فقدان الثقة في الأصول الأمريكي يدفع الدولار لأدني مستوياته في ثلاث سنوات

شهد الدولار الأمريكي تراجعًا متسارعًا خلال شهر أبريل، مدفوعًا بتصاعد التوترات في الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين ما أثار قلقًا واسعًا لدى المستثمرين العالميين، كما أسهم تصاعد الخلاف بين البيت الأبيض والبنك الاحتياطي الفيدرالي في تعميق المخاوف بشأن استقلالية البنك الاحتياطي الفيدرالي، ونتيجة لذلك، انخفض مؤشر الدولار الأمريكي إلى أدنى مستوياته منذ مارس 2022 في ظل موجة بيع قوية للأصول الأمريكية، بينما اتجه المستثمرون نحو الملاذات الآمنة وعلى رأسها الذهب الذي سجّل مستوى قياسيًا جديدًا.
منذ خمسينيات القرن الماضي، كان الدولار الأمريكي مسيطرًا على التجارة والتمويل العالميين، ومع ذلك، فإن الاضطرابات الأخيرة في الأسواق قد أثارت شكوكًا حول استقرار العملة الاحتياطية العالمية، مما أدى إلى تراجع حاد في قيمتها أمام العملات الأخرى، يعود هذا التراجع إلى تقلبات كبيرة في أسواق الأسهم والسندات الأمريكية والتي دفعت الاقتصاديين والمستثمرين إلى إعادة تقييم هيمنة الدولار في سوق تداول العملات والتي استمرت طويلاً، ومع انخفاض قيمة الدولار بنسبة تقارب 4% منذ إعلان ترامب عن الرسوم الجمركية، يبرز تساؤل مهم: هل يمكن أن يحل مكان الدولار عملة أخرى؟
نظرة عامة على الدولار الأمريكي في عام 2025
انخفض الدولار الأمريكي في عام 2025 مسجلًا أدنى مستوى له في ثلاث سنوات، منذ يوم تنصيب الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" في يناير فقد ما يقرب من 10% من قيمته، وقد حدث أكثر من نصف هذا الانخفاض في شهر أبريل وحده، في الوقت نفسه، تكبد سوق الأسهم خسارة فادحة بلغت حوالي 11 تريليون دولار من قيمته منذ يناير.
يشهد التضخم أيضًا ارتفاعًا، ويحذر الاقتصاديون من زيادات أخرى بسبب التوترات التجارية المستمرة، كما تصاعدت احتمالية حدوث ركود اقتصادي بشكل كبير، حيث يُقدّر الخبراء احتمال حدوثه بنسبة 90% إذا استمرت السياسات الحالية، باختصار، يواجه الاقتصاد الأمريكي مأزقًا حقيقيًا من: ضعف الدولار وخسائر سوقية كبيرة وارتفاع التضخم وركود اقتصادي يلوح في الأفق، وسط حالة من عدم اليقين الاقتصادي والجيوسياسي.
بعد ارتفاع الدولار في أواخر عام 2024 وأوائل عام 2025 مدفوعًا بالنمو الاقتصادي الأمريكي القوي وارتفاع العائدات، شهد الدولار انخفاضًا حادًا في أبريل 2025 ليصل مؤشر الدولار عند 98.00 نقطة في نهاية الشهر، بسبب تصاعد التوترات التجارية والمخاوف من تباطؤ الاقتصاد الأمريكي، ولكن سرعان ما عاد المؤشر للانتعاش مع تراجع المخاوف التجارية والتطورات السياسية.
ولكن لا يزال التضخم أعلى من هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2%، مما يُعقّد قرارات السياسة ويُبقي الدولار تحت الضغط، كما يزيد من الضغط توقعات النمو الاقتصادي في عام 2025 عند 1.8% مما يعكس تباطؤًا وليس ركودًا، مع مخاطر الركود التضخمي، وبالتالي فإن مستقبل الدولار لا يزال غامضًا، متأثرًا بمزيج من البيانات الاقتصادية ومخاوف التضخم ومخاطر التجارة وسياسات الاحتياطي الفيدرالي.
كيف كان أداء الدولار منذ انتخاب ترامب؟
ارتفع الدولار قبيل انتخابات 2024 مدعومًا بنمو اقتصادي أمريكي قوي، واستمر في الارتفاع بعد فوز ترامب مدفوعًا بآمال تحقيق نمو مستدام، وتكهن المستثمرون بأن رسوم ترامب الجمركية ستؤدي إلى ارتفاع التضخم، مما يدفع الاحتياطي الفيدرالي إلى رفع أسعار الفائدة، بما سيجعل الدولار أكثر جاذبية.
ومع ذلك، أدى عدم اليقين بشأن تأثير الرسوم الجمركية، إلى جانب توقعات ضعف النمو الأمريكي، إلى انخفاض قيمة الدولار، كما زاد انتقاد ترامب لرئيس الاحتياطي الفيدرالي "جيروم باول" من الضغوط، ونتيجة لذلك، انخفض مؤشر الدولار إلى أدنى مستوى له في ثلاث سنوات.
كيف يمكن لترامب أن يخلع الدولار من عرشه؟
قد تُضعف سياسات الرئيس ترامب بما في ذلك الرسوم الجمركية العدوانية والاضطرابات التجارية، من هيمنة الدولار الأمريكي العالمية، حيث تسبب موقفه الحمائي في خلق حالة من عدم اليقين لدى المستثمرين وأبطأ النمو الاقتصادي الأمريكي، حيث انخفض مؤشر الدولار بنسبة 9% في الأشهر الأولى من رئاسته، إضافةً إلى ذلك، حفزت المخاوف بشأن دور الاحتياطي الفيدرالي كمقرض عالمي أخير، واستخدامه للعقوبات، جهود دول أخرى لـ"التخلي عن الدولار".
تُهدد حروب ترامب التجارية وسياساته الحمائية بتقويض أسس الاقتصاد الأمريكي ورفع تكاليف الاستيراد وتآكل ثقة المستثمرين، وقد يؤدي ذلك إلى إبطاء النمو العالمي وإضعاف القوة الاقتصادية الأمريكية وتهديد هيمنة الدولار، ومن شأن هذه النتيجة أن تضر بالاقتصاد الأمريكي والاقتصاد العالمي على حد سواء.
استقلال الاحتياطي الفيدرالي تحت المجهر: هل الدولار في خطر؟
أثارت تهديدات ترامب الأخيرة بإقالة رئيس الاحتياطي الفيدرالي "جيروم باول" ناقوس الخطر في الأسواق العالمية، فرغم التحديات القانونية، فإن مجرد مناقشة إقالة باول قد تُلحق ضررًا بالغًا بمصداقية الاحتياطي الفيدرالي، التي لطالما كانت حجر الزاوية في الثقة بالدولار الأمريكي.
حتى قبل هذه الأخبار، كان الشعور العام تجاه الدولار يتدهور بالفعل، كما يشير استطلاع بنك أوف أمريكا العالمي لمديري الصناديق، الذي أظهر أن توقعات المستثمرين بانخفاض قيمة الدولار بلغت أعلى مستوياتها منذ عام 2006، وحذر الخبراء من أن التشكيك في استقلال الاحتياطي الفيدرالي قد "يُضعف الثقة بالدولار بشدة"، وتُعتبر صناديق التحوط الآن الأقل تفاؤلًا بشأن الدولار منذ أكتوبر متوقعةً استمرار ضعفه وسط تصاعد الهجمات على استقلالية الاحتياطي الفيدرالي.
يُبرز التاريخ مخاطر التدخل السياسي في البنوك المركزية: بدءًا من اقتصاد المملكة المتحدة المتقلب قبل عام 1997، وصولًا إلى تجارب أردوغان التضخمية في تركيا، لطالما أدى التدخل السياسي إلى اضطرابات اقتصادية.
مع توتر الأسواق أصلًا بسبب النزاعات الجمركية المستمرة، قد تُؤدي إقالة باول إلى أزمة ثقة، مما يُسبب المزيد من انخفاض قيمة الدولار وعدم استقرار مالي أوسع، وما هو على المحك ليس منصب باول فحسب، بل الثقة التي تُشكل أساس النظام المالي العالمي.
ماذا يعني ضعف الدولار؟
يعني ضعف الدولار أن الأمريكيين لن يجدوا أن أموالهم تكفيهم للسفر إلى الخارج، بينما سيستفيد السياح الأجانب في الولايات المتحدة من ارتفاع سعر الصرف.
عالميًا، يكون لانخفاض الدولار تأثير أكبر من العملات الأخرى نظرًا لدوره كعملة احتياطية رئيسية في العالم تُستخدم في المعاملات والتجارة الدولية، فضعف الدولار يجعل الصادرات الأمريكية أرخص ولكنه يزيد من تكلفة الواردات، كما أنه يجعل السلع الأساسية مثل النفط أرخص للدول التي تحمل عملات أخرى.
ماذا سيحدث إذا استمر انخفاض الدولار؟
إذا استمر انخفاض الدولار، فقد يُضعف ذلك من الانطباع السائد عن القوة السياسية الأمريكية، وقد تكتسب فكرة فقدان مكانته كعملة احتياطية التي كانت مستبعدة في السابق زخمًا، ومع ذلك، يعتقد الخبراء أن الدولار سيحافظ على مكانته الرائدة في الوقت الحالي، على الرغم من تحول بعض أهميته إلى عملات أخرى.
في حين أن الدولار قد يستعيد بعض قوته على المدى القصير، إلا أنه من غير المرجح أن يعود إلى مستوياته السابقة، قد تؤدي تقلبات السوق إلى جني الأرباح مما يُسبب تحولات في قيم العملات، ستراقب الأسواق عن كثب هجمات ترامب المستمرة على رئيس الاحتياطي الفيدرالي لأن أي ضغط على باول قد يُضعف مصداقية الاحتياطي الفيدرالي ويُقوّض الاستقرار على المدى الطويل.
يناقش خبراء السوق مستقبل الدولار الأمريكي مستكشفين البدائل المحتملة كالذهب واليورو واليوان والعملات المشفرة، مؤكدين على أن مستقبل الدولار يعتمد على الثقة، لا سيما في ظل التحولات السياسية في عهد ترامب.
هل تلوح في الأفق عملية إزالة الدولرة؟
تزيد البنوك المركزية من حيازاتها من الذهب والعملات البديلة، كما أن المعاملات غير الدولارية مثل صادرات النفط الروسية المُسعّرة بالعملات المحلية آخذة في الارتفاع، ويدعم نمو العملات الرقمية للبنوك المركزية هذا التحول، حيث يستكشف أكثر من 90% من البنوك المركزية العملات الرقمية، ومع ذلك، لا يزال الدولار الأمريكي العملة الاحتياطية العالمية المهيمنة ومن المتوقع أن يكون تراجعه تدريجيًا، وبينما تواجه بدائل مثل اليورو والين واليوان الصيني مخاوف تتعلق بالاستقرار والسيولة، فإن مبادرات العملات الإقليمية مثل تجارة العملات المحلية لدول البريكس تشير إلى تغيير محتمل طويل الأجل في النظام المالي العالمي.
بدائل الدولار الأمريكي كعملة عالمية
نوقشت بدائل الدولار الأمريكي على نطاق واسع، ولكن لا تزال هناك عقبات كبيرة أمام أي عملة لتحل محل الدولار المهيمن في الاقتصاد العالمي بشكل كامل.
- البدائل الرئيسية قيد الدراسة
1 .اليوان الصيني
يُعد اليوان المنافس الأبرز بدعم من ثاني أكبر اقتصاد في العالم، تعمل الصين على توسيع بنيتها التحتية المالية وعلاقاتها التجارية الدولية من خلال مبادرات مثل BRICS+ ومبادرة الحزام والطريق، ومع ذلك، يواجه اليوان عقبات مثل النظام السياسي والقانوني الصيني وضوابط رأس المال وقابليته المحدودة للتحويل، مما يمنعه من أن يصبح عملة احتياطية عالمية بالكامل، من المرجح أن يكون استخدامه الدولي مدفوعًا بدوافع سياسية أكثر منه بدوافع السوق.
2 .اليورو
غالبًا ما يُنظر إلى اليورو على أنه المنافس الأنسب للدولار نظرًا لاقتصاد منطقة اليورو الكبير واستقرارها السياسي ومصداقية البنك المركزي الأوروبي، ومع ذلك، لم يحل اليورو محل الدولار نظرًا للتحديات السياسية والاقتصادية الداخلية في منطقة اليورو.
3 .عملة أو سلة عملات البريكس
دارت نقاشات حول عملة أو وحدة تسوية متعددة الأطراف لدول البريكس تعتمد على سلة من عملات الأعضاء، ونظرًا لاختلاف المصالح الاقتصادية والسياسية لدول البريكس، فمن غير المرجح إنشاء عملة أو سياسة نقدية موحدة، قد تكون بمثابة آلية تسوية لكنها لن تحل محل الدولار كعملة احتياطية عالمية.
4 .عملات أخرى
تُتيح عملات مثل الين الياباني والجنيه الإسترليني والدولار الأسترالي والدولار الكندي والوون الكوري الجنوبي، تنويعًا اقتصاديًا لكنها تفتقر إلى الحجم والسيولة اللازمين لتحدي الدولار عالميًا.
٥ .البدائل الرقمية والقائمة على تقنية بلوكشين
تُعتبر تقنية بلوكتشين والعملات المشفرة بدائل محتملة، حيث تستكشف بعض دول مجموعة البريكس العملات المدعومة بتقنية بلوكشين، ومع ذلك، لا تزال هذه العملات تجريبية وتواجه عقبات تنظيمية وتبنيًا قبل أن تصبح عملات عالمية قابلة للتطبيق.
تحديات استبدال الدولار الأمريكي
يستفيد الدولار من أسواق رأس المال العميقة والسائلة واستخدامه الواسع في التجارة والتمويل العالميين والقوة السياسية والاقتصادية للولايات المتحدة، ولكن محاولات تجاوز الدولار باستخدام العملات الوطنية في التجارة تواجه مشاكل في السيولة وارتفاع تكاليف المعاملات، بالإضافة إلى ذلك، تدعم هيمنة الدولار البنية التحتية المالية العالمية والدور المركزي للتمويل الأمريكي.
تعمل دول مثل ماليزيا وإندونيسيا وسنغافورة وتايلاند على إنشاء أنظمة معاملات بالعملات المحلية لتقليل الاعتماد على الدولار في التجارة الإقليمية.
تشهد أسواق السلع الأساسية تراجعًا في الدولرة، حيث تُسعّر دول مثل روسيا النفط بالعملات المحلية أو العملات الصديقة، كما تعمل البنوك المركزية على زيادة احتياطياتها من الذهب لتنويع مصادر الدخل بعيدًا عن الدولار.
يجري تطوير منصات عملات رقمية متعددة البنوك المركزية (مثل مشروع mBridge الذي يربط الصين وهونغ كونغ وتايلاند والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية) لتسهيل المدفوعات عبر الحدود دون الحاجة إلى الدولار.
في الوقت الحالي، لا توجد عملة تلبي جميع الشروط اللازمة لتحل محل الدولار الأمريكي كعملة احتياطية عالمية، ومن المتوقع أن تستمر هيمنة الدولار في المستقبل القريب نظرًا للمزايا الهيكلية للنظام المالي الأمريكي، وبينما قد يزداد استخدام اليوان الصيني واليورو عالميًا، فإن تغييرات جوهرية في النظم السياسية والاقتصادية والمالية تتطلب استبدال أي منهما بالدولار.