليل أجابه صاحب الصهريج: بأن هذه الخطوط لليهود ولشركة موكوروت وبدا عليه وكأنه يزهو بذلك ويقوم بعمل وطني!!!!
ولنتصور ثانياً حجم هذه الأزمة المائية مستقبلاً عندما نعلم إن اتفاقية أوسلو حول المياه قد وضعت محددات لا يقبل بها عقل، وشروطاً خالية من أي منطق لقطع الطريق على بناء دولة فلسطينية مستقلة ومتحررة من أي تبعية، إلا إذا كان المفاوض الاسرائيلي يتعامل على أساس أننا مزرعة أبقار تابعة له، أو حديقة خلفية يرويها ويعطشها كما يشاء، فصاحب مزرعة للأبقار جنوب مدينة الخليل ( فيها 1500 رأس بثر) يقول لشداّد: إن كل بقرة هنا تحتاج إلى 250 لتر من المياه يومياً وأن خط المياه القريب منا، يوصل المياه إلى مستوطنة حجاي، ويمنعنا الاسرائيليون من توصيل خط مياه إلى المزرعة، ونعتمد على مياه الصهاريج وبأسعار عالية حتى نضمن للأبقار مياه شرب وافرة، ويوجد ثلاث مزارع أبقار في نفس المنطقة، بالاضافة إلى مصنع الحديد المجاور لصهر المواد الخام وتصنيع الحديد وهو مصنع فريد من نوعه ربما في المنطقة، ويقول مدير المصنع: لقد زارنا د.سلام فياض، ووعدنا بتمديد خط مياه إلى المصنع ومزارع الأبقار المجاورة ولكن ذلك لم يحدث، ونحن مضطرون للاعتماد على السوق السوداء التي يديرها أصحاب الصهاريج، وتصلنا المياه بأسعار عالية، ولولا وجود هذا المصنع ومزارع الأبقار لتمددت مستوطنة حجاي إلى الأراضي وابتلعتها.
ويقول شداّد في معرض تشخيصه لهذا الوضع وبمنتهى الوضوح: أن الاسرائيليين يمنعوننا من حفر آبار جديدة في مناطقنا، وربما يحتاج ذلك إلى تدخل دولي، وحتى بناء خزان جديد من الباطون، أو تغيير حتى شبكات مياه قديمة، وأن اللجنة الفنية المشتركة مع الجانب الاسرائيلي حول المياه ترفض إعطاء تصريح لإحضار مضخة مياه عمودية مما يؤثر على تواصل انتاج آبارنا العاملة ويقول بمنتهى الصراحة: " إن الاتفاقية المعمول بها عبر اتفاق أوسلو، اتفاقية خانقة للشعب الفلسطيني، ولا يستطيع من يعمل من خلالها أن يتنفس أبداً".
أعتقد هنا ان ما يقوله شداّد هو مهم وجوهري حول اجحاف الاتفاقية بحقوق المياه، وخاصة عندما يصدر عن رجل يعايش الواقع يومياً ويغوص في تفاصيله، وهذا جرس إنذار مبكر يدقه الرجل قبل فوات الأوان، ويحذر من مخاطره، فالناس قد يتعايشون مع الاحتلال ويقاومونه، وقد يتعايشون من الفقر ويتكيفون معه، لكنهم لا يستطيعون الإستغناء عن المياه باعتبارها أساس كل شيء حي.
إن المياه واحدة من قضايا الحل النهائي، ولكن لما كان الحل النهائي بعيد المنال كما يريده الاسرائيليون من جراء سياساتهم، فما هو الحل أمامنا؟!! إن الحل يكمن في طرح قضية المياه أمام الهيئات والمؤسسات الدولية، واعتبارها مطلب حقوقي ومدني وانساني، فليس من المعقول الانتظار إلا ما لا نهاية، وعلى السلطة الفلسطينية أن تفكر بذلك جدياً والضغط على الاسرائيليين بكل الطرق لإفهامهم إن ما منحه الله للبشر وجعله أساس الحياة، لا يمكن أن يكون احتكاراً للاحتلال، وعلينا إثارة المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الانسان لضمان مياه الشعب الفلسطيني على أراضيه واعادتها اليه واستثمارها بما يخدم مصالحه وأهدافه.
ولنتصور حجم المشكلة ومدى تأثيرها على واقع المياه في مستقبلنا السياسي والاقتصادي والاجتماعي والعمراني، وحول مستقبل تطورنا، باعتبار المياه ووفرتها ووجودها أساساً موضوعياً للتطور، وسأورد هنا رقمين غير متكافئين في هذه المعادلة الصعبة والقاسية، في العام الفائت عام 2009 ومن تقرير عن الانتاج والمشتريات صادر عن سلطة المياه الفلسطينية لقد وصل صافي المشتريات الفلسطينية من المياه من شركة موكوروت الاسرائيلية 46.5 مليون متر مكعب سنوياً، بينما انتجت الآبار الفلسطينية 11,151,000 متر مكعب من الياه، إن هذا معناه في علم الاقتصاد السياسي وفي ظل السياسات الاسرائيلية المتبعة، تبعية كاملة للاحتلال، وحداً فاصلاً لكل تطور اجتماعي واقتصادي وإذا ما بقيت المعادلة كما هي عليه الأن، وإذا لم تنجز سياسات فلسطينية جادة ودؤوبة لتغيير هذا الوضع، فان الحديث عن إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعتيدة يعتبر رجماً في الغيب وأحلاماً لا واقع موضوعي لتحقيقها.
لذلك فمن المهم جداً في هذه المعالجة السريعة لواقع الأزمة، أن لا تترك سلطة المياه الفلسطينية لوحدها في الميدان، وأن لا يترك شداّد لوحده في المواجهة، فهذه الأزمة وتداعياتها وتأثيراتها هي أزمة وطنية فلسطينية بامتياز، وعلى الدولة إبتداءً من الرئاسة ورئاسة مجلس الوزراء والوزراء والهيئات والمؤسسات الوطنية والفعاليات والقوى أن توليها اهتماماً خاصاً ونوعياً، وعلى شعبنا أن يقوم بمسؤولياته الوطنية والأخلاقية وأن يسهم في حلها، كما ساهم في حل أزمات عديدة وتجاوزها عبر نضاله الوطني والسياسي.
لقد ورثت سلطة المياه الفلسطينية إتفاقية مياه مجحفة منذ سبعة عشر عاماً، صاغها حينها ميزان قوى ظالم، ورغم الجهد المميز الذي بذلته هذه السلطة وتوفير أموال لبناء مشاريع مائية عبر المنظمات والدول الممولة والمانحة، إلا أن هذا الجهد لم يتحول إلى شكل ملموس، لسبب واحد بسيط أن مصادر المياه ما زالت بيد الاسرائيليين، فما فائدة تمديد شبكة مياه لقرية نائية أو إقامة خزان للمياه يتسع لخمسة آلاف متر مكعب دون تأمين مصدر مياه له، يكون تحت سيطرتك!!! وحتى لو قمنا بشراء هذه المياه من اسرائيل، فهم يبيعوننا بشروطهم وتوقيتهم وبالكمية التي يحددونها وليس بالكمية التي نطلبها وتلبي احتياجتنا ورغباتنا.
وإنهم يدركون أن المياه تعني التطور، وهم يريدون احتجاز هذا التطور وأن المياه تعني الصناعة والزراعة، وهم يريدون أرضنا سوقاً لهم، وأن فلوسنا يجب أن تذهب أخر النهار لجيوبهم واقتصادهم، وهكذا هم المستعمرون نسخة واحدة تتكرر مع كل الشعوب والبلدان.
وهناك محور أخر وهام يسهم في هذه الأزمة يقول شداّد في معرض تشخيصه لواقع الآبار الفلسطينية وسلطة المياه الفلسطينية إدارياً وفنياً ومالياً: " إن هناك ثلاثة آبار ارتوازية في منطقة الجنوب معطلة، وإن عملية إصلاحها تحتاج إلى عطاءات وهذا يحتاج إلى الوقت، كما أن السلطة لا تملك أموالاً مباشرة تحت ايديها، باعتبارها مؤسسة حكومية تخضع لاجراءات مالية معقدة، وهذا يضاعف من حجم الصعوبات"، ورأيي هنا أن سلطة المياه الفلسطينية ودائرة مياه الضفة الغربية ( ذراع الصيانة والتشغيل والتوزيع فيها)، وباعتبارها منتجة للمياه من خلال حفر وتشغيل وصيانة الآبار الارتوازية، إن هذه المؤسسة بحاجة إلى قوانين خاصة بها وصلاحيات معطاة للقائمين عليها طالما تتوفر فيهم المسؤولية والثقة والنزاهة، وعلى مجلس الوزراء أن يولي هذا الاقتراح الاهتمام والدراسة والمتابعة، فليس من المعقول عندما يتعطل بئر نتيجة خلل ما أن نبقى ننتظر أشهراً عديدة لاجراءات بيروقراطية معقدة لشراء مضخة جديدة!! فمن المنطق أن تكون للآبار قطع غيار موجودة وبحوزتنا لمعالجة كل خلل طارئ في الوقت السريع.
كما أنه يجب أن يكون خصوصية للعاملين فيها من حيث الرواتب والمكافئات والتأمين وعلاوات الخطر، بل أطالب بأن يعامل هؤلاء كأفراد أجهزة الأمن في الدولة، على اعتبار أن سلطة المياه هي سلعة أمنية لها علاقة بالبعدين الوطني والأمني.
وأخيراً واسهاماً مني في التخفيف من أثار هذه الأزمة المستحكمة، وربما القضاء عليها مستقبلاً فإنني أقدم هذه الاقتراحات إلى أعلى المستويات السياسية الرسمية والاهلية، وأخص بالذكر فخامة رئيس دولة فلسطين محود عباس، ومعالي رئيس الوزراء الفلسطيني د. سلام فياض وحكومته.
1. إثارة وطرح مسألة المياه على أعلى المستويات الدولية وهيئاتها السياسية والقانونية والانسانية، والضغط على الجانب الاسرائيلي من أجل تعديل البنود الخاصة بمسألة المياه كما وردت في الاتفاقيات الموقعة.
2. ربط مصطلح المياه بمفهوم الأمن بثقافتنا السياسية والوطنية وبكل ما يعنبه ذلك من دلالات ومعاني سياسية وقانونية على اعتبار أن المياه مقوم أساسي من مقومات وجود الشعب والدولة ومقّوم مهم من مقومات الاستقلال والتطور الاجتماعي والاقتصادي وهي سلعة وطنية وقومية لا يجوز العبث بها، وهي حق من حقوق الاجيال القادمة.
3. تحويل دائرة مياه الضفة الغربية إلى مصلحة مياه وطنية وتكريس شخصيتها الوطنية والاعتبارية واستقلاليتها المالية والادارية.
4. تفكيك العلاقات البيروقراطية والاجراءات المعقدة ما بين سلطة المياه الفلسطينية من جهة والوزرات الحكومية ذات الصلة بالصرف والتمويل والرقابة، وابتكار أليات جديدة لضمان مراقبة الحكومة على سلطة المياه، من أجل الحد من الاجراءات المعيقة والمقيدة، وتسهيل العمل واتخاذات الاجراءات بدون قيود باعتبار أن المشاريع المائية التي تديرها السلطة لا تحتمل التسويف واضاعة الوقت.
5. الدعم الحكومي معنوياً وقانونياً ومالياً لخطة سلطة المياه الفلسطينية ولاجراءاتها للتخفيف من الأزمة وطرق معالجتها من حيث العدالة في التوزيع على المواطنيين دون تميز وضرورة ايصال حصة مياه يومية كميتها 86 لتر لكل مواطن يومياً، وعدم تحويل الهيئات المحلية والبلدية إلى مقاولين لبيع المياه بالصهاريج، وإغلاق كافة الوصلات غير المشروعة، وإيقاف نظام الصهاريج الحالي وتحديد نقاط بيع رسمية للمياه تحت اشراف سلطة المياه، بصهاريج رسمية ومرخصة ونقل المياه بسعر 120 شاقل للصهريج، وليس بالسعر المعمول به الان.
6. محاسبة كافة مجالس السلطات والهيئات المحلية التي لا تطبق خطة سلطة المياه الفلسطينية وتقديمها للقضاء، وتعيين مجالس محلية بدلاً منها لحين انتخابات مجالس بلدية، وضرورة تطبيق هذه الاجرءات من قبل وزارة الحكم المحلي في كل محافظة وبالتنسيق مع سلطة المياه الفلسطينية.
7. تشكيل محاكم خاصة ذات طابع أمني واستثنائي وتنصيب قضاة عليها في كل محافظة للنظر في الشكاوي المرفوعة على المعتدين والمتطاولين، ومحاكمتهم وتنفيذ الاحكام الصادرة بحقهم.
8. وقف كافة الوساطات والتدخلات في شأن هذه المحاكم، ومساءلة ومحاسبة كل من يثبت تدخله في شأنها، مهما كان موقعه ومهما كانت سلطته، وضرورة تطبيق هذه الاجراءات من قبل وزارة الداخلية، وبإشراف المحافظين في كل المحافظات.
9. القيام بحملات وطنية ارشادية وثقافية وتعليمية في كل المناطق وببرامج اعلامية لابراز أهمية المياه وضرورة الحد من ثقافة هدر المياه وسوء استعمالها.
10. ضرورة التمايز والتباين في ثمن أسعار المياه وتحديد أسعار لمياه الشرب ومياه المزروعات ومياه المصانع ومياه الثروة الحيوانية، وضرورة وضع الفارق في هذه الاسعار في صندوق وطني خاص الهدف منه وضع هذا الفارق المالي في اقامة مشاريع مياه جديدة وتطوير الموجود منها، كما ورد في اقتراح قدمه بهذا الخصوص وزير الزراعة الفلسطيني.