مركز "شمس"تفشي مرض التهاب السحايا بين أطفال قطاع غزة: مقدمة لهندسة ديمغرافية

قال مركز إعلام حقوق الإنسان والديمقراطية "شمس" أنه يتابع بقلق بالغ التقارير الواردة من قطاع غزة حول تفشي الأمراض المعدية بين الأطفال ومن بينها التهاب السحايا ،وحالات عدوى في الجهاز التنفسي العلوي، والتي تشكل انتهاكاً جسيماً للحق في الصحة والحياة، وتمثل امتداداً خطيراً للسياسات الإسرائيلية القائمة على تفكيك المجتمع الفلسطيني وفرض معادلات جديدة في التركيبة الديمغرافية للقطاع. وقال المركز أن العدوان المستمر على قطاع غزة ، وما يرافقه من حصار خانق، وقيود مشددة على إدخال الأدوية والمستلزمات الطبية، ودمار ممنهج للبنية التحتية الصحية، ليس مجرد تداعيات إنسانية عابرة، بل جزء لا يتجزأ من إستراتيجية هندسة ديمغرافية ممنهجة تهدف إلى إضعاف المجتمع الفلسطيني، واستنزافه، والعبث بالتوازن السكاني فيه، بما يخدم أهداف الاحتلال والسياسية.
وشدد مركز "شمس" أن انتشار مرض السحايا بين الأطفال يشكل خطراً صحياً بالغاً يهدد حياتهم وسلامتهم، نظراً لكون هذا المرض من الأمراض البكتيرية أو الفيروسية الخطيرة التي تصيب الأغشية المحيطة بالدماغ والحبل الشوكي. ويعد الأطفال، خاصة الرضع وصغار السن، من أكثر الفئات عرضة للإصابة به، نتيجة ضعف أجهزتهم المناعية وصعوبة تشخيص الأعراض في مراحلها المبكرة. وفي حال تأخر العلاج أو نقص الرعاية الطبية اللازمة، قد يؤدي مرض السحايا إلى مضاعفات خطيرة تشمل فقدان السمع، تلف الدماغ، صعوبات التعلم، وقد تصل إلى الشلل أو الوفاة.
وقال مركز "شمس" أن تفشي مرض السحايا في أوساط الأطفال، خاصة في المناطق التي تعاني من تدهور النظام الصحي وضعف الوقاية مثل قطاع غزة، ينذر بكارثة صحية واسعة النطاق. فإلى جانب الخطر المباشر على حياة الأطفال، يهدد انتشار المرض بزيادة الضغط على ما تبقى من شبه مستشفيات ، والتي تعاني أصلاً من نقص الأدوية والمستلزمات الطبية، ويفاقم معاناة العائلات الفلسطينية التي تجد نفسها عاجزة عن حماية أبنائها، في ظل غياب المقومات الأساسية للرعاية الصحية والوقاية. وتعد هذه الأوضاع انتهاكاً صارخاً لحقوق الأطفال في الصحة والحياة والرعاية، كما تسلط الضوء على الحاجة الملحة لتدخل دولي عاجل يضمن توفير اللقاحات، والأدوية، وظروف العيش الآمن للأطفال الفلسطينيين.
وأوضح مركز "شمس" إن انتشار الأمراض المعدية في أوساط الأطفال، وفي مقدمتها أوبئة الجهاز التنفسي، وأمراض سوء التغذية، والأمراض الجلدية، يعد نتيجة مباشرة للعدوان المستمر على قطاع غزة وللحصار المفروض منذ أكثر من (17) عاماً، والهجمات العسكرية المتكررة التي دمرت المستشفيات والمنشآت الطبية، وأعاقت تقديم الرعاية الصحية الأساسية. وإلى جانب ذلك، تفاقم القيود الإسرائيلية المفروضة على حركة المرضى من وإلى القطاع من معاناة الأطفال، وتحرم الآلاف منهم من الحصول على العلاج المناسب، في انتهاك صارخ للمواد (12) و(24) من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واتفاقية حقوق الطفل، واتفاقية جنيف الرابعة.
وقال مركز "شمس" أن عجز المجتمع الدولي عن الضغط الفعلي على دولة الاحتلال لوقف العدوان ولرفع الحصار وضمان حرية حركة الأفراد والبضائع، خاصة المواد الطبية والغذائية، ساهم في تعميق الأزمة الصحية والإنسانية في القطاع، ليشكل هذا الوضع جريمة جماعية منظمة بحق الأطفال، ووسيلة غير معلنة لتفكيك النسيج الاجتماعي الفلسطيني وضرب استقراره الديمغرافي.
وحمّل مركز "شمس" سلطات الاحتلال المسؤولية القانونية الكاملة عن تدهور الأوضاع الصحية والإنسانية في قطاع غزة، ويؤكد أن استمرار هذه السياسات يشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني، لا سيما المادة (56) من اتفاقية جنيف الرابعة التي تلزم قوة الاحتلال بضمان الرعاية الصحية للسكان المدنيين في الأراضي المحتلة، كما يُعد ذلك جزءاً من سياسة العقوبات الجماعية المحظورة بموجب القانون الدولي.
كما يحذر المركز من استمرار تقاعس المجتمع الدولي عن التصدي لهذا الخطر، مؤكداً أن حماية صحة وحياة الأطفال ليست قضية إنسانية فقط، بل التزام قانوني يقع على عاتق جميع الأطراف المعنية، ويتطلب إجراءات فعلية وليس بيانات تضامن شكلية.
وأكد المركز أن معالجة تفشي الأمراض بين الأطفال في قطاع غزة لا يمكن فصلها عن المعالجة الجذرية للواقع السياسي القائم، وعلى رأسه إنهاء الاحتلال ورفع الحصار ووقف الاعتداءات الإسرائيلية. كما يدعو المجتمع الدولي، وهيئات الأمم المتحدة، والمنظمات الحقوقية، إلى تحمل مسؤولياتها القانونية والأخلاقية، والتحرك العاجل لحماية الحق في الصحة والحياة لأطفال قطاع غزة، ووقف سياسة الإهمال المنهجي التي تسهل تنفيذ مخططات التغيير الديمغرافي بحق الشعب الفلسطيني.
كما ودعا مركز "شمس" المجتمع الدولي، ومنظمة الصحة العالمية، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، وجميع الهيئات الدولية المعنية، إلى تحمل مسؤولياتهم الأخلاقية والقانونية تجاه أطفال فلسطين، والتحرك العاجل لاحتواء خطر انتشار مرض السحايا وغيره من الأمراض في قطاع غزة والمناطق الفلسطينية المحاصرة. سيما وأن صمت العالم تجاه هذه الكارثة الصحية المتصاعدة، في ظل تدمير المنظومة الصحية ومنع دخول الأدوية والمستلزمات الطبية، يعني التواطؤ مع سياسات الاحتلال التي تهدد حياة الأطفال وتعرضهم لمخاطر الموت والإعاقة.