خاص| الاحتلال والإضرابات والأزمات المالية… ثلاثية تضرب التعليم الفلسطيني!

وسط أزمات سياسية واقتصادية وأمنية متلاحقة، يواجه التعليم في فلسطين واحدة من أكثر مراحله صعوبة منذ عقود، في ظل تراكم الفاقد التعليمي، وتراجع جودة المناهج، وتضرر العملية التعليمية بسبب الإضرابات، وتأخر الرواتب، وضعف البنية التحتية الرقمية، وصولًا إلى انهيار شبه كامل للمنظومة التعليمية في قطاع غزة بعد الحرب الأخيرة.

وفي حديث خاص لــ"رايــة"، أكد رئيس الحملة العالمية للتعليم ومدير مركز إبداع المعلم رفعت صباح أن النظام التعليمي الفلسطيني يمر بمرحلة خطيرة تهدد مستقبل الأجيال القادمة، داعيًا إلى خطة وطنية عاجلة لإنقاذ التعليم من الانهيار.

وقال صباح إن الوضع التعليمي في فلسطين صعب وغير مبشر، رغم كل المحاولات للتعامل مع الظروف السياسية والأمنية الراهنة. وأوضح أن النظام التعليمي شهد خلال العقدين الماضيين تراكمًا متواصلًا للأزمات، ما أضعف قدرته على تمكين الطلبة من حقهم في التعلم الكامل.

وأشار إلى أن الزمن التعليمي نفسه تآكل بفعل عوامل متعددة، مثل تقليص الحصص الدراسية وتقليل أيام الدوام للمعلمين إلى ثلاثة أيام فقط، فضلًا عن فقدان عام دراسي كامل خلال جائحة كورونا، تبعتها إضرابات جزئية أفقدت الطلبة عشرات الأيام الدراسية. ومع الحرب الأخيرة، قال إن "المنظومة التعليمية كادت أن تنهار بالكامل".

وبيّن صباح أن هذه التراكمات لم تؤدِّ فقط إلى نقص ساعات التعلم، بل مست جوهر العملية التربوية ذاتها، حتى باتت المدرسة مهددة في قدرتها على أداء رسالتها في تطوير الطلبة وتنميتهم. وأضاف أن الاحتلال زاد من تفاقم الأزمة عبر القيود على حركة الطلاب والاعتداءات على المدارس والمعلمين، ما أدى إلى ارتفاع معدلات الفاقد التعليمي.

ولفت إلى أن دراسات وطنية سابقة، حتى قبل جائحة كورونا، كشفت أرقامًا مقلقة، إذ أظهرت إحداها أن نحو 40% من طلبة الصف الرابع لا يتقنون القراءة والكتابة، مضيفًا أن العوامل الجديدة "زادت الطين بلة".

وقال صباح إن المناهج الدراسية تعاني فجوات بنيوية واضحة، إلى جانب ضعف تأهيل المعلمين ونقص الوسائل التعليمية، موضحًا: "نحن نعاني من أمية رقمية في وقت يتسارع فيه العالم نحو التعليم الرقمي". وأضاف أن تأخر الرواتب وأزمة المواصلات تسببت بخلل كبير لدى المعلمين، "فالمعلم الذي لا يملك أجرة المواصلات لا يستطيع أداء دوره كما يجب".

وأشار إلى أن التقييمات الوطنية والدولية تؤكد هذا التراجع، مستشهدًا بدراسة "تيمز" الدولية التي أظهرت أن فلسطين جاءت في المرتبة 73 من أصل 81 دولة، وهي مرتبة متأخرة تعكس عمق الأزمة التعليمية.

وبيّن أن الحرب في غزة ألحقت "إبادة كاملة بالمنظومة التعليمية"، بينما تواجه الضفة الغربية، خاصة شمالها، إغلاقًا تامًا للمدارس في المخيمات، وتغيّرًا في أماكن السكن والمدارس، ما زاد من معدلات التسرب والأمية.

وشدد صباح على ضرورة مراجعة شاملة لجاهزية التعليم عن بعد، قائلًا: "نحن لسنا جاهزين، لا من حيث البنية التحتية ولا من حيث الفهم التربوي. التعليم عن بعد لدينا غير ممنهج، ويُستخدم فقط في الأزمات"، مؤكدًا أن هذا الأسلوب ساهم في اتساع فجوة التعلم.

ودعا إلى وضع إطار وطني متكامل يربط بين التشخيص الدقيق والتدخلات التربوية الممنهجة وبناء القدرات والمشاركة المجتمعية، لضمان استدامة الحلول ووحدة الجهود الوطنية.