خاص| عمالة الأطفال في الضفة: بين الحاجة الاقتصادية وغياب الوعي بالقانون
في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية، وغياب البدائل الآمنة للأطفال خلال فترات العطل، تبرز ظاهرة عمالة الأحداث كقضية ملحة في الضفة الغربية. وبينما يؤكد القانون الفلسطيني على حماية هذه الفئة العمرية، فإن الواقع يكشف عن تحديات عدة تتعلق بغياب الوعي المجتمعي، والتفاف بعض المشغلين على القانون، وتداخل الأدوار بين المؤسسات المختلفة.
وقالت الأستاذة صمود الغولة، مديرة دائرة عمل الأحداث في وزارة العمل الفلسطينية، في حديث خاص لـ"رايــة"، إن عمالة الأطفال ليست ظاهرة فلسطينية فقط، وإنما عالمية، إلا أن الخطورة تكمن في نوعية الأعمال التي يزاولها الأطفال، خاصة تلك الشاقة وغير الملائمة لقدراتهم الجسدية.
وأضافت أن القانون الفلسطيني يمنع تشغيل الأطفال تحت عمر 15 عامًا، بينما يُسمح بتشغيل "الأحداث" من عمر 15 حتى 18 ضمن شروط وضوابط محددة، منها ألا تتجاوز ساعات العمل ست ساعات يوميًا، تتخللها ساعة راحة، مع اشتراط موافقة الأهل وإجراء الفحوص الطبية اللازمة.
وأكدت الغولة أن كثيرًا من أصحاب العمل يفتقرون للوعي القانوني، مشيرة إلى أن بعضهم يرفض تشغيل من هم دون 18 عامًا خوفًا من الوقوع في مخالفة، في حين أن القانون لا يمنع تشغيل الحدث، بل ينظم ظروف عمله.
وأوضحت أن هناك فارقًا بين الأطفال العاملين ضمن منشآت منظمة يخضعون لرقابة وزارة العمل، وبين من يعملون في الشوارع أو في إطار غير منظم، وهؤلاء يخضعون لمتابعة وزارة التنمية الاجتماعية، ويكونون أكثر عرضة للمخاطر.
وقالت الغولة إن قانون العمل حدد 33 مادة تمنع تشغيل الأحداث في أعمال خطرة، مثل الكسارات وورش البناء والعمل الليلي، مضيفة أن أي تجاوز يُحال للمساءلة القانونية، وقد يُحوّل صاحب العمل إلى نيابة الأحداث بناء على تقرير المفتشين الميدانيين.
وبشأن المناطق التي تنتشر فيها عمالة الأطفال، أوضحت الغولة أن الأزمة الاقتصادية المتصاعدة في الضفة أدت إلى سعي الأطفال والأحداث للعمل، أحيانًا بدافع الحاجة، وأحيانًا لغياب البدائل في العطلة الصيفية مثل المخيمات والنشاطات الشبابية. ولفتت إلى أن هذه الفترة الحساسة عمرًا ومجتمعيًا تدفع العديد من الأحداث لتجربة سوق العمل.
وأشارت إلى أن بعض المشغلين يرفضون تشغيل الأحداث من عمر 15 إلى 18 عامًا، ما يدفع هؤلاء الأطفال إلى التوجه لأماكن عمل أكثر خطورة وغير خاضعة للرقابة، وهو ما يُعرضهم لأضرار جسدية ونفسية.
وحول الإحصاءات، قالت الغولة إن الوزارة تتابع حالات عمالة الأطفال والأحداث طوال العام، مع تركيز أكبر خلال العطلة الصيفية، وأكدت أن الإدارات التفتيشية الـ13 في مختلف محافظات الضفة نشطة في هذا السياق.
كما كشفت أن الوزارة تعمل حاليًا على إطلاق حملة توعية شاملة في الضفة الغربية، تستهدف الأهالي والمشغلين والأحداث أنفسهم، لتوضيح مخاطر العمل المبكر وشروطه القانونية. وأضافت أن الحملة تهدف لرفع الوعي وليس فقط للمخالفة.
وفيما يتعلق بمفهوم العمل الإيجابي، قالت الغولة إن الوزارة تفرّق بين العمل الذي يتم ضمن شروط القانون، ولا يضر بصحة الطفل، وبين الأعمال الشاقة والخطرة التي تُعتبر انتهاكًا صريحًا للقانون. وأكدت أن دور الوزارة يقتصر على التدخل حين تُخالف الشروط، وليس حين يعمل الحدث ضمن القانون.
وبشأن العلاقة مع وزارة التربية والتعليم، أوضحت الغولة أن الوزارة شريك أساسي في ضبط الظاهرة، حيث يُرسل مرشدون إلى المدارس والمراكز للتوعية المهنية، وأشارت إلى وجود مقترح مشروع لتوجيه الأحداث المخالفين إلى مراكز التدريب المهني التابعة للوزارة، بهدف تحويلهم من عمالة مبكرة إلى عمال مهرة مؤهلين.
وأكدت أن هذه المنظومة لا يمكن أن تنجح دون تكامل بين وزارة العمل، ونيابة الأحداث، والشرطة، ووزارة التربية، وكل الجهات المعنية.
وفي إجابة على سؤال حول ما إذا كانت عمالة الأطفال تُعد ظاهرة، أوضحت الغولة أن الأعداد المُضبوطة في فترة العطلة الصيفية تتراوح ما بين 300 إلى 400 طفل أو حدث، لكن لا يمكن تعميمها على طول السنة إلا بعد عودة المدارس ومراقبة من بقي في سوق العمل.
كما أشارت إلى تعديل قادم في قانون الطفل الفلسطيني، سيشمل اعتبار العمل داخل الأسرة الممتدة (كالعم والخال) ضمن إطار عمالة الأطفال، بخلاف العمل لدى الأب أو الأم الذي لا يمكن للوزارة التدخل فيه مباشرة.
وأوضحت في هذا السياق أن الوزارة لا تملك صلاحيات رقابية مباشرة داخل المنشآت العائلية التي يديرها الأب، لكنها تتدخل عند تشغيل الطفل لدى أقارب من غير الدرجة الأولى، حيث يُعامل كما يُعامل أي حدث في منشأة عادية.