تعاونيات - القدس والاثار والتراث
الكاتب: فياض عبد الكريم فياض
رايه نيوز: الاثار, حسب القانون الاردني المعمول به في فلسطين, هو اي اثر تاريخي ثابت او منقول انشأه انسان او كونه او بناه او اكثر انتجه او عدله قبل سنة 1700 ميلادية بما في ذلك اي جزء اضيف الى ذلك الاثر او اعيد بناؤه بعد ذلك التاريخ . ومع ان فلسطين تعتبر من اهم دول العالم في مرور الحضارات عليها وتقلب التاريخ فيها ولكن على ارض الواقع فان آثارها مع الاسف قد سرقت ولم يبق منها سوى النزر لما يتوجب ان تكون معالمنا الاثرية منتشرة في كافة مدن فلسطين ومن واجب السلطة حمايتها بقوانين حتى ولو كانت استثنائية. ويعود التواجد الانساني في فلسطين الى مليون سنة, وفي فلسطين تقع اول مدينة في العالم وهي اريحا. ويتواجد في فلسطين 20 موقعا تراثياً وثقافياً وطبيعياً ذا قيمة عالمية.
اما التراث فهو ما اعتاد الناس على سلوكه او استخدامه في الحياة الاجتماعية وتسيير الامور الحياتية من زي وملابس وادوات كانت تستخدم في الحياة اليومية والطقوس والعادات التي كانت تمارس في المناسبات في الافراح والاتراح والاعراس في الايام الماضية السابقة وغير محددة بتاريخ معين.
لوح الدراس والنورج والمذراة والغربال والمنجل اصبحت من التراث بعد استقدام الحاصدة, واصبح الجرن او المهباش والمحمسة وماكنة طحن القهوة اليدوية الخشبية ايضا من التراث واصبح بكرج القهوة النحاسي من التراث. و جاروشة العدس و القمح اصبحت من التراث ومفقودة بعد ان حلت مكانها المطاحن,والطابون اصبح من التراث و حل مكانه الفرن الاوتوماتكي او طناجر الكهرباء. . . وبعد ان اصبحت هناك معاصر بجواريش وتوربينات وفرازات قدرتها العديد من الاطنان في الساعة الواحدة ,اصبح البد وحجارة البد وبرك تجميع الزيت والدرس على الحيوانات هو من التراث . . . . . ولكن قبل الانتقال من البد الى المعصرة الحديثة, فكانت هناك مرحلة انتقالية تم استخدام المعاصر الميكانيكية في فلسطين منذ بداية العشرينيات من القرن الماضي وهي ميكانيكية وتعمل على الطاقة الكهربائية المولدة ذاتيا من ماتورات خاصة بها, بقي حتى اللحظة منها ما بين 60-70 معصرة في فلسطين. هذه المعاصر من يستخدمونها يدعون ان الزيت المستخرج بواسطتها افضل مذاقا وطعما لعدم تدخل الحرارة. هذه المعاصر والتي يمكن تقسيم عملها الى ثلاث مراحل وهي اولا قسم الجرش او الطحن وهو مكون من حجارة دائرية ضخمة وزن الحجر الواحد من المحتمل ان يزيد على الطن ويكونان حجران ويدوران في داخل صحن معدني ضخم على ارضية من نفس الحجر الجرانيتي الصلب. والقسم الثاني وهو المكابس التقليدية التي تعصر الزيت من الزيتون المجروش الموجود داخل القفف , لينتقل الى القسم الثالث وهو الفرازة .
قبل زيارتي للدكتور حمدان طه في وزارة السياحة كنت اعتقد انه لا يجوز لنا مطلقا ان نعتبر ان هذه المعاصر المصنوعة في ايطاليا وهي من حجر غرانيت ايطالي ومكتوب عليها صنع في ايطاليا,لا يجوز لنا ان نعتبرها تراثا فلسطينيا وخاصة اذا كانت صناعة الحجر بعد 1950. ولكن بعد الزيارة آمنت ان المحافظة عليها يقع تحت باب التسلسل التاريخي للتطور الحضاري في فلسطين.
من حق السلطة وواجبها ايضا المحافظة على التراث لان احد مجالات الصراع مع اسرائيل سرقتهم لتراثنا والادعاء انه يعود لهم. فاسرائيل التي تروج ان الحمص والفلافل اكلات خاصة بالشعب اليهودي و تظهر الزي القروي للنساء الفلسطينيات انه تراث يهودي, واسرائيل التي حولت قصر الجزار في عكا الى متحف يروي قصة وبطولات الشعب اليهودي لتحرير فلسطين من الانتدب البريطاني وفي داخل القصر الذي حوله الانتداب البريطاني الى سجن ما زالت رائحة دم فؤاد حجازي وجمجوم تعبق وما زالت اقبية التعذيب في السجن تروي قصص ابطال فلسطين,لا يستبعد عنها بل انها تقوم بالفعل بسرقة كل ما يمت للفلسطينيين بصلة, فيجب الاحتفاظ بالتراث ولكن لا يمكن ان نعتبر ما تم استيراده من الخارج كمادة مصنعة على انه تراث لنا ولكن يعتبر من ضمن سلسلة المنظومة الحياتية و استخدام لمرحلة زمنية معينة.
لقد غيرت الكهرباء وبدلت كل حياتنا واعمالنا وسلوكنا, واصبح لكل غرفة في المنزل جهاز تلفاز بعد ان كان في القرية مذياع واحد في منزل المختار, يتم استلامه من الانتداب البريطاني ليتابع المختار واهل القرية اخبار الحرب العالمية الثانية وتعليمات الانتداب. وكان ما يسمى" صندوق العجب" هو الوسيلة الوحيدة التي يرى بها اهالى القرى صور خالد بن الوليد او صلاح الدين الايوبي عندما يزورهم الحكواتي بعد المواسم. ومن يعلم, لربما اسماء امهاتنا وجداتنا ستصبح من التراث يوما ما, مثل اسم خديجة وصفية وكاملة ولطفية. . . .
زرت والدكتور اسامة عودة وزارة السياحة الفلسطينية والتقينا الدكتور حمدان طه منسق برنامج التراث العالمي ومدير عام دائرة الاثار والتراث الثقافي, ومع ان هدف الزيارة لكلنا كان مختلفا, بالنسبة لي كان تحديد موقف الوزارة من المعاصر الميكانيكية السابقة المتواجدة في فلسطين والتي يعود تاريخها للفترة ما بين العشرينيات الى الستينيات من القرن الماضي, وحسب ما استنتجته من كلام الدكتور حمدان يمكن ان نعتبر ان 15 معصرة من الـ 70 معصرة قديمة هي من المعاصر التي يجب علينا المحافظة عليها كتراث لهذا الوطن ليحكي قصة تطور حياته على هذه الارض. ورأيت من الضروري عقد ورشة عمل بالتنسيق مع وزارة السياحة لاصحاب المعاصر القديمة وبيان اهميتها لنا كشعب فلسطيني. اهدانا الدكتور مشكورا كتابا عن مواقع التراث الثقافي والطبيعي ذات القيمة العالمية المتميزة في فلسطين وهو كتاب حديث, وستخصص مقالة للحديث عن الكتاب, ما استرعى انتباهي بعد ان اكملت الـ 100 صفحة للكتاب في نفس الليلة انه لا ذكر للقدس نهائيا,وهذا ما سيتم مناقشته.
ولكن سؤالا هاما ومنطقيا يطرح نفسه, ما دامت الحكومة والواجب الوطني يتطلب المحافظة على التراث الوطني وما دام ان عشرات المعاصر من هذا الصنف او الاقدم منه قد تم تسريبه الى اسرائيل او تم تصديره بصورة وطريقة رسمية شرعية للمغرب العربي , وما دام سعر المعصرة كاملا يباع ما بين 10-8 الاف دولار أميركي . . لماذا لا تقوم وزارة السياحة بشراء هذه المعاصر ممن يرغب في البيع وايداعها في الاماكن المخصصة للعرض ومحاكاة التاريخ , وثمن المعصرة الواحدة اقل من مخصصات راتب عامل بالمياومة على مدى العام وعندنا عشرات الاف الوظائف الزائدة عن الحاجة وغير مطلوبة برواتب تزيد في الشهر الواحد عن اضعاف قيمة ما نريد المحافظة عليه.