في ظل نقاش دراسة حول النزاهة والشفافية في عمل المنظمات الإغاثية الدولية بقطاع غزة خلال حرب الإبادة المتواصلة
ائتلاف أمان يوصي بإعداد مؤشر النزاهة والشفافية في عمل المنظمات الإغاثية الدولية في أوقات الطوارئ

عقد الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان) جلسة نقاش عبر منصة زووم، لعرض ومناقشة دراسة بحثية بعنوان: "قيم النزاهة ومبادئ الشفافية ونظم المساءلة في عمل المنظمات الإغاثية الدولية في قطاع غزة خلال حرب الإبادة"، بحضور ممثلين عن مؤسسات إغاثية دولية وعدد من ممثلي المجتمع المدني والعاملين في القطاع الإنساني.
افتتح الجلسة وائل بعلوشة، مدير مكتب أمان في غزة، والذي وضح فيها هدف الدراسة الرئيسي والمتمثل بالمساهمة في تعزيز بيئة النزاهة والشفافية والمساءلة في عمل المنظمات الإغاثية الدولية العاملة في قطاع غزة خلال حرب الإبادة الجماعية، من خلال تسليط الضوء على واقع النزاهة والشفافية والمساءلة في عملها، وتحديد التحديات المستحدثة التي باتت تواجهها كنتيجة للأوضاع الإنسانية الكارثية التي يشهدها القطاع، وصولا الى الاستخلاصات التي يمكن على ضوئها تقديم مجموعة من التوصيات الإجرائية العملية لتحسين استجابة المنظمات الدولية لمتطلبات النزاهة والشفافية والمساءلة في تقديم المساعدات الإغاثية خلال جريمة الإبادة الجماعية الحاصلة.
استعرض الدراسة الباحث عبد المنعم الطهراوي، والتي رصدت بعضا من الفجوات رئيسية، أبرزها: الضعف في توفير المعلومات للمواطنين المتضررين بما فيه وجود معايير واضحة لاختيار المستفيدين، وتوفير سبل وآليات تقديم الشكاوى أو الابلاغ عن ممارسات فساد بما فيه الفساد المبني على النوع الاجتماعي، إضافة الى قصور المساءلة المجتمعية على الشركاء المحليين، وعدم مواءمة المعايير الدولية للسياق المحلي في غزة.
أوصت الدراسة بضرورة إعداد مؤشر للنزاهة والشفافية والمساءلة في عمل المنظمات الدولية العاملة في المساعدات الإنسانية داخل الأراضي الفلسطينية، بهدف تتبع مدى التزام هذه المنظمات بمعايير النزاهة وتوفير معلومات واضحة وشفافة للمستفيدين والمجتمع المدني حول طبيعة عملها، وبالتالي الحد من أية مخاطر مرتبطة بضعف النزاهة والشفافية في عملها. وأكدت الدراسة أن المؤشر ينبغي أن يستند إلى المبادئ التوجيهية الأممية والدولية ذات العلاقة، وإلى الأدلة التي تم توطينها محلياً، مثل دليل منع الفساد في المساعدات الإنسانية الذي اعتمده ائتلاف أمان ووزارة التنمية الاجتماعية.
كما شددت الدراسة على أهمية تنفيذ برامج لبناء قدرات العاملين والمتطوعين في هذه المنظمات وفي المؤسسات الشريكة لها مرتبطة بتعزيز قيم النزاهة والشفافية في العمل، كما دعت إلى وضع سياسات وتدابير لتعزيز نزاهة الشركاء التجاريين ومزودي الخدمات المحليين، عبر تبني مدونات قواعد السلوك، وسياسات الإفصاح عن تضارب المصالح، وتنظيم استقبال الهدايا وغيرها، بما يعزز بيئة النزاهة في عمل المنظمات.
كما أوصت أيضا بتبني مفهوم شمولي للنزاهة، من تعريب وتوحيد للمصادر والدراسات الدولية ذات العلاقة بقيم النزاهة والشفافية لتكون سهلة الاستخدام محلياً، بحيث تدمج القيم الإنسانية في مختلف عمليات العمل الإغاثي، إضافة إلى إنشاء مجموعة عمل قطاعية متخصصة بالنزاهة والشفافية ومكافحة الفساد ضمن هيكلية العمل الأممية في فلسطين.
تعقيبات متعددة
أكد ساجي عبيد، استشاري بناء قدرات، في تعقيب له، على ضرورة تكاتف جميع الأطراف الرسمية والمجتمعية وغير الرسمية لتعزيز قيم النزاهة والشفافية والمساءلة، بما يضمن وصول الخدمات إلى المواطنين بشكل عادل وواضح.
وأشار عبيد إلى أن دور السلطة الوطنية الفلسطينية، خاصة في رام الله، ينبغي أن يكون أكثر فاعلية في هذا السياق، عبر تفعيل بعض الصلاحيات القانونية المتاحة لديها. وأوضح أن غرفة الطوارئ المشتركة للوزارات، والتي يفترض أن تنسق مع المؤسسات الدولية وتضع بروتوكولات عمل واضحة، حيث لم يكن لها تأثير ملموس على تنظيم عمل المؤسسات المحلية والدولية.
وأضاف عبيد أن تعزيز دور غرفة الطوارئ المشتركة بمجموعة من الإجراءات التي من شأنها أن تساهم في ضبط أي تجاوزات محتملة وتعزز الالتزام بالشفافية والنزاهة، مشددا أن تطوير مفاهيم المساءلة والشفافية أصبح ضرورة ملحّة في ظل الظروف الاستثنائية الراهنة، خاصة وأن العديد من المعايير الدولية لا تنسجم مع الواقع الميداني الذي يعيشه الفلسطينيون.
فيما قال خالد رجب، من مؤسسة "أنيرا"، إن بعض المؤسسات، ومن بينها "أنيرا"، اضطرت أحيانا وبحكم الحاجة الملحة في الميدان إلى التوسع بسرعة كبيرة في عملها من أجل الاستجابة للاحتياجات الإنسانية المتزايدة، وهو ما خلق تحديات تفوق قدراتها أحياناً، وقد يحدث ذلك أحيانا دون إيلاء انتباه كافٍ لمعايير الشفافية والحوكمة المؤسسية.
وأوضح رجب أن هناك قضايا تحتاج إلى أنظمة وتعليمات واضحة، مرحّبا بفرص التطوير من خلال عمل (أمان) مع "أنيرا" وغيرها من المؤسسات لمساعدتها على تجاوز الأخطاء أو أوجه القصور التي قد تكون قد حدثت في الماضي، سواء لأسباب بشرية أو خارجة عن الإرادة، مؤكدا أن الالتزام بالمعايير مهم في أوقات الطوارئ والكوارث تماماً كما هو في الأوضاع الطبيعية، مشدداً على ضرورة تطوير استراتيجيات إنسانية تتقاطع مع الأولويات لخدمة السكان على الأرض.
أكد جميل سرحان، مدير الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، أن الوصول والاستجابة لبعض المؤسسات الدولية بات صعبا جدا. وشدد سرحان على ضرورة الخروج بتوصيات واضحة ومباشرة تسهم في تطوير الأداء وتعزز دور المؤسسات الوطنية في الاستجابة للاحتياجات، بدلاً من الاعتماد على أطراف خارجية.
وفي هذا السياق، أشار الباحث عبد المنعم الطهراوي إلى أهمية توطين مؤشرات تتماشى مع مبادئ النزاهة والشفافية، موضحاً أن جزءاً كبيراً من المؤسسات الإنسانية يركز على سرعة الاستجابة ولو على حساب القيم والمعايير، رغم أن الالتزام بها يظل أساسياً لضمان وصول الخدمة للمواطنين بشكل عادل.
وأكد الطهراوي أن تطبيق سياسات الامتثال في الميدان أمر بالغ الأهمية، خاصة في ظل بيئة العمل الإنساني الصعبة والمعقدة الراهنة. وأضاف أن المؤسسات الدولية ما تزال تُعتبر المزود الأبرز للقطاع الإغاثي في غزة، غير أن عدداً منها قد باشر عمله دون الحصول على إذن مباشر من السلطة الوطنية الفلسطينية، حيث بدأت بعضا من هذه المؤسسات -مؤخرا- بتعديل أوضاعها القانونية، وتقديم الخدمات بشكل مؤقت إلى حين استكمال إجراءات الترخيص الرسمية، علماً أنها تعمل على الأرض منذ فبراير/شباط 2024.
وأكد عزمي الشعيبي، مستشار مجلس إدارة ائتلاف أمان لشؤون مكافحة الفساد، أن التحديات التي يواجهها المجتمع الفلسطيني في ظل حالة الطوارئ الراهنة تختلف عن أي ظرف عادي، خاصة مع ما يرافقها من جريمة إبادة جماعية وما بتبعها من جريمة التجويع والتهجير القسري، الأمر الذي لم يترك الوقت الكافي لإعادة بناء القدرات وتمكين الباحثين والعاملين بشكل كامل.
وأوضح الشعيبي أن دليلاً أعده ائتلاف أمان بالتعاون مع منظمة الشفافية الدولية بشأن آليات توزيع المساعدات في مناطق الصراع، كان يفترض وجود سلطة مركزية وسيادة قانون ولو بالحد الأدنى، وهو ما لا ينطبق على الوضع الحالي في غزة حيث يغيب أي شكل من أشكال السلطة المركزية وتغيب السيادة، بينما يواجه المجتمع بأكمله احتياجات هائلة تفوق الإمكانيات المتاحة.
وأشار إلى أن غياب السلطة المركزية يفرض الحاجة إلى آليات عمل جديدة تعوّض هذا الفراغ، من خلال تمكين المؤسسات المحلية والأهلية والمتطوعين على المستوى المجتمعي، باعتبارهم القادرين على تحديد الأولويات وتقديم الخدمات للفئات الأكثر احتياجاً. واعتبر أن تعزيز القيم والسلوكيات المجتمعية يشكّل أولوية لبناء منظومة نزاهة شاملة، مؤكداً أهمية استخدام الدليل الذي طور مع الشفافية الدولية كمرجع لإدارة الشأن العام في ظل انهيار المؤسسات المركزية.
كما شدد الشعيبي على أن السلطة الوطنية مطالَبة بالاستفادة من تجربة غزة من أجل تهيئة المجتمع في الضفة الغربية والاستعداد لمواجهة الاجراءات الاحتلالية المتصاعدة، عبر نقل مركز الثقة من الهيئات الوزارية إلى مواقع العمل اللامركزية، بما يضمن استدامة العمل والخدمات حتى في حال محاولة الاحتلال شل المؤسسات المركزية في ظل سياسات الضم والإغلاقات المتسارعة للمدن والقرى المختلفة.