خاص| الصدمات النفسية لا تترك كدمات فقط.. بل أمراضًا في الجسد أيضًا
الصدمات النفسية ليست مجرد حالة عابرة من الحزن، بل هي سلسلة من التغيرات العميقة التي تضرب العقل والجسد، وربما تُورّث لأجيال قادمة.
في لقاء خاص لــ"رايــة"، سلطت الدكتورة ريم أبو حويج، المختصة في علم النفس، الضوء على العلاقة الخفية بين الصدمات النفسية والتغيرات الجسدية، موضحة كيف تتسلل الحروب والمآسي إلى داخل أجسادنا دون أن ننتبه.
قالت د. ريم أبو حويج إن "الصدمات النفسية لا تؤثر فقط على المشاعر، بل تترك آثارًا عميقة ومباشرة على الجسد"، مشيرة إلى أن "أجهزة الجسم مثل الجهاز العصبي، المناعي، الهضمي، والغدد، تتأثر بشكل واضح تحت تأثير التوتر المزمن والضغط النفسي الناتج عن الصدمات المتكررة".
وأوضحت أن "الهرمونات مثل الكورتيزول والأدرينالين تظل مرتفعة في الجسم، ما يؤدي إلى اضطرابات في النوم، تسارع نبضات القلب، توتر عضلي مزمن، وحتى أمراض مناعية مثل الروماتيزم والتهابات مزمنة".
أضافت د. ريم: "الصدمات النفسية التي نراها في غزة ليست مجرد تجارب عابرة، بل هي صدمات مركبة ومتكررة. هذه ليست فقط حروب، بل مجازر جماعية تعيشها الأجساد لحظة بلحظة".
كما شددت على أن "الضغط النفسي لا يختفي، بل يتخزن داخل الجسد ويؤدي إلى أمراض مثل القولون العصبي، الفايبروميالجيا، واضطرابات في الخصوبة والدورة الشهرية وحتى في النمو لدى الأطفال".
لفتت إلى ظاهرة "الصدمة المتناقلة عبر الأجيال"، مشيرة إلى أن: "التعبير الجيني يتغير بسبب الصدمة، بحيث تنتقل آثارها لأطفال الناجين، حتى لو لم يشهدوا الحدث بأنفسهم".
وبخصوص الضفة الغربية، أكدت أن "الناس هنا يعيشون صدمة مختلفة: مستمرة لكنها صامتة، تتجلى في شكل توتر مزمن، تبلد عاطفي، وإحساس بالعجز. لا قصف، ولكن ذُل على الحواجز، هدم منازل، تكميم أفواه، وأحكام نفسية خانقة".
ورداً على سؤال حول إمكانية الوقاية من هذه الآثار، قالت: "الخيار الوحيد المتاح حالياً هو بناء روتين يومي بسيط ومستقر، يشمل النوم المنتظم، المشي إن أمكن، تمارين تنفس منتظمة، والحفاظ على روابط اجتماعية قوية ولو عن بعد".
وختمت حديثها قائلة: "الأجساد تتكلم حين تعجز الكلمات. وما لا نبكيه، نمرض به. ما يحدث اليوم في غزة سيبقى معنا أجيالًا، ويجب أن نستعد لذلك بكل ما أوتينا من وعي ورعاية".