موصياً بإيجاد نظام موحّد لتبادل البيانات وتطوير آليات فعالة لتقديم الشكاوى تعزز المساءلة
ائتلاف أمان يناقش واقع تدفق البيانات من الجهات الدولية إلى منظمات المجتمع المدني في غزة

غزة- في ظل استمرار جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة، والتدهور غير المسبوق في المجاعة والأوضاع الإنسانية؛ عقد الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان)، عبر منصة الزووم، جلسة نقاش مسودة تقرير، بعنوان: "تدفق البيانات من قبل الجهات الدولية العاملة في مجال المساعدات الإنسانية لصالح منظمات المجتمع المدني في قطاع غزة وواقع المساءلة عليها"، والتي تهدف إلى تحليل مسارات تدفق البيانات من الجهات الدولية إلى منظمات المجتمع المدني، مع تقييم نقاط القوة والضعف في هذه المسارات، وتأثيرها على قدرة المجتمع المدني على المساءلة.
وائل بعلوشة: المجتمع المدني هو مرآة المواطنين ويجب أن يُشرَك ألّا يُقصى
افتتح الجلسة وائل بعلوشة، مدير مكتب أمان في غزة، بتوصيف السياق العام الذي يعيشه قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر، وواقع الإبادة الذي أفرزت واقعا معقّدا أربك عمل المؤسسات كافة، الرسمية منها وغير الرسمية. وأكمل بعلوشة أن المجتمع المدني، سرعان ما أعاد تنظيم نفسه ولعب دورا محوريا في كشف الانتهاكات، وتقديم الدعم الإغاثي والصحي والنفسي، بل وحتى في تقديم "بدائل تعليمية" في ظل انهيار المنظومة التعليمية الرسمية. وأبدى بعلوشة بدوره قلقا لما وصفه بـ"الضبابية" التي تحيط بتدفق البيانات من الجهات الدولية إلى منظمات المجتمع المدني، خصوصا في الجانب الإغاثي، وهو ما يُضعف القدرة على المساءلة، ويقوّض ثقة المواطنين بمؤسساتهم، مطالبا بإشراك المجتمع المدني في كل مراحل التخطيط والتنفيذ والتقييم المتعلقة بالمساعدات.
ضعف شفافية البيانات.. وتوصيات لبناء مسارات واضحة للمساءلة
استعرض معد التقرير الباحث هشام الكحلوت، أبرز نتائج وتوصيات التقرير، أهمها غياب مسارات واضحة ومعتمدة لتدفق البيانات، ووجود قيود متعددة متشابكة تعيق وصول المعلومات من الجهات الدولية إلى منظمات المجتمع المدني، مما يضعف من فعالية الرقابة والمساءلة. كما بين التقرير تدني مستوى الشفافية، وضعف آليات المساءلة، ونقص آليات الشكاوى الفعالة، الأمر الذي أثر سلبا على كفاءة المساعدات المقدمة، وقوّض الثقة بين الأطراف المعنية.
كما يؤكد التقرير على أن تطوير نظام فعال وشفاف لتدفق البيانات والمساءلة في قطاع غزة، من خلال تطوير صيغة عمل تنسيقية بين مؤسسات المجتمع المدني الفاعل في الميدان في قطاع غزة، وفتح حوار مع المؤسسات الدولية لتحديد آليات تدفق المعلومات وتقديم تقارير دورية ونشرها للعامة هو عامل حاسم لضمان جودة وفعالية المساعدات الإنسانية وتحقيق الاستجابة الملائمة في ظل الأزمة المتفاقمة.
التحرك العاجل لإعادة تعريف العلاقة مع الفاعلين الدوليين
في تعقيبه، قال محمود عبد الهادي، منسق رفع الوعي في مكتب أمان/ غزة، إن المجتمع المدني الفلسطيني ما زال يتعامل مع الجهات الدولية بعقلية ما قبل الحرب، رغم أن الواقع تغيّر، والمسؤوليات توسعت، وبات على الجهات الدولية أن تخضع للمساءلة كأي مزوّد خدمة، لا سيما أنها تقدم خدمات إغاثية مباشرة وتدير منظومات دعم بديلة عن الوزارات.
وأشار عبد الهادي إلى ثلاثة تحديات رئيسية، يتمثل الأول في تدفق البيانات الذي يتم بعكس المطلوب، حيث تنقل المؤسسات المحلية البيانات للجهات الدولية دون أن تتلقى -في المقابل- أي معلومات تُمكّنها من الرقابة. ثانيًا، أن معظم الكوادر العاملة في غزة غير مدرّبة على آليات مساءلة المؤسسات الدولية. ويكمن التحدي الثالث، بأن العديد من المؤسسات المحلية نفسها تجهل الأدوات القانونية والحقوقية التي تتيح لها مساءلة الجهات الدولية. وطالب عبد الهادي بدوره بضرورة "توطين أدوات المساءلة" وتعميم ثقافتها داخل المجتمع المدني، داعيا إلى التحرك العاجل لإعادة تعريف العلاقة مع الفاعلين الدوليين بعد أن أصبحوا "أصحاب واجب"، وليس فقط مانحين.
نظام موحد لتبادل البيانات وتطوير آليات فعالة لتقديم الشكاوى
في ضوء التحديات التي تواجه تدفق البيانات والمساءلة في قطاع غزة، أوصى التقرير بضرورة تعزيز التنسيق بين الجهات الدولية ومنظمات المجتمع المدني والجهات الحكومية المحلية، من خلال إنشاء منصات تنسيق مشتركة، وتطوير نظام موحد لتبادل البيانات، وتحديد الأدوار والمسؤوليات بدقة لتفادي تضارب الجهود. كما شدد على أهمية تبسيط الإجراءات الإدارية، ومراجعة القيود السياسية واللوجستية التي تعيق تبادل المعلومات، إلى جانب تعزيز الشفافية من خلال نشر تقارير دورية حول آليات توزيع المساعدات واستخدام الموارد.
وفي السياق ذاته، دعت التوصيات إلى إطلاق حوار وطني شامل لمناقشة سياسات تدفق البيانات بما يتماشى مع الواقع المحلي، وتطوير آليات فعالة لتقديم الشكاوى تضمن حق المستفيدين في المتابعة والمساءلة. كما أوصى التقرير بإعادة النظر في أولويات الإنفاق الدولي لضمان التوازن بين الإغاثة المباشرة وبناء القدرات، من خلال برامج تدريبية مستمرة ترفع كفاءة منظمات المجتمع المدني في الرصد والتحليل، والدعوة إلى مبادرات شفافة تعزز الثقة بين الشركاء المحليين والدوليين، عبر لقاءات دورية وتبادل الخبرات.
مداخلات نقدية: المساءلة تبدأ من وضوح المفاهيم، وتعزيز التكامل بين المحلي والدولي
تعددت المداخلات من المشاركين، وكان أبرزها ما طرحه جميل سرحان مدير الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، الذي أكد أن المعلومات وإن كانت موجودة، إلا أن صعوبة الوصول إليها، وعدم وجود ترجمة كافية أو منصات شفافة، تجعل من النشر شكلي، وأداة لتمويه الغياب الحقيقي للشفافية.
وقد دعا سرحان إلى مساءلة المؤسسات الدولية على أساس أدائها، وليس فقط "نيّتها الحسنة"، معتبرا أن الوضع الحالي أقرب إلى احتكار "للمعلومة وفرض الوصاية"، حيث تعمل جهات دولية كثيرة دون أي تنسيق حقيقي مع المؤسسات المحلية، بل ترفض أحيانا حتى عقد لقاءات توضيحية معها.
من جهته، دعا د. مأمون بسيسو، مستشار الأمم المتحدة للإعمار في الشرق الاوسط، إلى التفريق بين البيانات والمعلومات، مؤكدا أن وفرة البيانات الرقمية لا تعني بالضرورة القدرة على استخدامها أو مساءلة من يحتكرها. وأضاف أن البيانات المتعلقة بالمساعدات باتت تُستخدم أحيانا كأدوات تحكّم لا كوسائل دعم، في ظل غياب آليات حماية للمستفيدين أو معايير واضحة للشفافية.
أما آمال صيام، مديرة مركز شؤون المرأة، فطرحت مشكلة اعتماد التقارير الدولية مقابل تهميش المنتج المحلي، مشيرة إلى أن المجتمع الدولي لا يعترف بتقارير المجتمع المدني المحلي إلا إذا أرفقت بمراجع من الأمم المتحدة، وهو ما يخلق علاقة تبعية معرفية، تعيق تطوير خطاب فلسطيني مستقل في العمل الإنساني والحقوقي.
في السياق ذاته، أشار بكر تركماني، منسق وحدة الشكاوى في الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان/ مكتب غزة، إلى أهمية التمييز بين مختلف المؤسسات أو الجهات الدولية وماهيتها وأعمالها، مطالبًا بإعداد مذكرات خاصة توجه لكل جهة دولية بناءً على مشكلاتها المحددة، ومؤكدًا أن عدم الرد على طلبات المقابلات أو الاستفسارات من قبل تلك الجهات يجب أن يُوثق كمؤشر على تعثر الشفافية.
نحو شراكة قائمة على الحقوق لا الهِبات
أجمع المشاركون/ات بأن المجتمع المدني الفلسطيني بحاجة إلى إعادة صياغة العلاقة مع الجهات الدولية، ليس من باب الصدام، بل من باب الشراكة الحقيقية والمساءلة المتبادلة، مؤكدين أن المساعدات ليست منّة، والمعلومة ليست امتيازًا، بل هما حقّان مكفولان بموجب القوانين الدولية والأخلاق الإنسانية.