الفتنة أولها تسريبات..!
الكاتب: عادل مالك
رايه نيوز: كتبنا غير مرة عن كثرة الوافدين إلى لبنان من الزعماء لتقديم الضمانات هل هي مدعاة للاطمئنان أم للقلق؟ . ومع ازدحام حركة مرور القمم العربية في بيروت من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، والرئيس بشار الأسد، وأمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني في وقت متزامن.
والواقع أن المؤشر الاستثنائي لهذا الوجود الكبير في لبنان لهو الدليل على الاهتمام العربي بما يجري، لكنه في الوقت نفسه يقدم الدليل على خطورة الوضع في لبنان ودقته، وبلوغ أزماته المرحلة الخطرة.
وكأنه أصبح مطلوباً في شكل دائم ومتجدد حاضنة عربية على مستوى القمة لاحتواء الأزمات اللبنانية المتتابعة، أو «خلية أزمة» خاصة بلبنان تعمل على مدار الساعة. والوضع المحتضن في الوقت الحاضر ينتظر نتائج الخلطة السورية - السعودية المطعمة بالنكهة القطرية للتمكن من التخلص من الأزمة القابضة على الواقع اللبناني.
ظاهر الأزمة ما سيصدر في القرار الظني عن المحكمة الدولية الخاصة بالكشف عن قتلة الرئيس رفيق الحريري، والمعلومات التي تتحدث عن توجيه الاتهامات إلى عدد من عناصر تنتمي إلى «حزب الله»، والضجة المثارة حول هذا الموضوع والتي تهدد من جديد السلم الأهلي والعيش المشترك.
والواقع أن كل ما قيل حتى الآن في هذا المجال يدخل ضمن باب التسريبات، والكثير من الآراء التي جرى التعبير عنها تدخل ضمن سيناريوات متعددة لإثارة الفتن الطائفية والمذهبية في أعقاب صدور القرار الظني للمحكمة الدولية. وكان أول «المبشرين» بتجدد الحرب الأهلية رئيس أركان الجيش الإسرائيلي غابي اشكنازي وتبعه أكثر من مصدر ينفخ في قرَب الفتن.
ولم يعد الحديث مطروحاً بصيغة السؤال: هل تقع الحرب أم لا؟ بل: متى ستقع الحرب؟ ما قبل شهر رمضان، أم خلاله، أم بعده؟ في أيلول أم في تشرين الأول ؟ والمطروح الآن العدالة مقابل مقاومة «حزب الله». وقد تحدث الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله حول استهداف المقاومة من طريق «إلصاق» التهمة بعناصر تابعة للحزب، وسيطلق عليها في القرار الظني «عناصر غير منضبطة»، الأمر الذي يراه الرئيس سعد الحريري عدم توجيه اتهام مباشر للمقاومة، فيما يرفض السيد نصرالله رفضاً قاطعاً «إلباس» عناصر غير منضبطة أو منضبطة لهذه الجريمة. ووعد نصرالله بالكشف عن المزيد من المعلومات في مؤتمرات صحافية لاحقة للكشف عن «المؤامرة التي تعد للبنان».
هنا تجب الإشارة إلي ملاحظة مهمة وتتمثل في الآتي: كلما ازداد التقارب السعودي - السوري تأثيراً وفاعلية يلاحظ تباعد الهوة بين مصر وسورية. وقد سعى الملك عبدالله بن عبدالعزيز ولا يزال لإيجاد تقارب ما بين دمشق والقاهرة، لكن لم يتم الاهتداء حتى الآن إلى صيغة تعيد العلاقات إلى سابق عهدها وحرارتها يوم كان المحور الثلاثي السعودي - المصري - السوري القابض على وضع المنطقة.
وعلى صعيد التركيبة الداخلية جرى تحويل تيار «المستقبل» برئاسة سعد الحريري إلى حزب له هياكله ومؤسساته التنظيمية. وفي هذا المجال يتساءل وليد جنبلاط: «ما الخطأ في أن تجري القوي السياسية مراجعات نقدية لخطابها وتجاربها ومواقفها في مراحل معينة، فهذه هي طبيعة العمل السياسي الذي يتطور في شكل مستمر وتتبدل ظروفه وعناصره ومعطياته، فلو استطاعت كل القوى السياسية أن تترفع بعض الشيء وتتواضع قليلاً لتجري هذه المراجعة الضرورية لانتظام الحياة السياسية والوطنية ولنبتعد جميعاً عن التكرار الببغائي لشعارات وعبارات لا طائل منها».
ويختتم بالقول: «إلى الذين ينسون أو يتناسون فلنتذكر اننا كنا نتحاور مع بعضنا بعضاً في أوج الانقسام السياسي ومرحلة التوتر الشديد، فلماذا لا نعود الى التحاور اليوم؟».
والجدير ذكره أن الأمين العام لـ «حزب الله» قد دعا أخيراً في احد مؤتمراته الصحافية فريق الرابع عشر من آذار إلى إجراء مراجعة نقدية لكل المواقف التي اتُخذت وتصويب بعضها! ويضيف وليد جنبلاط في هذا الشأن: «ان العودة إلى الهدوء والحوار هي مسؤولية جماعية كي نوفر على لبنان الانزلاق مجدداً نحو الانقسام والتوتر الطائفي والمذهبي، والقدرة على العودة إلى الحوار ممكنة إذا توافرت الإرادة السياسية لذلك».
ومثل هذه الدعوات تعطي فكرة عن حالة الاحتقان السائدة حالياً في لبنان والمخاوف التي تنطوي عليها من سقوط لبنان من جديد في الهاوية السحيقة للحرب الأهلية.
ومن كل ما تقدم والتوقف عند محطات بارزة في حال التشنج القائم في لبنان يمكن ملاحظة النقاط الرئيسة:
- كان يقال قديماً ان الحرب أولها كلام... ويقال اليوم ان الحرب أولها تسريبات صحافية وسياسية من هنا وهناك.
- حول ضرورة وجود مظلة عربية تؤمّن التغطية لمشاكل لبنان واللبنانيين يقول لنا رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان: «لقد تعود اللبنانيون على مدى ثلاثة عقود ويزيد على من يتخذ القرارات عنهم وباسمهم، وبعد انتهاء عهد الوصاية وجد اللبنانيون انفسهم وجهاً لوجه في اتخاذ القرارات الصعبة».
وهنا يطرح سؤال في منتهى الخطورة والجدية: هل نجح لبنان فعلاً في حكم نفسه بنفسه أم انه سقط في امتحان الحكم الذاتي؟
- كثر هم الذين يتداولون الحديث عن الفتنة، وقلة هم الذين يعملون فعلياً على وأد هذه الفتنة.
- ومع هذه الأجواء المشحونة يتجدد الحديث عن بعض «المصطلحات» التي سادت منذ بدايات الحروب الأهلية اللبنانية، ومن ذلك، العودة إلى استخدام تعبير «اللبننة» بالمفهوم السيّئ والمنفر وليس بالأسلوب الجامع الذي ضم اللبنانيين على اختلاف مذاهبهم وانتماءاتهم يوم كانت الصيغة اللبنانية المثال الذي يحتذى به. أما الآن، ومع الأسف، فـ «اللبننة» هي مرادفة للشرذمة والانقسام والتقسيم! تماما كـ «العرقنة»! حيث يشهد العراق موجة متجددة من التفجيرات.
- وفي الإطار الإقليمي العام وبخاصة ما يتعلق بالملف النووي الإيراني، هناك معلومات تؤكد اتجاه الأزمة نحو بعض الانحسار، بعدما بلغت الحد الاقصى من مداها، وقد صدرت خلال الساعات الأخيرة تعليقات من طهران، ومن واشنطن تتحدث عن احتمال تجدد الحوار حول الملف النووي الإيراني، وهذا الطرح ينطلق من زاوية أن ليس لدى إيران ولا لدى الغرب بدائل عملية لمواجهة الأزمة، بل إن نظام العقوبات الذي فرض على إيران لن تكون له نتائج سريعة.
ويعمل الثلاثي: إيران، تركيا، والبرازيل على تقديم طروحات جديدة لإعادة الأزمة إلى طاولة المفاوضات.
وآخر رسالة توجهت بها طهران إلى واشنطن تقول: «اننا مستعدون لاستئناف المحادثات بعد انتهاء شهر رمضان المبارك.
ولأن الغرب لا يملك الكثير من الحلول للتعاطي مع إيران في الأزمة الحالية، فهو يدرك أن العقوبات التي فرضت لن تأتي بنتائج ترغم إيران على الرضوخ للإرادة الدولية. يضاف إلى ذلك أن إيران ومع استمرار الأزمة هي ماضية في تخصيب اليورانيوم في الوقت نفسه وهذا ما يثير قلق الدول الغربية.
- وفي العودة إلى لبنان، ان حالة الورم الوطني السائدة تنذر بشر مستطير، ولا يملك أي طرف من مكونات التركيب اللبناني أي عذر لمنع انزلاق الوطن إلى شفا حرب أهلية جديدة.
فهل يعقل أن يعالج اللبنانيون نتائج حروبهم الأهلية بالتوجه إلى المزيد من الحروب الأهلية؟
سؤال من وحي المرحلة الإقليمية: هل من دلالة في هذا التوقيت بالذات للإعلان عن الانتقال بالمفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية إلى مرحلة التفاوض المباشر؟