ماذا وراء التصعيد الإسرائيلي الأخير على جنوب لبنان؟؟
الكاتب: محمد سليمان طبش
رايه نيوز: محمد سليمان طبش./من الصعب الاعتقاد والتسليم أن انفجار الوضع في منطقة العديسة بجنوب لبنان بين الجيش الإسرائيلي والجيش اللبناني جاء جراء قيام القوات الإسرائيلية بمحاولة اقتلاع شجرة محاذية للخط الأزرق الفاصل بين الجانبين وما ترتب على ذلك من حدوث اشتباك مسلح أفضى إلى سقوط ثلاثة شهداء من الجيش اللبناني وكذا مقتل ضابط إسرائيلي برتبة عقيد وإصابة آخرين احدهما إصابته خطيرة وهو برتبة نقيب ....الذي يبدو أن التصعيد الإسرائيلي للأجواء على الحدود اللبنانية تختفي خلفه أهداف أعمق من ذلك بكثير وقبل الخوض في إبراز جملة من هذه الأهداف فإننا نؤكد أولا أن هذا التصعيد يأتي في إطار مناخ إقليمي ودولي يتسم بجملة من المؤشرات التي هي في طريقها إلى التبلور والوضوح :
أولا:تتهيأ لجنة التحقيق الدولية المكلفة بمتابعة وملاحقة ملابسات اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل ,رفيق الحريري لإصدار جملة من التوصيات والاتهامات الخاصة بالجهة أو الجهات التي تقف خلف واقعة الاغتيال الخاصة بالحريري ,ولقد تسربت بعض المعلومات التي تشير بأصبع الاتهام إلى تورط بعض الشخصيات المسئولة من حزب الله في واقعة الاغتيال وهو الأمر الذي ترتب عليه خلق حالة من التوتر والحراك الداخلي في الساحة اللبنانية وهذا ما سيقود لاحقا إلى إشعال الفتنة من جديد في الوضع اللبناني.... هذا التطور هو الذي دفع العاهل السعودي والرئيس السوري وكذا أمير دولة قطر للقيام بزيارة تاريخية للبنان بهدف طمأنة اللبنانيين والمسئولين في لبنان إلى وجود مظلة عربية ضامنة وداعمة لعوامل السلم والانضباط الداخلي في لبنان طبقا لاتفاقيتي الطائف والدوحة .
ثانيا: صلابة الموقف الفلسطيني الرسمي الرافض حتى اللحظة- على الرغم من كل الضغوطات الممارسة عليه إقليميا ودوليا -ورفضه العودة إلى استئناف المفاوضات المباشرة مع الجانب الإسرائيلي وهذا قبل أن يلتزم بتنفيذ الالتزامات التي تتطلبها عملية السلام ,خاصة ما يتعلق بمرجعية المفاوضات التي يجب أن تعتمد حدود الرابع من حزيران 1967 كحدود أساسية للدولة الفلسطينية وكذا الالتزام الإسرائيلي بالتجميد الكامل للاستيطان....حكومة نتنياهو وهي تواجه صلابة الموقف الفلسطيني الذي يصر هذه المرة على عدم تضييع الوقت والدوران في الحلقة المفرغة في إطار مفاوضات عقيمة لا تستند إلى مرجعيات محددة والى سقف زمني معقول ...هذه الحكومة بالتأكيد أصبحت مكشوفة في رفضها للسلام الحقيقي ومن ثم فهي تواجه أزمات على الصعيدين الداخلي والخارجي .
في إطار هذا المناخ يأتي التصعيد العسكري الإسرائيلي الأخير في الجنوب اللبناني والذي من الممكن أن يشهد تطورات وفصول لاحقة والأهداف الحقيقية التي تختفي وراء هذا التصعيد يمكن إبراز البعض منها في إطار هذه العجالة:
أولا : جس نبض والوقوف بدقة أمام رد فعل الجيش اللبناني على التحرك العسكري الإسرائيلي داخل الحدود اللبنانية ومعرفة ما إذا كان هذا الجيش سيراقب التحرك الميداني الإسرائيلي داخل الحدود اللبنانية دون أن يحرك ساكنا أم انه سيرد على مصادر النيران, ويؤكد لأول مره, على أن الجيش اللبناني سيرد من منطلق موقف سياسي مركزي نابع من هرم السلطة السياسية اللبنانية وهذا هو الذي حدث والذي سيدفع المستوى السياسي الإسرائيلي , بعد هذه التجربة -إن صح التعبير-إلى إعادة دراسة وتقييم الوضع من جديد على ضوء أن الجيش اللبناني في إطار أي مواجهة مستقبلية على الحدود مع حزب الله سيقوم بتنفيذ كل المهام العسكرية الملقاة على عاتقه.
ثانيا:جراء هذا السلوك العسكري الإسرائيلي داخل الحدود اللبنانية يسعى الجانب الإسرائيلي إلى معرفة رد فعل أفراد حزب الله ما إذا كانوا سيخرجون من تحت الأرض ويشاركون في العمليات العسكرية أم أنهم لن يتحركوا في إطار مثل هذه العمليات المحدودة وهذا طبقا للإستراتيجية العسكرية لحزب الله والتي تنطلق من أن المشاركة في التصدي للجيش الإسرائيلي تأتي في إطار ظروفها المناسبة وهذا ما أشار إليه زعيم حزب الله في تعقيبه على التصعيد الإسرائيلي حيث قال :'إن حزب الله سيقطع اليد الإسرائيلية التي ستمتد إلى الجيش اللبناني '.
ثالثا: تسعى حكومة نتنياهو في إطار هذه الظروف-حيث الرفض الفلسطيني الرسمي للعودة إلى المفاوضات المباشرة مع الإسرائيليين قبل تنفيذ الجانب الإسرائيلي للاستحقاقات المطلوبة-إلى الهروب من هذا الواقع بافتعال أزمات ومواجهات وتصعيد الأوضاع هنا وهناك بهدف إعادة خلط الأوراق وتوجيه الرأي العام الإسرائيلي إلى حيث هذا التصعيد مع المحيط وما سيترتب على ذلك من خلق ظروف إقليمية ودولية مناسبة تعفي حكومة نتنياهو من تداعيات الضغوطات الممارسة عليه لدفع متطلبات عملية السلام....بإيجاز نقول إن التصعيد الإسرائيلي الأخير على الجنوب اللبناني وفي إطار حلقاته اللاحقة يشكل ظروفا مناسبة للحكومة الإسرائيلية للهروب إلى الأمام وتجنب دفع استحقاقات عملية السلام على الصعيد الفلسطيني .
رابعا:إن الحكومة الإسرائيلية في إطار نظرتها للمستقبل المنظور,تستبق قرارات وتوصيات واتهامات لجنة التحقيق الدولية الخاصة باغتيال الرئيس الحريري ,هي تدرك أن أصابع الاتهام ستوجه إلى جهة لبنانية داخلية ومن ثم فهي تسعى بشكل مبكر إلى فتح الجرح اللبناني قبل صدور اتهامات اللجنة الدولية للتحقيق وهذا بهدف إعادة إشعال الفتنة الداخلية بين الفرقاء اللبنانيين وحشر الأنف الإسرائيلية في اللعبة اللبنانية بما يخدم المصالح الحيوية الإسرائيلية ..
وبكلمة أخيرة نقول :إن التصعيد الإسرائيلي المحدود وفي إطار فصله الأول على الحدود اللبنانية وما أسفر عنه من خسائر وما ترتب عليه من مستجدات بالتأكيد سيدفع الجانب الإسرائيلي إلى إجراء تقييم دقيق ومعمق بهدف استخلاص الاستنتاجات المناسبة التي ستحكم وتضبط التحرك العسكري الإسرائيلي المقبل الذي يوفر لحكومة اليمين الديني الإسرائيلي الهروب من دفع استحقاقات عملية السلام وكذا محاولة خلق وقائع سياسية جديدة في المنطقة تنسجم والأهداف الإسرائيلية المعادية للحقوق الفلسطينية والعربية.