الماء الملوّث يقتل… ومحمود شحدة يكافح للبقاء
 
                                            زكريا المدهون – خانيونس/قطاع غزة
في خيمةٍ صغيرةٍ تتوسّط الركام جنوب قطاع غزة، يعيش محمود شحدة، رجلٌ ستينيّ أنهكته السنين وأثقلته المعاناة.
لم يعد جسده قادراً على تحمّل الألم بعدما تسببت المياه الملوّثة التي اضطر إلى شربها نتيجة الحرب والنزوح وغياب مصادر المياه النظيفة في تدهور حالته الصحية بشكلٍ خطير.
بدأت مأساة محمود بآلامٍ حادةٍ في خاصرته ومغصٍ كلويٍّ شديدٍ دفعه إلى مستشفى الصحابة في مدينة غزة. وبعد الفحوصات المبدئية، تبيّن أنه يعاني من تكوّن حصواتٍ كلويةٍ نتيجة تلوّث المياه وارتفاع نسبة الأملاح فيها. 
لكن سلسلة التحاليل اللاحقة كشفت عن كتلةٍ يُشتبه بأنها ورم في كليته اليسرى.
تدهورت حالته سريعًا، واضطر الأطباء إلى فصل الكلية اليسرى عن اليمنى وتركيب كيسٍ بوليٍّ دائمٍ يرافقه أينما ذهب، بعدما توقفت كليته اليسرى تقريباً عن العمل.
بصوتٍ خافتٍ يملؤه الألم، يقول محمود:
“صرت أعيش بنص جسد… الكيس صار رفيقي بكل مكان، بس اللي بخوف أكثر إنهم قالولي العلاج خلص هان.”
أبلغه الأطباء أن العلاج في غزة توقف عند هذه المرحلة، وأن حالته تتطلب تحويلة عاجلة للعلاج خارج القطاع قبل أن تتفاقم حالته ويصبح مهدداً بالموت نتيجة فشلٍ كلويٍّ محتمل أو انتشار الورم.
وفي هذا السياق، أكدت وزارة الصحة الفلسطينية أن واقع مرضى الكلى في قطاع غزة يمرّ بأزمةٍ خطيرة بسبب نقص الأدوية والمستهلكات الطبية، إضافة إلى الضغط الكبير على وحدات الغسيل الكلوي المحدودة.
وشددت الوزارة على أن بعض الحالات التي تحتاج إلى علاجٍ متخصّص أو تحويلةٍ خارج القطاع تواجه صعوباتٍ كبيرة بسبب الأوضاع الصحية واللوجستية المعقدة، مما يعرّض حياة المرضى للخطر.
اليوم، يعيش محمود بين الأمل والخوف، ينتظر من يمدّ له يد العون قبل فوات الأوان.
قصته تختصر مأساة آلاف المرضى في غزة الذين أجبرتهم الحرب والنزوح على شرب مياهٍ ملوثةٍ والعيش في ظروفٍ قاسيةٍ بلا دواءٍ ولا علاج.
بصوتٍ مرتجفٍ يناشد محمود شحدة فخامة الرئيس ووزارة الصحة وكلّ الجهات المعنية:
“ساعدوني أطلع للعلاج قبل ما يفوت الأوان… حياتي معلقة على أمل، وأتمنى ألا ينقطع هذا الأمل.”
في ختام حكايته، يجلس محمود في صمتٍ طويل، يحدّق في كيسه البولي المعلّق بجانبه، وكأنه مرآةٌ لعمره المعلّق بين الحياة والموت.
لم يعد يطلب الكثير… لا بيتًا، ولا مالًا، فقط فرصة للعلاج قبل أن يُغلق الجرح إلى الأبد.
يهمس قائلاً “كل يوم بصحى بخاف يكون الأخير… بس يمكن ربنا كاتبلي عمر جديد.”
ومع غروب كلّ يوم، يزداد وجعه، ويزداد خوفه من أن يصبح مجرّد رقمٍ جديدٍ في قائمةٍ طويلةٍ من ضحايا الحصار والحرب والمرض والإهمال.
قصة محمود ليست حكاية رجلٍ واحد، بل صرخة وجعٍ لكلّ من يعيش الألم بصمتٍ في غزة… ينتظر الحياة، بينما يقترب الموت بخطى بطيئة.
 
                        


