الفنانة رانيا العامودي: الفن هوية وذاكرة شعب والمرأة صوت الأرض
في حلقة جديدة من برنامج "ضيف الرايــة" الذي تقدّمه الإعلامية آلاء مرار عبر شبكة رايـــة الإعلامية، استضافت الفنانة التشكيلية رانيا العامودي، ابنة مدينة جنين وخريجة كلية الفنون الجميلة في جامعة النجاح الوطنية، التي تحدثت عن رحلتها الطويلة مع الفن، وبداياتها المبكرة، ورسالتها الإنسانية والنسوية التي تجسدها في أعمالها الفنية، مؤكدة أن الفن الفلسطيني هو "ذاكرة شعب وهوية مهددة بالطمس".
تقول العامودي إن جذور تجربتها الفنية تعود إلى طفولتها التي قضتها في السعودية، حيث نشأت في بيئة محافظة انعكست على نظرتها للعالم من حولها.
تضيف: "كنتُ أعيش في بيئة مغلقة نسبيًا، تفرض على الفتيات الخجل والانكفاء نحو الأرض، ولهذا صارت الأرض بكل تفاصيلها — البلاط، النقوش، التراب، الأقمشة — المشهد البصري الأول في ذاكرتي. لاحقًا، حين بدأت الرسم، ظهرت هذه التفاصيل في أعمالي دون وعي، كأنها تراكمت داخلي منذ الطفولة."
وترى العامودي أن هذه الخلفية التربوية لم تولّد لديها رفضًا مباشرًا، بل تقبّلًا هادئًا تحول لاحقًا إلى وعي وتمرد فني. تقول: "الرفض لم يأتِ في الطفولة. جاء لاحقًا عندما بدأت أرى العالم خارج الإطار الذي تربيت عليه، فبدأت أعبّر وأكتشف نفسي من جديد."
من أول رسمة على الجدار إلى معارض عالمية
تتذكر العامودي أول تجربة رسم قامت بها وهي في السادسة من عمرها، حين رسمت جدّتها أثناء حلب بقرتها على جدار المنزل بالطباشير.
تضحك قائلة: "لم أتذكر الحدث بنفسي، لكن الجميع حكوا لي عنه. كانت ستي فخورة جدًا ونادت كل الجيران لتريهم الرسم."
منذ تلك اللحظة، أدركت الطفلة الصغيرة أن لديها موهبة مختلفة. ومع مرور السنوات، درست الفن أكاديميًا في جامعة النجاح الوطنية، وبدأت مسيرتها كمعلمة للفن في المدارس قبل أن تتدرج في عملها لتصبح رئيسة قسم الرسم في وزارة التربية والتعليم.
الفن بين التعليم والممارسة
تصف العامودي تجربة التعليم بأنها كانت صعبة في البداية، لأن البيئة المدرسية "فقيرة فنيًا". وتوضح: "كنت أذهب إلى المدرسة مستاءة، لأنني أشعر أن الفن مظلوم داخل الحصص التعليمية. لكن بعد عشر سنوات من التدريس، تعلّمت كيف أوصل الفكرة وأتواصل مع الطالبات بطريقة صحيحة."
وتؤمن العامودي أن تعليم الفن ليس مجرد موهبة، بل هو علم له قواعد. تقول: "مش أي حدا برسم قادر يعلّم فن. لازم يكون في تأسيس أكاديمي ومهارة حقيقية، مو بس متابعة فيديوهات على اليوتيوب."
وترى أن الإتقان الأكاديمي هو القاعدة التي تسبق الحرية الفنية: "لازم تتقن القاعدة لتكسرها بطريقتك."
المرأة في لوحاتها... صوت داخلي وذاكرة جمعية
في معظم أعمالها، تحضر المرأة كعنصر مركزي. وتوضح العامودي أن السبب بسيط: "أنا امرأة، وأرى العالم من زاويتي الخاصة. المرأة قادرة على التعبير عن مشاعرها الداخلية أكثر من أي أحد آخر. كثيرون يرسمون المرأة من الخارج، لكننا كفنانات نرسمها من الداخل."
وترى أن التعبير النسوي في الفن الفلسطيني ما زال يحتاج إلى صوت أقوى، مضيفة:
"المرأة دايمًا مرتبطة بالأرض، فهي رمز الخصوبة والحياة، لكنها مهمشة فنيًا. معظم اللوحات الفلسطينية عن المرأة رُسمت بعيون ذكورية، وليست من منظور النساء أنفسهن. لهذا، لازم يكون صوت الفنانات أعلى وأوضح."
من البلاط إلى الزيت... رموز الذاكرة الفلسطينية
تستخدم العامودي ألوان الزيت كوسيطها المفضل، وتستقي عناصرها من الأرض الفلسطينية، من البلاط الشعبي والزخارف والأقمشة القديمة.
تقول: "كل بلاطة هي ذاكرة، وكل نقش هو حكاية. هذه التفاصيل البسيطة تحمل وجع المكان وجماله في الوقت نفسه."
أما عن الصعوبات، فتشير إلى أن توفر المواد ليس المشكلة، بل نوعيتها وجودتها التي تأثرت بفعل الحرب وتراجع الاستيراد.
معارض داخل فلسطين وخارجها
شاركت العامودي في العديد من المعارض المحلية والدولية، منها معارض في الأردن، بيروت، قطر، أبو ظبي وسلوفاكيا، إلى جانب معارضها الفردية داخل فلسطين مثل: "على ناصية المجد", "حضور", "خمسة في واحد", و*"1911"* في المركز الثقافي الفرنسي.
تقول إن هذه المشاركات منحتها خبرات متنوعة، لكنها لا تزال ترى نفسها "في البدايات"، معتبرة أن الفن الفلسطيني يحتاج مزيدًا من التواصل بين الفنانين والفنانات وتبادل الخبرات.
الفن كذاكرة وهوية
تؤكد العامودي أن الفن الفلسطيني ليس ترفًا، بل ضرورة وجودية، قائلة:
"الفن هو هوية شعب، وهو ذاكرته الجمعية. الاحتلال يدرك ذلك، ولهذا دمّر المراسم والمؤسسات الفنية في غزة، لأنها تمثل ذاكرة ووجودًا. لما نفهم أن الفن مش ديكور ولا ترف، سيتغير كل شيء."
رسالة للجيل الجديد من الفنانات
في ختام اللقاء، وجهت العامودي رسالة إلى الشابات والفنانات الفلسطينيات قائلة: "نحن النساء لا نجد دعمًا كافيًا، وهذا مؤسف. لكن الإبداع الحقيقي لا ينتظر الإذن. على الفنانات أن يرفعن أصواتهن ويكُنّ يدًا واحدة، لأن صوت المرأة في الفن هو الأكثر صدقًا وحضورًا."