معابر قطاع غزة: أداة من أدوات الاحتلال لاستشراء شكل جديد من الفساد والابتزاز
أمان يدعو إلى لجنة موحدة للتنسيقات وآليات رقابة محلية ودولية

عقد الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان) عبر منصة الزووم، جلسة نقاش ورقة بحثية بعنوان: "مظاهر الفساد المرتبطة بإدارة الاحتلال لمعابر قطاع غزة خلال حرب الإبادة"، تهدف إلى إظهار مظاهر الفساد البنيوي والمؤسسي في إدارة الاحتلال للمعابر خلال الحرب، ما خلق أرضية خصبة لنشوء الممارسات غير النزيهة ومظاهر الفساد.
افتتح وائل بعلوشة، مدير مكتب أمان في غزة، الجلسة موضحاً أن الهدف من الجلسة يكمن في مناقشة الهيئة المعقّدة التي أسفرت عن ظهور مظاهر فساد جديدة أثرت سلباً على الاقتصاد المحلي، إضافة إلى استعراض أهم الاستنتاجات والتوصيات. وأشار بعلوشة إلى أن الاحتلال الإسرائيلي استغل معابر قطاع غزة خلال حرب الإبادة كأداة للعقاب الجماعي وللسيطرة المباشرة، ما أدى إلى انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني. كما أكدت الورقة أن إدارة المعابر اتسمت بممارسات مشوبة بشبهات فساد إداري وأخلاقي، مع تفكيك النظام المؤسسي السابق المنظم لإدخال المساعدات والبضائع وتنقل الأفراد.
المعابر أداة ابتزاز سياسي واقتصادي
استعرض الباحث د. طلال أبو ركبة أبرز ما جاء في الورقة، موضحاً أن الاحتلال الإسرائيلي استغل سيطرته الكاملة على معابر غزة كأداة للعقاب الجماعي ضمن سياق الإبادة الممنهجة، فبنى نظاماً معقداً يغيب عنه الشفافية ويغلب عليه الاستغلال والفساد البنيوي، ما سمح بالتحكم في دخول المساعدات والبضائع وحركة الأفراد، مستخدماً الاحتياجات الإنسانية كالدواء والغذاء والوقود كورقة ابتزاز سياسي واقتصادي، الأمر الذي عمّق أزمات السكان وخلق خللاً في توزيع الموارد.
وأشارت الورقة إلى أن الاحتلال عمد إلى تفريغ المؤسسات الفلسطينية من أي دور فاعل في إدارة المعابر، معززاً حالة اللايقين المؤسسي ومضعفاً قدرة الجهات الوطنية على بناء حكم رشيد قائم على النزاهة والشفافية. وقد أدى هذا الوضع إلى ترسيخ نموذج إداري غير قابل للإصلاح، ما منح الاحتلال القدرة على التحكم بمصير السكان عبر أدوات ابتزازية تنتهك القانون الدولي والإنساني.
استراتيجيات دولية للحد من فساد الاحتلال في إدارة المعابر
شددت توصيات الورقة على أن مواجهة الممارسات الإسرائيلية الفاسدة في إدارة معابر قطاع غزة تتطلب تحركاً دولياً منظماً، يبدأ بتشكيل آلية رقابية دائمة بإشراف الأمم المتحدة أو اللجنة الدولية للصليب الأحمر، لمتابعة سير العمل وضمان عدم استخدام المعابر كأداة للابتزاز السياسي أو العقاب الجماعي. كما أوصت بضرورة تفعيل آلية محايدة لتدقيق دخول المساعدات والبضائع، ونشْر تقارير فصلية شفافة حول حجم المساعدات ومعايير الرفض أو التأخير، إضافة إلى توثيق الانتهاكات ورفعها إلى مجلس حقوق الإنسان ومحكمة الجنايات الدولية باعتبارها جرائم تمس القانون الدولي الإنساني.
خطة وطنية لتعزيز الشفافية والمساءلة محلياً
أما على المستوى المحلي، فقد دعت التوصيات إلى إعداد خطة وطنية شاملة تقوم على التنسيق بين المؤسسات الرسمية والأهلية والقطاع الخاص، لضمان رصد حركة البضائع والأفراد عبر المعابر، وإنشاء قاعدة بيانات مفتوحة تضم تفاصيل حول التجار والبضائع المسموح بدخولها. كما شددت على تفعيل دور الغرف التجارية والنقابات واللجان الشعبية في توثيق الانتهاكات ومنع التلاعب أو الاحتكار، إلى جانب إطلاق منصات رقمية للإبلاغ عن الفساد، واعتماد مدونات سلوك ملزمة للتجار والشركات. وتهدف هذه الإجراءات إلى بناء رأي عام وطني قادر على مواجهة الفساد المستشري، وحماية قيم النزاهة والشفافية في مواجهة الضغوط والسيطرة الإسرائيلية على المعابر.
الاحتلال عنوان رئيسي لمنظومة الفساد في غزة
أكد الأستاذ يسري درويش، رئيس المجلس العام للاتحاد للمراكز الثقافية، أن الاحتلال الإسرائيلي يشكل رأس منظومة الفساد في غزة، مستغلاً ظروف الحرب والإبادة لاستهداف النظام الفلسطيني بأكمله، من البلديات إلى المؤسسات المدنية والعشائرية، ما أتاح أطرافاً "طفيلية" لممارسة الفساد بلا قانون. وأوضح أن الاحتلال خلق فوضى في القطاع عبر التحكم بالتجارة والمعابر وتوزيع الامتيازات للتجار انتقائياً، مع مشاركة بعض المؤسسات المحلية في ممارسات مشبوهة، بما في ذلك منح تسهيلات مالية للمستوردين.
وأضاف درويش أن إدخال المساعدات الإنسانية تعرض للتسييس والتلاعب، حيث كان يمر لفترة حصراً عبر المؤسسة الأمريكية، قبل أن تسمح إسرائيل بعودته عبر قنوات أخرى تحت ضغط فلسطيني ودولي وأممي. وختم درويش بأن ما كُشف حتى الآن يمثل "فلاشات" أولية، وأن وقف الحرب وإتاحة الوصول إلى المعلومات سيكشفان حجم الانتهاكات الذي ستُسجل في "قائمة العار".
قاعدة بيانات لرصد البضائع ودعوة لتوسيع التحقيق في الفساد
في حين أكد مأمون بسيسو، مستشار الأمم المتحدة للإعمار في الشرق الاوسط، أنّه يجري منذ نحو شهر، وبالتنسيق مع الأمم المتحدة، إعداد قاعدة بيانات شاملة لرصد كل ما يدخل إلى قطاع غزة عبر المعابر التجارية، سواء من شاحنات التجار أو من المساعدات الإنسانية، مشيراً إلى أنّ هذه البيانات ستصدر في تقارير يومية وأسبوعية وشهرية، وسيُنشر جزء منها للعموم. واعتبر بسيسو أنّ هذه الخطوة تسير بشكل جيد وتشكل أساساً مهماً للرقابة على حركة البضائع.
وفي مداخلته، شدد بسيسو أن هناك أبعادا مرتبطة بالفساد، مثل ما يُثار حول دفع مبالغ مالية ضخمة (قد تصل إلى عشرة آلاف دولار) مقابل السفر، أو ما يتعلق بآليات عمل التجار وتحريك البضائع، إضافة إلى أبعاد غير واضحة تخص الضفة الغربية والجانب المصري. ولفت إلى أنّ هذه القضايا تحتاج إلى تقصٍّ جدي لمعرفة ما إذا كانت مجرد إشاعات أم وقائع حقيقية، مؤكداً ضرورة التحلي بالشجاعة في توسيع دائرة البحث وكشف مصادر الفساد من جميع الجهات، وعدم الاكتفاء بالتركيز على تجار غزة وحدهم، إذ إن هناك أطرافاً متنفذة ضالعة أيضاً في هذه المنظومة.
الاحتلال ابتز تجار غزة بمئات الملايين عبر التنسيقات
أكد التاجر رياض السوافيري أن الاحتلال الإسرائيلي ابتز تجار غزة بمئات الملايين عبر التحكم بالمعابر وفرض رسوم تنسيقات مرتفعة على الشاحنات. وبلغت رسوم التنسيقات خلال مراحل الحرب الأربع -حسب وصفه- نحو 805 ملايين دولار مقابل دخول نحو 34 ألف شاحنة، مقارنة بما كان يُدفع قبل الحرب، حيث شكلت الزيادة 707 ملايين دولار إضافية، تمثل جوهر الفساد والابتزاز بمشاركة بعض التجار من الجانبين الإسرائيلي والمصري.
وأضاف السوافيري أن أعلى معدلات الابتزاز كانت خلال الفترة من أكتوبر حتى نوفمبر 2024، حين أوقفت إسرائيل التنسيقات المباشرة للتجار وقصرتها على مؤسسات إغاثية، ما أدى لفرض رسوم خيالية وصلت أحياناً إلى 800 ألف شيكل للشاحنة، فيما أسهمت إجراءات البروتوكول الإنساني لاحقاً في تخفيف جزئي للضغط، لكن بقيت العملية تحت سيطرة الاحتلال ومؤسساته.
ضرورة إنشاء لجنة موحدة للتنسيقات للحد من الفساد
وقد أكد سهيل السقا، نائب رئيس اتحاد المقاولين الفلسطينيين، أن جوهر الأزمة يعود إلى ممارسات الاحتلال الإسرائيلي، الذي لم يكتفِ بالحصار بل عمد إلى تفكيك الأطر الرسمية الفلسطينية، مثل هيئة المعابر، لخلق حالة من الفوضى والتناحر بين التجار. وأوضح أنّ التنسيقات التي كانت في السابق تُدار بشكل منظّم تحولت اليوم إلى أداة بيد الاحتلال يوزعها على "أشخاص مختارين" بما يعزز الفساد والابتزاز.
وأشار سهيل إلى أن هذا الفساد لم يقتصر على الاحتلال، بل امتد ليطال بعض المؤسسات الدولية، نتيجة تداخل مصالحها مع بعض التجار المحليين، ما أتاح مجالاً واسعاً لانتشار الرشاوى واستغلال النفوذ، مضيفا أن الاحتلال يختار أصحاب النفوس الضعيفة ممن يلهثون وراء المال، ويمنحهم الامتيازات على حساب المصلحة العامة، ما أدى إلى تفاقم الأزمة.
وفي معرض طرحه للحلول، دعا السقا إلى تشكيل لجنة موحدة للتنسيقات، تكون بمثابة هيئة موحدة وشفافة لضبط المنظومة، تضم ممثلين عن القطاع الخاص والغرف التجارية وبالتعاون مع بعض المؤسسات الإنسانية، بحيث تكون الجهة الوحيدة المخولة بتقديم كشوفات الشاحنات والطلبات إلى الاحتلال، موضحاً أن هذه الآلية ستعيد الانضباط للعملية، وتضمن الشفافية، وتضع حداً لانتشار الرشاوى و"بيع التنسيقات" بين التجار