الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:27 AM
الظهر 12:45 PM
العصر 4:25 PM
المغرب 7:38 PM
العشاء 9:02 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

أساطير التوراة ويوسف زيدان

الكاتب: بكر أبو بكر

لا أرى بأسا أن يحاجج الكاتب المصري يوسف زيدان حول موقع المسجد الاقصى المبارك "الذي باركنا حوله" ، فيشير لوجوده في مكان آخر نافيا قداسة بيت المقدس (القدس في فلسطين اليوم) للمسلمين، فهو يمتلك الحق أن يفكر ويتأمل ويثير الأسئلة الصعبة ويبرز الدلائل ويحاججه الآخرون به ، لا سيما أن ما يقوله ليس جديدا فلقد قاله كثير قبله من الأساتذة والبحاثة من نتفق أو نختلف معهم.

ما نستغربه من الكاتب هو الربط بين مدينة القدس وبين بني اسرائيل قبيلة الاسرائيليين الغابرة وهو الكاتب والباحث، أو ربطه بين مدينة القدس وأقوام اليهود المختلفين المتنوعين الأرومة، وما نتعجب له هو أن يطلق أو يستعير مسميات ذات طبيعة توراتية مزورة -هي مزورة بالدليل العلمي- على فلسطين وعلى القدس ذاتها،مضافا لذالك أن يفتح معركة تاريخية-دينية الآن ومعركة القدس محتدمة، ما يثير التساؤل والاستغراب،؟

أننا أحوج ما نكون للدعم ليس في غضبة أو انتفاضة القدس فقط كفلسطينيين وأمة عربية واسلامية، وإنما في تصحيح الرواية التاريخية المتداولة حول فلسطين تلك التي تنص على أسطورة (يهودية) وخرافة (اسرائيلية) حول مدينة القدس؟ وكنا نتمنى أن يطلع الأستاذ يوسف زيدان وهو الروائي والكاتب الكبير ومفترض المنقب والباحث بما فيه الكفاية على كتابات علماء الآثار ومنهم الإسرائيليين، وعلى كتب المفكرين الكبار الذين دحضوا ترهات التوراة التاريخية في فلسطين والقدس، والتي كرر بعضها ربما عن عدم علم.

إن وجود المسجد الأقصى المبارك سواء في مدينة القدس أو في الطائف كما يقول يوسف زيدان يجب أن يتم عرضه مترافقا مع شرح فساد الرواية التوراتية، وليس مترافقا مع تأكيد الرواية التوراتية التي استند إليها.

القدس ترفض الرواية الإسرائيلية اليوم رفضا مطلقا، فلا علاقة البتة لمروريات التوراة وأحداثها الخرافية والاسطورية المسماة تاريخية أو دينية والتي كتبت بعد 500 عام - فحفلت بالآمال والأحلام والأساطير كما يؤكد عالم الآثار الاسرائيلي اسرائيل فنكلستاين والعالم الشهير طومسون وغيرهما الكثير- لا علاقة لها بجغرافيا فلسطين وقطعا لا علاقة لها في جغرافيا القدس أيضا.

ما يمكن أن نقوله عن روايات التوراة التاريخية هو أنها بما تحمله من أخبار مصاغة عن الملوك كما تسميهم التوراة (سليمان وداود ويوشع وموسى، وقبلهم ابراهيم واسحق ...) ما هي إلا أساطير الأولين، وخرافات كما يقول عالم الآثار الإسرائيلي (إسرائيل فنكلشتاين) في كتابه الضخم المستند لتنقيباته الأثرية في فلسطين ولأبحاثه وزميله (نيل أشر سبيلرغ ) المسمى بالعربية (التوراة مكشوفة على حقيقتها ) إذ لا دليل مطلقا على هذه المرويات "المحرفة"، والتي يجيء كل من المفكر العربي فاضل الربيعي وفرج الله صالح ديب ود. جواد علي وكمال الصليبي وأحمد الدبش والكثيرغيرهم ليثبتوا بالدليل أن وقائع التوراة بعد تخليصها من المبالغات والتضخيمات والأحلام والتحريف هي وقائع حدثت في فضاء جغرافي آخر (في اليمن القديم ).

هذا هو ما كان يجب أن يقرأه يوسف زيدان مليّا فيستفيد ويفيد معنا في تصحيح الرواية المتداولة، ونحن بحاجة أمثاله هنا، ومن ثم يشير لما يريد ، فلا يجعل من نقضه لرواية مكان الأقصى (الذي أسرى إليه محمد صلى الله عليه وسلم) مدخلا عمليا لتثبيت الرواية الاسرائيلية اليوم .

حول مكان الهيكل الأول أو الثاني لسليمان (الملك حسب التوراة، وهو النبي سليمان عليه السلام عندنا نحن المسلمين) من أساطير لا حظ لها من الحقيقة في فلسطين، فهي كمعابد أو مساجد أو منشآت دينية تاريخية وجدت في اليمن القديم حسب الأبحاث الضخمة والثرية اليوم (أنظر "فلسطين المتخيلة أرض التوراة في اليمن القديم" لفاضل الربيعي، وأنظر كتاب فرج الله صالح ديب، ومناظرات أحمد الدبش...) وكانت هذه المباني لقبيلة يمنية عربية هي قبيلة اسرائيل المنقرضة، وفي فضاء القدس وأورشليم التي تنتصب كجبال هناك في اليمن حتى اليوم (أنظر "القدس ليست أورشليم" لفاضل الربيعي).

اما المحاججة بأن المسجد الأقصى ليس هنا في مدينة القدس العربية منذ الأزل، وأنه جغرافيا في مكان آخر، أصح ذلك أم لم يصح، لا يُغني عن أن القدس والمسجد الأقصى مقدس عند المسلمين جميعا، ليس أقله منذ قرر المسلمون ذلك، فكل مسجد هو مقدس يخضع للحرمة، وكل مكان رآه جمهور المسلمين كذلك فهو مقدس، فمنذ حدده عمر بن الخطاب ما هو ثابت تاريخيا بلا جدل، ثم بنى فيه عبد الملك بن مروان فالوليد ومن اهتم به من اللاحقين، أثبتوا للمسلمين قدسيته منذ 1400 عام على الأقل، بينما بالمقابل لا يثبت مطلقا قدسية الأرض أي كل فلسطين والقدس في تاريخية المرويات التوراتية التي تتحدث في حقيقتها بعد إزالة الغبار منها في فضاء جغرافي بعيد ومختلف كليا.

إن ضرورة اطلاع أي كاتب أو مفكر أو مؤرخ على الجديد وعلى أبحاث غيره لا محيد عنها، والالتزام بالعلمية والموضوعية والتفكر والتأمل تجعله يتخلص من القوالب النمطية ومما درسه، فيطلع على الفروقات الجمة بين بني إسرائيل القبيلة العربية اليمنيية المنقرضة وقوم النبي هود أو المنتمين من القبائل القديمة لإمارة يهودا اليمنية ، وبين القبائل الحديثة لاحقا التي اعتنقت الديانة اليهودية كالفرس والترك والخزر الذين يمثلون اتباع الديانة اليوم سواء داخل فلسطين أو خارجها . (أنظر الكاتب اليهودي الهنغاري أرثر كوستلر في كتابه "القبيلة 13 مملكة الخزر" وأنظر الكاتب الاسرائيلي شلومو ساند في كتابيه أسطورة "أرض" "أسرائيل" وخرافة "الشعب اليهودي").

أما ما يتعلق بالعبرانيين ما هم قبائل عربية متشردة، او أسطورة مضافة خلقت لتسويغ استعمار فلسطين فله أن يراجع الكثيرين الذين ردوا عليه تفصيلا كما كان من شأن الكاتب والمؤرخ والزميل أحمد الدبش مؤخرا.

إن أسطورية وخرافية تاريخ التوراة ( قال الله سبحانه وتعالى عن كهنة التوراة أنهم يحرفون الكلم عن مواضعه في الكتاب العزيز) ما أثبته علماء أجانب واسرائيليون وعرب عدا عن فساد العلاقة بين الإسرائيليين القدماء واسرائيليي اليوم الموجودين في فلسطين، هي ما كان يجب الاطلاع عليه فيحقق به الربط لتكون (قنبلته) علمية ومنطقية وموضوعية فلا تغلّب رواية أسطورية على غيرها، وتؤكد حقنا بالأرض ووطننا، وليست ضربا لأسس وهدما لفكرة دون تأسيس الصحيح مكانها.

إن كان الكاتب يوسف زيدان لم يطلع على كل هذه الأبحاث والكتب والدراسات فقد نلتمس له العذر، لتقصيرنا معه أو لتقصيره بالاطلاع، ولكن لا نعذره وهو الكاتب المرموق بأن يتبنى ما كان يجب أن يدقق به مليا ، من تبنيه لمقاطع في الرواية اليهودية المكذوبة حول القدس وفي هذا الخضم.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...