تتحدى الظروف من تحت الركام
مي النجار.. خبيرة تجميل في غزة لم تمنعها الحرب من ملاحقة حلمها
رغم نجاتها من حرب الإبادة، تؤكد مي النجار أن طريق الحياة في غزة ما زال محفوفًا بالخطر، فالخروقات مستمرة، والقلق لا يفارق السكان، والعودة إلى القصف تبقى احتمالًا قائمًا في أي لحظة. مي، وهي أم لثلاثة أطفال، اختارت أن تواجه هذا الواقع بالإرادة والعمل، رافضة الاستسلام للخوف.
النجار من سكان مدينة خان يونس، اضطرت للنزوح إلى دير البلح بعد أن أصبحت منطقتها ضمن ما يُعرف بـ"الخط الأصفر"، ولم تعد تستطيع حتى زيارة منزلها. قبل الحرب، كانت تمتلك صالون تجميل بدأت فيه من الصفر، وظلت تبنيه خطوة بخطوة حتى حققت حلمها بافتتاح مركز أكبر… لكن الحرب سبقتها، إذ دُمّر الصالون بالكامل بعد أسبوع واحد فقط من افتتاحه.
ورغم الخسارة القاسية، لم تتوقف عن العمل، بل واصلت مهنتها متنقلة من بيت إلى بيت، ومن مدينة إلى أخرى، لتجهيز العرائس في ظروف شديدة القسوة، تقطع المسافات، وتغامر أحيانًا وسط إطلاق النار، وتغيب لساعات طويلة عن أطفالها من أجل لقمة العيش، رافضة التخلي عن حلمها.
وتصف النجار في حديثها لشبكة رايـــة الإعلامية واقع العمل في غزة بأنه بالغ الصعوبة، في ظل انقطاع الكهرباء، وغياب المواد التجميلية ذات الجودة، ومنع الاحتلال لإدخال المستلزمات الأساسية، لافتةً إلى أنها ما زالت تستخدم أدوات ومستحضرات استخرجتها من تحت ركام صالونها المدمّر.

ولم تكن الحرب مجرد خسارة مادية في حياتها، بل خطفت منها أيضًا أغلى الأحباب. ففي مثل هذا اليوم قبل عامين، سقط صاروخ على منزلهم خلال قصف عنيف، واستُشهد ابن شقيقتها، طفل يبلغ من العمر ست سنوات، فيما أُصيبت والدته بإصابة خطيرة ما زالت تعاني منها حتى اليوم.
ورغم كل الألم، ترى النجار أن عملها في التجميل يتجاوز الشكل الخارجي، ليمنح الفتيات والنساء جرعة أمل في لحظات الفرح القليلة وسط الدمار. تقول إن أجمل لحظات عملها هي عندما ترى الفرحة في عيون العروس بعد أن تنتهي من تجهيزها.
وتؤكد أن ظروف الحرب تركت آثارًا قاسية على بشرة النساء في غزة، من حروق الشمس، والتصبغات، وتساقط الشعر، وصولًا إلى التجاعيد المبكرة وحتى الشيب، بسبب الخوف وسوء التغذية والعيش في الخيام والعمل على النار. وفي ظل غياب مستحضرات العناية، لجأت مع كثير من النساء لاستخدام وصفات طبيعية من الكركديه والقهوة والنشا وماء الورد، بل واخترعت واقيًا شمسيًا من زيت السمسم.
ورغم النزوح، والفقد، والحرمان، لا تزال مي النجار تتمسك بالأمل، وتحلم بأن تعيد بناء مشروعها من جديد بعد الحرب، وأن يتحول صالونها الصغير يومًا ما إلى مركز كبير، مؤكدة أن الاحتلال قد يدمر المكان، لكنه لن يدمر الإرادة.
مي النجار ليست مجرد خبيرة تجميل في غزة، بل قصة صمود لامرأة تصنع الجمال في قلب القبح، وتزرع الأمل وسط الركام.











